باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
نمر بمرحلة خطيرة وحساسة من طوفان الأقصى، مرحلة ما بعد الاغتيال المزدوج في بيروت وطهران، خرقت فيها إسرائيل كل الخطوط الحمر، وتمادت في عربدتها وإجرامها، وتصاعدت مجازر اسرائيل في غزة والضفة الغربية، وانتهكت سيادة بلد باغتيال إسماعيل هنية في ضيافة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، واغتيال فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، مخلة بذلك قواعد الاشتباك في الجنوب اللبناني.
في اللحظات الأولى لهذه المرحلة سادت المجتمع الإسرائيلي زهوة النصر بنجاح الموساد بعمليات الاغتيال، وعمت فرحتهم المؤقتة بعودة بعض من قوة الردع التي افتقدها جيشهم المأزوم بضربات المقاومة على مختلف الجبهات، بالمقابل ساد الغضب والحزن أوساط جماهير محور المقاومة والرغبة بالثأر والانتقام، وعاش الطرفان هذه المرحلة كل على طريقته بانتظار الرد الذي وعد به محور المقاومة، الجمهور الإسرائيلي عاش انتظار الرد بترقب ورعب واستنفار وفي حالة تأهب قصوى، ترهق الإسرائيليين، وقد يطول الأمر لأسابيع، وسط تساؤل عن حجم الرد والثمن الذي على اسرائيل أن تدفعه، زهوة الانتصار سريعاً ما تحول إلى انكسار، لا تستطيع كل الوسائل أن تحد منه، وكل ذلك بسبب السياسة الاجرامية لحكومة اليمين المتطرف الرعناء، والجمهور الاسرائيلي لم يعد يثق بقدرة جيشهم وقبته الحديدية على صد الهجوم، ولا حتى استعدادات جيوش حلفائهم قادرة على ذلك، متأكدين من عجز هؤلاء جميعاً عن منع وصول الصواريخ والمسيرات إلى أهدافها.
وقبل أن يحين هذا السيناريو من الرعب والفزع راح قادتهم يتصلون بالدول الحامية والراعية والداعمة لحربهم للتأكد من سيشارك في الدفاع عن هذا الكيان، ولا حاجة أن يتصلوا بحليفهم الأمريكي بواشنطن، فهو شريكهم في العدوان وحرب الإبادة في غزة، واستباقاً للرد، راح الأمريكيون يعملون على تشكيل تحالف تقوده واشنطن من أجل الدفاع عن إسرائيل، تعبئة وتحشيد قوى عسكرية وتعزيزات في شمال شرق سوريا وفي البحر، تحرك الولايات المتحدة أساطيلها وبوارجها وحاملات طائراتها، وبحسب مسؤول عسكري أميركي، إن القوات الجوية ستنشر سرباً من مقاتلات إف-22 رابتور الشبحية في المنطقة، كما وصلت مؤخراً مدمرتان دفاعيتان صاروخيتان إضافيتان إلى البحر الأحمر، وتتواجد مجموعة حاملة الطائرات يو إس إس ثيودور روزفلت في خليج عمان تضم طائرات مقاتلة وطائرات متقدمة أخرى، وترافق حاملة الطائرات ثلاث مدمرات قادرة على الهجوم البري والدفاع الجوي.
يأتي تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الإقليم التزاماً بالموقف الأميركي الثابت في حماية الكيان والدفاع عنه، وهي ما زالت تدعي أنها تلعب دوراً مهماً في تجنب اتساع الصراع ليشمل كل الإقليم، بينما ترفع من منسوب التوتر والصراع في المنطقة، بتشجيعها اسرائيل على العدوان، وسياسة اليد الطولى تؤكد أن نتنياهو لا يريد وقف حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة والضفة الغربية، ويتجاهل أن مفتاح خفض التوتر في المنطقة في وقف إطلاق النار، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة، دون شروط.
