في 18 يوليو 1988، قَبِلَ الخميني، ولي الفقيه للنظام الإيراني في ذلك الوقت، بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، قرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار بخصوص الحرب التي استمرت ثماني سنوات بين إيران والعراق. كان هذا القرار صعبًا ومريرًا للغاية بالنسبة للخميني لدرجة أنه وصفه في أحاديثه وكتاباته بـ”شرب كأس السم”.
لكن خلف هذا “شرب كأس السم” كان هناك “سّر” لم يكشفه الخميني أبدًا، ولكنه بُوح به بطرق مختلفة بعد وفاته من قبل محيطه.
هذا “السر المخبّأ” كان يتمثل في الانتقام من مجاهدي خلق الإيرانية، إذ اعتبرهم الخميني سبب هزيمته في الحرب مع العراق. ولهذا السبب أصدر أمرًا أدى إلى المجزرة الوحشية التي راح ضحيتها ثلاثون ألفًا من السجناء السياسيين، 90% منهم كانوا أعضاءً أو مؤيدين لمجاهدي خلق.
بطبيعة الحال، جاءت هذه المجزرة بعد تحضيرات تمت، ولكن التفصيل في ذلك يتطلب مقالًا منفصلًا.
في هذه الكتابة، أُحاول تناول ما بحثه البروفيسور جاويد رحمان، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران، بشأن مجزرة عام 1988، وما قدّمه في تقريره النهائي إلى الأمم المتحدة كوثيقة قانونية ذات قيمة كبيرة.
تم نشر تقرير البروفيسور جاويد رحمان بعنوان “الجرائم الشنيعة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبها النظام الإيراني في الأعوام 1981-1982 و1988” في 66 صفحة و8 فصول. كتب جاويد رحمان في بداية التقرير: “يود المقرر الخاص أن يقدم هذه النتائج التفصيلية إلى ضحايا الجرائم الوحشية وأسرهم وأحبائهم”.
مذبحة عام 1988
في صيف عام 1988، شهدت إيران واحدة من أحلك فصول تاريخها الحديث عندما أصدر الخميني، المرشد الأعلى للنظام الإيراني، فتوى أدت إلى إعدام جماعي للسجناء السياسيين، مستهدفة بشكل رئيسي أعضاء منظمة مجاهدي خلق. كان الخميني يعتقد أن القضاء على مجاهدي خلق جسديًا سيخمد تطلعاتهم الأيديولوجية، وهو اعتقاد شائع بين الطغاة عبر العصور. كان إعلانه واضحًا: “أي شخص في أي مرحلة، إذا وُجد متمسكًا بالنفاق، يجب أن يُعدم. دمروا أعداء الإسلام فورًا. في التعامل مع القضايا، تفضل الأحكام الأسرع”.
نية الإبادة الجماعية
تجلت نية الإبادة في السنوات الأخيرة من حياة الخميني، حيث ترك نظامًا استمر في قمع مجاهدي خلق من خلال دفنهم سراً في قبور غير مميزة، مما أدى إلى محو آثار وجودهم وكأنهم لم يعيشوا في تلك الفترة من تاريخ إيران. ومع مرور 36 عامًا على المذبحة، بدأ المجتمع الدولي في الاعتراف بهذه الفظائع، مما أدى إلى نشر “تقرير جاويد رحمان”، الذي لا يسلط الضوء فقط على التسامح الدولي، بل يجمع أيضًا دماء الضحايا الذين سُفكوا ظلمًا. ويظهر هذا التقرير بعد 36 عامًا من الإدانات المستمرة للديكتاتورية الدينية التي حكمت إيران بقبضة من حديد لأكثر من أربعة عقود.
رد فعل النظام الإيراني
كان رد فعل النظام على هذا التعرض لا يقل عن الهستيري، كما يتضح من التعليقات المهينة التي أدلى بها المسؤولون المزعومون عن حقوق الإنسان داخل القضاء، حيث اتهموا رحمان بأنه مرتزق لتحدثه في منتديات مختلفة يدافع فيها عن مجاهدي خلق. لأول مرة، تظهر عبارات مثل “الجرائم الوحشية” في تقرير رحمان، حيث وصفها بأنها “أسوأ انتهاكات وأكثرها صراحة لحقوق الإنسان في التاريخ المعاصر”، مع وجود مسؤولين حكوميين كبار مشاركين بنشاط في التخطيط والأمر وتنفيذ هذه الفظائع.
