الأحد, أكتوبر 27, 2024
Homeاراءسنجار اكبر من الجميع : محمود المارديني

سنجار اكبر من الجميع : محمود المارديني

سنجار أكبر من الجميع، ولعن الله كل جبان متخاذل يعمل جاهدا على إثارة الفتنة العمياء
باديء ذي بدء، ومنعا للإتهام المسبق الجاهز من قبل أصحاب العقول الضعيفة أقول :
أعتز بالإسلام دينا، وقد دافعنا عن الدين الحنيف
بكل ما نملك من عزم وقوة، ونؤمن بالله الواحد الأحد، ونفتخر بالرسول الأكرم رسولنا الصادق الأمين
نبيا ورسولا.
ولكن لنكن شجعانا لمرة واحدة وننطق بالحق، فكفانا جبنا وتخاذلا، فعندما ننظر إلى خارطة العالم ونتابع الأحداث في غزة وجنوب لبنان واليمن وليبيا والعراق وكشمير وجنوب الفليبين ومينمار وجنوب الصحراء في أفريقيا ودول القوقاز وفي الهند والصين، سنرى كيف يتم قتل المسلمون بدم بارد، وسنشاهد خطاب الكراهية ضد الإسلام وحرق القرآن الكريم والإساءة إلى نبي الرحمة، وخاصة في السويد والدنمارك وهولندا.
وبالمقابل سنرى شعوبنا خاضعة ذليلة وحكامنا جبناء متخاذلين، فقط نسمع ونرى جعجعة اللسان والأكاذيب والبطولات الكارتونية؛ لأن عدونا أكثر منا قوة وأشد عزما، فقط نتذكر الماضي السحيق ، عندما كنا متحدين نمشي على خطى الإنسانية والشريعة السمحاء.
لكن عندما يتعلق الأمر بتعاملنا مع من هم أقل قوة منا وأشد ضعفا، من أبناء الأديان والمذاهب والقوميات المختلفة عنا في الدين والعرق، نرى أبطال الجهاد والتحرير والعنتريات، ألا يعتبر ذلك
جبنا ونفافا وتخاذلا.
وهنا أود التطرق بشيء من الإيجاز عن التطرف الديني وجذور الإرهاب
من الواضح جدا أن الإرهاب في الثلاثين سنة الأخيرة هو إرهاب ديني بإمتياز، وتدل كل المؤشرات على أن الإرهاب سيبقى إرهابا دينيا في مدى المستقبل المنظور؛ وستستمر الأعمال الإرهابية المتمثلة بقتل المدنيين مجانا ودون أي رادع أخلاقي أو وازع ديني؛ لتحقيق أهداف سياسية، من خلال الإنتساب إلى مرجعيات دينية ذات بعد جماهيري، تقف وراء عمليات التنظير االتي تسبق الفعل الإرهابي، أو تعطي العمل الإرهابي تبريرا، بل وتبجيلا.
وعليه على المعنيين في أجهزة مكافحة الإرهاب، التأكيد على أن إستباق الفعل الإرهابي لا بد أن يبدأ من بدايات تشكل الرؤية المتطرفة المتزمتة التي تخاصم كل المختلفين معها في الفكر والمعتقد.
والمشكلة في الحقيقة تتعلق بالمتلقي ومنهجية التلقي، وبالتالي يمكن القول :إن التطرف الديني مقدمة أولية ضرورية لأي مجتمع يتشكل إرهابيا، يساهم في صنعها (وعاظ التطرف الديني المعاصرون) الذين لا يتشرعن خطابهم أساسا بالتواصل المباشر مع النص المقدس، وإنما بالإتكاء على منظومات فكرية دينية واسعة متجذرة في التاريخ.
إذن، الحرب على الإرهاب بتجفيف منابعه الفكرية لا تكون بالتوقف عند ما نراه ونسمعه على ألسنة الخطباء والدعاة وكتاب المنشورات التحريضية، بل لا بد من التعمق إلى مدى أبعد، وعدم تجاهل أحداث التاريخ البعيد القريب ولا بد لنا من مصارحة أنفسنا قبل مصارحة الآخرين، بحقيقة أن التطرف الديني يقف خلفه خطاب ديني له أعلامه القوي ومؤلفاته الموسوعية، ويمتد في عمق تاريخنا.
وللأسف الشديد نحن إلى الآن ننقد الهوامش؛ ونترك المتون، ننقد التلاميذ الصغار؛ ونترك الكبار، ونترك الذين من ورائهم، أولئك الذين أكدوا لهم أن أن التطرف المتزمت هو فرض ديني.
نحن بحاجة ماسة إلى توسيع نطاق المواجهة مع الفكر المتطرف، وإن ما نراه ونسمعه ينفذ إلى عقولنا وقلوبنا من خلال المناهج الدراسية وخطب الجمعة ومواعظ الفضائيات ومحاضرات (المُتَمَشْيخين) الذين يتكئون على مقولات راسخة، ضد أي نقد في السياق الديني، وكتب رفعت في وعي هذا الجيل المتدين إلى درجة القداسة؛ فأصبح مجرد الإستشهاد بها يقتضي الموافقة المطلقة التي لا تحتاج لدليل، بل هي دليل الأدلة كما يزعمون.
وكذلك من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، وبعض الفعاليات العامة، ذات البعد الديني التي يقوم على تنظيمها مؤدلجون ومتعاطفون دينيا.
