الثلاثاء, أكتوبر 29, 2024
Homeمقالاتطريق المتاهة : كفاح الزهاوي

طريق المتاهة : كفاح الزهاوي

 كانت متعبةً للغاية حتى وقعت أسير النوم عميقًا وشاملًا. لم تكن لديها القدرة علىالهروب من أسرها حتى الفجر، أُخلي سبيلها في ظل جو صباحي مشرق والموثقبالخضرة، تتألق في السماء أنواع الطيور.

  عاشت في زمن انتشرت فيه التقنية الحديثة، ودون شك كان عقلها مبتلًا بماءتطورها، إلا أنها كانت عاكفة على قراءة الأساطير والانغماس في الأوهام والخرافات،لأن الجو العام كان ملبدًا بغيوم اللاوعي.

    لم تكن تهتم على الإطلاق بالمستقبل، ولم تدغدغ أحاسيسها آفاق التمدنوالتحضر، علما أنها كانت مواظبة على استخدام الإلكترونيات المتقدمة والاعتمادعلى مصادر تدفقها؛ لأن عقلها لم يكن يستطيع التمييز ورؤية الازدهار بعيونمتحررة، بل عقلها عاش في بيئة كانت ولا تزال تتمرغ في وحل الماضي.

   كان وباء الفقر، والجهل، وهوان الفكر هو الأكثر شيوعًا في هذا الوَسْط المتدهور. حالما فتحت عينيها، وجدت نفسها أمام رجلِ ملتحٍ يقف منتصبًا كالشبح، يرتدي زيًايعود إلى زمن ما قبل أكثر من ألف عام.

    التقت عيونهما في توجس وغموض؛ وقد اعترتها نوبة استياء مفاجئة، وتَخَضبوجهها بحمرة شديدة. كان ينظر إليها بعين ملؤها الشهوة؛ فهو يرى وجها خارقالجمال، يخطف انتباهه بمزيد من القوة. بدأ الرجل يرخى العِنان لخياله، ابتسم لهاواشتهاها على الفور، فهي ليست سوى جاريةً وجسدًا للمتعةِ.

    إن ما تشعر به في هذه اللحظات ليست أخيلة سراب أو مصادفة عبثية؛ وإنماواقع محسوس دون أن تفلح في فك طلاسم اللغز المبهم. نشأت تتفرس فيه بازدراء،وطفت على وجهها انطباعة الدهشة والريبة، فلم تملأ منه عينيها، لا سيما عندماشاهدت أشياء غريبة، أثارت في نفسها تساؤلات عدة: رداء الرجل غير مألوف،وطريقة كلامه وتفوهه بلهجة، كما في ـ المسلسلات التاريخية ـ التي تشاهدها علىشاشة التلفزيون.

    كانت تقدح ذهنها كي تلملم أفكارها في مزيج محبوك بنسيج رهيف يساعد فيالحفاظ على الراحة والأمان، ولم يمض على الأمر وقت طويل قبل أن تبدأ الهواجسالخفية المخبأة في مكان ما هناك في الظهور، تلك الهواجس التي بدت وكأنها شعورخفي، إلا انها تكتسي مظهرًا محسوسًا. إنها معركة بين الجديد القديم والقديمالجديد.

   بات من الصعب وصف الأبعاد الفكرية لدن عقول استهجنت وَسْط ـ صراعاتالحضارات ـ وهيمنتها على شريحة واسعة من المجتمع، تعيش في غياهب الجهلالمسرف“.

    كل مباهج الحياة التي استمتعت بها لم تكن تعني لها شيئا، في الوقت الذيكانت تعيش في فراش وثير وناعم وبيت فخم وتركب أفخر السيارات، إلا أنها ما زالتمملوءة ذهنيًا برغبات عفا عليها الزمن تسري في أعماقها بيسر، تنظر إلى الأشياءالجديدة بنظارات سوداء؛ بسبب تلك التراكمات الكمية لأفكار جامدة رست علىأرصفة الخلايا الصدئة وتوالت عبر الأجيال حتى أدت إلى تلف كامل في أجهزةالدماغ.

    مع أن النفس قد تتحرر من بعض حماقاتها، ولكن التصاقها بتلك البيئة لا بد أنيرغمها أن تسقط في وحل القطيع، إن هذا الظلام الذي يحيط بأفق روحها الداخلييجعلها لا تعي وعيًا سليًما في كل ما يجرى من تناقضات في نفسها؛ وثمة هناكأشياء عدة ساطعة كالشمس؛ ولكن الضباب الكثيف المحيط بصفحة الدماغ، يمنعهامن الرؤية الواضحة.

    فجأة اختفت الفتاة كالسراب، فيما لبث الرجل واقفًا في مكانه، وعلى وجهه تبرقابتسامة الفرح وأسارير الاندهاش معًا.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular