بوقتٍ واحدٍ وبأربع شاحنات ٍمفخخة فُجعت شوارع القحطانية بمئاتٍ من الشهداء والجرحى خلفه انفجارٌ كبير تبناه حينذاك تنظيم القاعدة الارهابي وما اشبه ذلك اليوم المسموم بما تلاه في اب عام 2014 حينما تجرع ابناء القحطانية الموت من جديد حينما احتل تنظيم داعش الارهابي قضاء سنجار فألبسوا الحياة الجميلة ثوب الموت .
عائلةٌ بِلا مُعيل
هكذا امسى حال اغلب عوائل القحطانية بعد الانفجار الكبير الذي هز ارجاء المدينة وكانت ( سعاد داوود جتو ) إحدى تلك النساء التي فقدت والدها وشقيقها الوحيد فضلاً عن اقاربها ستة اخوات وامهم بَلا مُعيل ماذا يفعلون وإلى من يشتكون وحال الجميع مثل حالهم من الحياة الصعبة فذهبت الابتسامة وحل الحزن والوجع وانقضت ايام الدلال وجاء زمن الحرمان وقلوباً مٌثقلة بالاحزان وماكان منها إلا ان تركت الدراسة المتوسطة وافتتحت مشروعها المتواضع مع اختها التي تصغرها بسنتين صالوناً بسيطاً لتجميل النساء في محاولة لسد جزء من رمق العيش . سعاد التي لم تخلع ثوب الحزن منذ ان حصدت الانفجارات ارواح ذويها واجهت مصيراً جديداً اقسى واروع حينما سيطر ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) على زمام الامور في سنجار وضواحيها فوجدت نفسها وأكثر من أربعين فرداً من عائلتها تحت حكم المارقين فَقُتل من اهلها من قُتل وأُختُطِفَ من اُختُطِف فضلاً عن مصير النساء الموجع .
قتلُ وخطفٌ وترويعٌ وتشريد
لم تكتمل فرحة سعاد بمشروعها المُبتَدِء فبعد سنة واحدة من افتتاحه بدأ هجوم داعش صباح يوم 13 اب عام 2014 على مجمع القحطانية فزعت واهلها ومصيرها يلوح امامها كأنه كابوس رأته في منامها خاصة وإنهم نساءٌ فقط هرعوا إلى اعمامهم الذين سارعوا بدورهم إلى اخذ الاطفال إلى مزرعة تبعد ثمانية كيلو متر في محاولة للهروب من عناصر التنظيم الارهابي ولكن الهروب لم يُجدي نفعاً كبير إذا حاصرت اربع عجلات مسلحة تحمل عناصر التنظيم المُعدين مسبقاً لترويع الأمنين ولقتلهم وسبيهم المزرعة وأمطروهم بالرصاص ثم اقتحموها فتحقق الكابوس وبدأت الفاجعة .
غدرٌ وتفريق
هذا ديدنهم لا يلتزمون بعهد ولا يحترمون الجورة فكثيرٌ منهم كانوا يتقاسمون العيش مع الجتمع الايزيدي ولكنه التعصب الاعمى والحسد الدفين الذي جعلهم يفرقون عائلة سعاد المتكونة من خمسين فرداً من الاهل والاقارب فأخذوا النساء دون الثلاثين سنة على جهة والرجال بجهة اخرى وتركوا النساء الكبيرات والاطفال فكان نصيب سعاد مع اللواتي اختطفن في وضح النهار ومعها اختها وبنات اعمامها بعد ان اشبعوهم ضرباً وإهانات وسرقوا جميع مقتنياتهم واموالهم بالرغم من محدوديتها .
طريقُ السبي
نحو المجهول مُعبدٌ بالظلم بدأ من مسقط رأسها في القحطانية مروراً بتلعفر التي كانت محطة انتظارٍ وجوع اسبوعين ولم يُسعفها الدعاء ولا البكاء فقلوبهم اقسى من لهيب الصحراء معتدون مارقين ليس لديهم دين ولا ينفع معهم الأنين كانت دعوات سعاد تتلخص بتمني الموت على ان لاتُهدر كرامتها ولكنه القدر يأبى إلا ان يتم خطته التي استمرت بنقلهم عبر باصات كبيرة إلى مدينة الموصل حيث وضعوهم في إحدى قاعات الاعراس لمدة شهر ولم تتغير المعاملة بل ازدادو وحشية مما دفع إحدى اقاربها للأنتحار بدأت الكأبة النفسية تُصيب المُختطفات خاصةً بعد ان بانت اسباب وملامح الخطف .