الفظائع بين 1981 و1988
يتناول التقرير الفظائع التي ارتكبت بين عامي 1981 و1988، مشيرًا إلى حملة منهجية ضد المعارضة السياسية، العديد منهم كانوا مرتبطين بمجاهدي خلق. ومن بين هؤلاء كان هناك مئات الأطفال، بما في ذلك فاطمة مصباح البالغة من العمر 13 عامًا، وهي مؤيدة معروفة لمجاهدي خلق. ومن منتصف عام 1981 إلى أواخر عام 1982، تم اعتقال الآلاف، بما في ذلك مئات الأطفال بشكل تعسفي، وتعرضوا للتعذيب والإعدام بدون محاكمة عادلة – معظمهم اعتُبروا مذنبين بمجرد الارتباط.
فتوى الخميني المكتوبة بخط اليد بشأن المذبحة
فتوى الخميني التي صدرت عام 1988 تقف كشهادة لا يمكن إنكارها على الإبادة الجماعية. وتبرز نية متعمدة ومستهدفة لإعدام جماعي لمجاهدي خلق، واصفة معارضتهم الدينية بـ “شن الحرب ضد الله”، والتي يجب أن تُعاقب بالموت. “تم النظر مسبقًا في المتطلبات الخاصة لاتفاقية الإبادة الجماعية والتحديات المتعلقة بها”، يلاحظ التقرير، مشيرًا إلى الفتوى كدليل واضح على نية ارتكاب الإبادة الجماعية تحت ستار التجاوز الديني.
دعوة للتحقيق الدولي
يدعو جاويد رحمان إلى إنشاء آلية دولية لضمان إجراء تحقيقات جنائية سريعة وحيادية وشاملة في هذه الفظائع. ويحث جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على استخدام الولاية القضائية العالمية لإجراء تحقيقات فورية وشفافة بموجب القانون الدولي، بهدف تجميع وحفظ الأدلة لمقاضاة جميع المتورطين في المستقبل.
الخطوة نحو العدالة
هذا التسجيل العالمي للمجازر الجماعية كـ “جرائم وحشية” (جرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية) يمثل خطوة نوعية في حركة العدالة للشعب الإيراني، والتي، بالارتباط المباشر مع حركة الإطاحة، تسعى لجلب مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة. مع كشف التاريخ تدريجيًا عن طبقات الصمت التي فرضتها عقود من القمع، يصبح دور المجتمع الدولي في الاعتراف بهذه الفظائع ومعالجتها أكثر أهمية، بهدف إنهاء دورة الإفلات من العقاب التي حمت لفترة طويلة مهندسي أحلك لحظات إيران.
على الرغم من توفر الكثير من الأدلة – حتى اليوم – فإن أولئك الذين يتحملون المسؤولية الجنائية عن هذه الانتهاكات الفادحة وأشد انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم بموجب القوانين الدولية لا يزالون في السلطة ويسيطرون على البلاد. لم يتمكن المجتمع الدولي من محاسبتهم أو لا يريد ذلك. في الواقع، لا يزال العديد من الأشخاص المتورطين في هذه “الجرائم الوحشية” يتمتعون بالامتيازات الرسمية والحكومية والحصانة من العدالة والمساءلة الدولية.
الكلمة الأخيرة
بناءً على ما سبق، يبقى السؤال ما إذا كان الرئيس الجديد لإيران سيقف إلى جانب العدالة ويحيل المتورطين في مجزرة عام 1988 إلى المحكمة لتحقيق العدالة؟ بالتأكيد، الجواب هو لا، لأن مسعود بزشكيان جزء من هذا النظام نفسه، وقد أكد مرارًا وتكرارًا أنه مخلص تمامًا لولاية خامنئي، أي أنه تابع لولي الفقيه. لذا، لا يمكن توقع تنفيذ العدالة منه.