تأخر الرد الإيراني على إسرائيل ليس تردداً، ومسألة الوقت ورقة بيد محور المقاومة، وهي صاحبة المبادرة الآن، ولا حيلة لإسرائيل فيما تسميه الضربة الاستباقية، ولا تملك أي ورقة ممكن أن تناور عليها، وليس بإمكانها أن تلعب دور الضحية لتكسب التأييد والدعم بعد كل ما ارتكبته من تجاوزات للقيم الإنسانية وخرقاً للقانون الدولي، في مجازر بُثت على الهواء مباشرة، وفي عملية الاغتيال المزدوجة ضربت اسرائيل بعرض الحائط كل القوانين والأنظمة الدولية، وقبل موعد الهجوم المنتظر، يجري التساؤل عن طبيعته، هل هو هجمات منسقة بين أطراف محور المقاومة؟. أم سيكون بتكتيك مشترك بينهم؟. هجوم رمزي أم استراتيجي عالي المستوى؟. متزامن من محور المقاومة بأكمله ؟. هل هو شكلي؟. يعبر عن مخاوف من رد فعل مضاد، أم عمل مدروس ومنضبط؟. وإذا كان كذلك فهل هو لإرضاء جمهور المقاومة المطالب بالرد القاسي المؤلم؟.
توقعات الإدارة الأميركية أن يكون الرد الإيراني مشابهاً للهجوم الذي نفذته طهران في 13 أبريل/نيسان الماضي، لكنه قد يكون أوسع نطاقاً، من حيث عدد الصواريخ والمسيرات، ويستهدف منشآت عسكرية، ويتجنب استهداف المدنيين والمناطق المدنية.
الجهود الأميركية دائماً تأتي في الوقت الضائع بعد أن تنفذ إسرائيل جرائمها فقد نشطت الدبلوماسية الأمريكية على مختلف المستويات، وزير الخارجية بلينكن صرح للصحفيين يوم الاثنين 5 آب/ أغسطس: نحن منخرطون في دبلوماسية مكثفة، على مدار الساعة تقريباً، برسالة بسيطة للغاية: يجب على جميع الأطراف الامتناع عن التصعيد، ويجب على جميع الأطراف اتخاذ خطوات لتخفيف التوترات. أما الرئيس الأمريكي جو بايدن فقد حضر اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن القومي لمناقشة خطر اندلاع حرب في الشرق الأوسط، وأجرى اتصالاً مع الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، بعد زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي قال إنه وصل إلى طهران وهو يحمل 3 رسائل من ملك الأردن وقادة أميركا وإسرائيل، وأن طهران ستبلغ الصفدي رسالتين إحداهما للقيادة الأردنية، والأخرى لأميركا وإسرائيل.
في 13 نيسان الماضي، جاء الرد الإيراني على قصف السفارة في دمشق، وأطلق الجيش الإيراني آلاف المسيرات والصواريخ باتجاه المطارات والقواعد العسكرية الاسرائيلية، قلل البعض من أهمية الرد الإيراني، واعتبره البعض مسرحية هزلية متفق على سيناريو الهجوم والرد عليه، لكن بكل الأحوال أظهر هذا الرد ضعف الكيان الصهيوني وعدم قدرته على التصدي للهجوم الإيراني بقدراته الذاتية، ودون مساعدة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وطرف عربي (مع كل الأسف)،
بالمقابل نعيش الانتظار بلهفة الرد القادم لا محالة، وبالتمني ببتر اليد الطولى التي يتباهى بها هذا المجتمع المتعطش للدماء، يظن العدو الإسرائيلي أنه باغتيال قيادات المقاومة، يضعف من قدراتها أو يردعها أو يخيب آمال جمهور المقاومة، أو ربما يدخلهم في حالة يأس، أمام عدو قادر على الوصول إلى القيادات الأولى متى شاء، وقائمة غولدا حققت نجاحات، لكن هذه العمليات الاستخباراتية لم تكن بسبب براعة الموساد الإسرائيلي في التخطيط والتنفيذ، مع الاعتراف بشيء منها، إلا أنها ظهرت كذلك، بسبب الدعم الخارجي، والحصول على معلومات من وكالة الاستخبارات الأميركية CIA، وغيرها من فرنسية وبريطانية، وهذا إنما يدل على الأيدي الأمريكية الخفية والملطخة بالدماء، والتي تقف وراء هذه العمليات، لاشك أن اسرائيل ما كانت قادرة على اغتيال اسماعيل هنية رئيس حركة حماس لولا الجهود والمساعدة الأميركية.