المحطة الاخيرة قبل البيع
وكأننا نتحدث عن القرون الوسطى ( بيع !! وسبي !! ) ما هذا ؟ تم نقلهم مرةً اخرى إلى بيتٍ كبير من ثلاثِ طوابق يَعود لعائلة مسيحية تركتهُ فاستولى عليه التنظيم وكانت هذه المحطة الاخيرة داخل العراق استعرض الخاطفون الاسيرات امام ما يسمون الشيوخ والامراء وبمساعدة احدى الطبيبات المنقبات كانوا يكشفون على النساء لتميز الثيب من الباكر وكانت سعاد احدى تلك النساء التي وقع عليها الاختيار وكان هذا اليوم الاخير التي رأت فيها اختها وبنات عمها اللواتي تم بيعهن كذلك إلى وحوشٍ اخرين .
حروب الفتح
بالتكبيرات والاطلاقات النارية يستبقلون ( ابو سياف العراقي ) ومساعديه بالطريق من الموصل ثم الرقة ثم مدينة الشدادي . متشدد في الاربعينات من العمر ابتاع سعد وثلاث نساء اخريات فأستعبدتهن زوجته إذ بِيعت مع ثلاث نساء اخريات لأرهابي تونسي يُكنى ( ابو سياف العراقي ) فأستعبد هذا الوحش الاسيرات وجعلهن للخدمة مرة وللأغتصاب تارة تشاركهُ في ذلك زوجته التي لا تقل قساوة وخسةً عنه .
هروبٌ فاشل
بعد سنة من الاشغال الشاقة والاعتداء الجنسي قررت سعاد ومعها اثنين من النساء الاسيرات الهروب وبالفعل استغلنَ في يوم من الايام انشغال زوجة ابو سياف وهربن َ راكضات حالمات بالحرية وطرقنَ باب احدى العوائل فرفضوا استقبالهنَ فطرقوا باب عائلة اخرى استجابوا بكل اريحية وكانت بشرى لهنَ ولكن الخسة والنذالة لا تُفارق اهلها قاموا بنفس اليوم بتبليغ الدواعش واتى ابو سياف غاضباً متعصباً بيده أسوار الحديد فَضُرِبنا وسُحِلنا وتم تجويعنا وَرجِعنا إلى قدرنا المحتوم دون ما تكون باليدِ حيلة .
الحياة مُستمرة
اروع ما في النساء الايزيديات صَبرهن وأصرارهن على الحياة إنتقاماً من اولئك الذين ارادو النيل من كرامتهن وسعاد إحدى تلك النساء القويات التي قاومت البُغاة الغُزاة صَبُرت برغم بيعها خمس مراتٍ حتى جاء اليوم الذي انكسر فيه التنظيم وحوُصِر فبدأ الارتباك والخوف يسيطر عليهم فهربت سعاد مع عائلة لا تعرفهم إلى الباغوز اخر معاقل التنظيم ومن هناك سلمت نفسها لقوات سوريا الديمقراطية ( قسد ) الذين بدورهم سلموها للبيت الايزيدي . الكل يرتقب العدالة فلابد لأولئك الذين ارتكبوا الجرائم ان يخافوا وترتجف فرائصهم من عقاب الدنيا قبل الاخرة .
مِرأة الخوف
كلما تنظر سعاد لمرأتها التي عادت اليها بعد سنين الهم والغم يعود بها شريط الذكريات إلى تلك الايام الجميلة يوم كانت كريمة في كنف والدها وعزيزة في ظل شقيقها اللذين يمثلان لها العون والسند ولازالت تُلاحق سراب الأحبة الذين لا تعرف مصيرهم إلى الان . وباتت سعاد تخاف من الفقدان بالرغم من عدم وجود من يفقدها فالطمأنينة ليست زراً الكترونياً يُضغط فيشعر الانسان بالأمان وهاجس الخوف والحرمان امسى ملازماً لها . وكأن مِرأة سعاد ترد على حسراتها بسؤالٍ جوهري ماذا سترينا الايام .وبالرغم من إنضمام سعاد لأسرة جديدة إلا ان الحيرة لازالت على مُحياها لمَ كل هذا الألم ما الذي فعله اهلها وذويها لِتصب الدنيا جام غضبها عليهم وحملت لهم الرياح الموت بدل النسيم العليل.
من صفحة مبادرة نادية مراد