في ساحة الرقص المكشوفة على الاشجار والازهار العبقة، تمايلت الاجساد على انغام الموسيقى الصاخبة .
التقت عيناهما الودودتان مع ابتسامة جريئة، اقتربا من بعضهما .. تعارفا .. واندفعا بين الاجساد المتلاطمة مثل الامواج، أرخت الموسيقى اوتارها لتشيع فى المكان لحنا ًهادِئا ًعذباً، التصقا جسداهما وتشابكت ايديهما، ليذوبا مع اللحن الممزوج بالعطر والانوار المتكسرة على الاكسسوارات العارية.
إنسحبا بعيداً عن حلقة الرقص، تبادلا الحديث في ممرات الحديقة واقدامهما ترسم ببطء اثرها على البلاط الملون بندى العشب الاخضرعلى الجانبين، تواعدا أن لايفترقا سوى ساعة واحدة.
توجه كل منهما الى مبنى الفندق الذي ينزل فيه، ستّ بنايات كبيرة تطل على البحر الاسود، متشابهة متوازية تفصل بينها جنائن تجري من تحتها السواقي العذبة. أنه موسم الفرح، آلاف السياح من كل الاجناس، طلبة، موظفون، روس، افارقة، لاتينيون، اسيويون …. تختلط اللغات مع مشاعر المودة والصداقة والعلاقات الانسانية الشفافة، دلفَ الى مطعم الفندق ،عشرات الطاولات الناصعة البياض وكأنها ألبستْ فستان عروس، تنتشر في قاعة تزينها الزخارف الخشبية والديكورات الفسيفسائية الأخـّاذة، جلس الى احدى الطاولات المنتشية بأريج الازهار، امامه تتسابق حوريات المطعم يحملن مالذ من الاطباق في عربات نيكل مزججة انيقة، مع ابتسامات وكلمات رقيقة ينشرن طيبتهن على الموائد المكتظة بألوان القارّات المرسومة على القمصان.
ارتقى المصعد الكهربائي للفندق الذي تسكنه، اشارت لوحة الارقام الضوئية الى الطابق الخامس، توقف المصعد وقال مع نفسه (افتح ياسمسم) فأنفلق الباب بهدوء، السجاد الاحمر يكتم انفاس الاحذية، ممر طويل، ثريات زهرية جانبية ترسل اشعتها الصفراء الباهته بتناسق على الجدران، ابواب صنوبرية اسطفّـت كجند حرس الشرف في قصور الامراء.
قرأ الرقم النحاسي، طرق الباب بسبابته، تردد الصدى كصوت نقارالخشب بين سكون الابواب.
فتحت الباب بوجهٍ باسم، حلقات شعرها الذهبي تطوق بحنان عينيها الزرقاوين، طبع قبلة على خدها المتورّد الناعم، أمسكت بيده وسحبته برفق الى الصالة.
ـ “بريفيت” مرحباً…
قالها بالروسية و بلكنة تعبر عن شرقيته السومرية، فردّوا عليه بالترحاب والتعارف المتبادل.
رفعوا كؤوسهم الاربع، رنين الاقداح إمتزج مع الموسيقى الهادئة لجايكوفسكي المنبعثة من جهاز صغير ثبت على الحائط، طعم الفودكا اللاذع المُستحب نشر دفئه ورعشته في خلايا الأجساد الشبقة.
نداء الطبيعة الساحرة دفعهم الى الحدائق الغنـّاء من جديد، تترنح اضواء مصابيح زهرة اللوتس في مقلتيهما، نقيق الضفادع يلهب المكان، أريج الورود يُسكر الفراشات المتكأة على وريقاتها، اتخذوا من مسطبة خشبية مكاناً لسمرهم، ضيق المكان دفعهما لينسحبا بأتجاه الشاطيء الممتد كجناحي طائرعملاق يحتضن البحر، شهوة الروح الطرية امتزجت مع النسمات العليلة، بياض القمر يشع بين فخذيها متحدياً إنكسارات ظله على الاحجار البازلتية السوداء المتراصة كجدار على طول الشاطيء، الرمال الناعمة تدغدغ جسديهما العاريين، نسيم البحر يحمل صدى تأوهات الشاطيء، على الأمواج الفضية إنزلقا بجسديهما الدبقين الى عمق البحر الدافيء ليغوصا في ذكرياتهما الخالدة.
فَـَـز ّمن نومه غارقاً بعرق جسده على إثر إنقطاع الكهرباء في عزّ الصيف الحارق، إختنق برطوبة الجو الساخن، خرجت زفرة من إعماق روحه على شكل صرخة مكتومة:
ـ أعيدوني إلى الجنة.
* أدلِرْ : مدينة روسية ومصيف تقع على البح
عبد الرضا المادح