لا بد أن نعترف أن هناك مرجعيات متخمة بمقولات التكفير والقتل، وأن شبابنا منذ يبدأ التدرج في مدارج الوعي يسمع الثناء تلو الثناء على هذه المرجعيات وعلى أصحابها، ويؤكد له مدرسوه، وشيوخه، وخطباء جمعته، والمتصدرون في فضائياته، أن أعلام هذه المرجعيات لا ينطقون إلا بالحق الخالص الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وعندما يكبر، ويجد من يحرضه على التطرف، ومن ثم، على الإرهاب بواسطة مقولات منقولة بالنص المثبت من هذه المرجعيات التي أصبحت في تصوره مرجع الصواب الديني؛ سيجد نفسه معتقدا أن الإرهاب هو عين الصواب، إذ هو إنتصار الإسلام وإنبعاث الإسلام الصحيح! كيف لا يؤمن بصوابيتها، وكيف لا يجد نفسه ملزما بتنفيذ ما تدعو إليه، وكيف لا يعتقد أن بذل روحه في سبيل تطبيق مقولاتها هو الفوز الكبير في الآخرة، وقد نشأ لا يسمع إلا الثناء والتقديس لأصحابها حماة العقيدة وسدنة الإسلام الصحيح الذين يرون أنفسهم محصنين ضد النقد، بل يرفعهم الخطاب الديني التقليدي إلى مراتب القداسة، والويل لمن ينظر إليهم شزرا؛ فكيف بمن يحاول فضح تطرفهم على رؤوس الأشهاد !!
مشكلتنا في العالم الإسلامي أننا نهرب من المشكلة بدل مواجهتها، نرفض أن يستخرج المتأسلم أو الواعظ الديني التقليدي مقولات العنف والكراهية من بطون كتبنا المبجلة؛ ليجعلها تخاطب واقعنا المعاصر، ونعده وقتها داعية إرهاب؛ بينما نشتم كل من ينتقد العنف والكراهية في بطون تلك الكتب التي يستمد منها الإرهابي مقولاته، ويجد فيها مشروعية مشروعه.
إن الاعتراف هو بداية الحل؛ فهل نعترف أن مقولات التطرف والإرهاب رائجة في كتبنا وأنها تطل برأسها بشكل مباشر أو غير مباشر بين الحين والآخر، وأنها في كل الأحوال، تحظى بالتقدير الجلي أو الخفي من رموز التقليدية؛ فلا يستطيع أحد نقدها بشكل جذري وصريح ؟!
هل ندرك أن المحرض على التكفير والإرهاب لا يحتاج إلى أكثر من أن يحضر تلك النصوص منسوبة إلى أعلامها المبجلين، وحينئذ؛ لن يستطيع الشاب المتدين الصمود أمام تكفير يراه مسطورا في كتاب ديني بين يديه؛ كتاب طالما سمع الثناء التقديسي عليه وعلى صاحبه ؟!
​​ألم نسمع ما عرضه بعض الباحثين موثقا، وفي فضائيات شهيرة، من مقولات تحض على العنف والتصفية الجسدية في مناهج (الأزهر) الدراسية، مع أن (الأزهر) كما يقال في طول العالم الإسلامي وعرضه هو المعقل العلمي الذي يعد اليوم من مرجعيات الإعتدال السني التي يشار إليها عند التأكيد على تسامح الإسلام ؟!
ألم يقم أحد الباحثين بإستعراض بحثي لفتاوى (ابن تيمية) فوجد أكثر من (400) موضع في مجموع الفتاوى (في الفتاوى فقط) يقول فيها وبالنص الصريح: (يستتاب، فإن تاب وإلا قتل) على مسائل خلافية تافهة في معظم الأحيان ؟!
كيف سيكون الحال عندما تواجه شابا متدينا نشأ على تقديس ابن تيمية بهذه الفتاوى التي تشرعن للقتل صراحة؟ كيف سيستطيع شبابنا المتدين الصمود أمامها وهم الذين نشأوا على اعتبار أقوال هذا الشيخ أدلة بحد ذاتها ؟!
في نهاية المطاف، لا بد من التأكيد على أن المشكلة أكبر من (ابن تيمية) المشكلة في الحقيقة تتعلق بالمتلقي، ومنهجية التلقي، فابن تيمية هو ابن ظروفه الخاصة والعامة، ابن نفسيته وابن ثقافته وابن صراعاته وابن مشكلات عصره. وهو قد قال ما قال، ومضى منذ قرون.
المشكلة فينا نحن، فلو نشأ شبابنا على خطاب ثقافي إنفتاحي لا يصنم (ابن تيمية) وأمثاله، بل يتعاطى معهم بإعتبارهم بشرا يعبرون عن آرائهم النسبية فقط، وأن كل ما قالوه يبقى مجرد محاولات بشرية متواضعة لإصابة مراد الله؛ كما يقولون هم بأنفسهم.
وطبعا، عندما أقول هنا: (ابن تيمية) فهو مجرد مثال فقط، ويمكن لك أن تقيس عليه بقية أعلام القداسة في تاريخنا القريب والبعيد !!

أصحاب العنتريات
غزة تناديكم

محمود المارديني
8/8/2024

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular