الإثنين, نوفمبر 25, 2024
Homeمقالاتكردستان العراق الى أين؟ ولادة داعش الكردية.. 2 : صباح كنجي

كردستان العراق الى أين؟ ولادة داعش الكردية.. 2 : صباح كنجي

ثانياً ـ أسس وأرضية العنف الديني المنتج لداعش الكردية

 الفشل السياسي والإداري في إقليم كردستان.. المرافق للممارسات الاستبدادية ومحاولات احتكار السلطة.. ونزعة السيطرة والوصاية وفرض الارادات.. من قبل الحزبين المتحكمين في الادارتين.. ومع حالة التراجع الكبيرة في دور القوى الديمقراطية والعلمانية في كردستان.. وبالأخص انحصار دور وتأثير الشيوعيين في المجتمع.. وبروز ونمو الظاهرة الدينية المدعومة من قبل الأحزاب الإسلامية في العراق.. بمباركة ودعم دول إقليمية ودولية متعددة..

ومع التحولات الاجتماعية في نهج الحزبين الحاكمين في كردستان.. وتراجعهم امام الضغوطات الإقليمية والدولية.. وما نشهده من صفقات مع القوى الإسلامية المحلية.. في أروقة البرلمان ومؤسسات الدولة لتقاسم السلطة ونهب المال العام.. على حساب مصلحة الشعب.. ساهمت وأدت بالنتيجة الى حالات تواطؤ وتساهل مع المد الديني في كردستان.. ابتداء من عام 1991 إثر انتفاضة آذار.. التي أعقبت دخول القوات العراقية ـ البعثية للكويت.. بأمر من المجرم المقبور صدام حسين..

حيث شهدنا أولى النشاطات العلنية للقوى الدينية.. وما كان ملفتاً للنظر.. الشروع بإعادة بناء القرى والمدن في كردستان بمساعدات دولية وإقليمية.. من بينها دول إسلامية.. في مقدمتها السعودية وقطر والباكستان.. التي اخذت تمهد للإعمار من جديد في المناطق الخربة والمدمرة في مرحلة الانفال عام 1988 حيث استباح الجيش العراقي مدن وقرى كردستان..

وكانت البداية.. بداية الاعمار.. تبدأ وقبل كل شيء ببناء الجوامع.. وهذا ما كان ملفتاً للنظر حينها.. ترافقت مع حالات دفع أجور لمن يذهب للصلاة في الجوامع داخل دهوك.. من قبل أوساط إقليمية.. كما شاهدنا والتمسنا..

اتذكر حينها مع نهاية عام 1991.. كانت ظاهرة التجول والحركة والانتقال على الأرجل.. خاصة أيام الجمع.. تشكل مسيرات متعاكسة الاتجاه.. من جموع وكروبات المتوجهين للصلاة.. وأصبحت الحركة الدؤوبة الملفتة للنظر.. في تلك الساعات تنمو وتتوسع.. وبدأنا ندرس أسبابها ودوافعها.. وتبين لنا انّ كل مشارك في تلك الصلاة ـ الاحتفالية ـ يحصل على أجور مشاركته فيما كان يعرف بمسيرات الصلاة مبلغ 200 دولار في الشهر.. تدفع له من قبل مؤسسات إسلامية في دول اقليمية.. بشروط وضوابط معينة.. واتذكر اننا حصلنا على قائمة بأسماء العوائل في قضاء سميل وحده.. ممن انخرطوا في هذه الصلوات المدفوعة الثمن تجاوزت المئات.. وان ْلمْ تخني الذاكرة 669 عائلة..

وحينما طرحنا هذه المعلومة على اجتماع مشترك.. مع قيادة الفرع الأول للحزب الديمقراطي الكردستاني في دهوك.. عقب مسؤول الفرع فاضل ميراني (نحن مطلعين على هذا.. وهو بعلمنا وتحت سيطرتنا.. وأضاف للمزح.. في المستقبل إنْ ظهر بيننا وبينكم ـ يقصد الشيوعيين ـ أي خلاف.. سنهد الإسلاميين عليكم)..

وترافق مع هذه الظاهرة لاحقاً.. نشوء وتشكيل مقرات للأحزاب الدينية الإسلامية.. وأول مظاهر استغلال خطب الجوامع للنيل من القوى العلمانية واليسارية.. وشهدنا حالات تهجم على المذيعات.. بحجة سفورهن.. ومن يومها أصبحت خطب الجوامع في كردستان توجه سهامها بشكل مقصود للنيل من حياة المواطنين.. وجرت محاولات لمنع بيع المشروبات.. وغلق البارات في دهوك.. وبقية مدن كردستان..

 كانت تلك المقدمة والبداية.. لنمو الظاهرة الدينية في كردستان المحررة من الدكتاتورية.. أما اليوم.. ومع مرور ثلاثة عقود من الزمن.. فيمكن القول بلا تردد.. استناداً للتطور الحاصل في شبكة العلاقات الاجتماعية ـ الدينية والسياسية..

1ـ ان القوى الدينية بتشكيلاتها الاسلامية المختلفة الاتجاهات في كردستان.. قد أصبحت قوة سياسية ـ اجتماعية منافسة.. لا يستهان بها.. وتشكل مصدراً مهدداً للسلطة والأحزاب الكردية المنخورة والمتهرئة.. وأصبحت تتحداها.. بهذا الشكل او ذاك..

ولا يستبعد في الأعوام القادمة.. أنْ تتفوق وتتمكن من إزاحة قوى السلطة.. انْ لمْ يجري تدارك الامر.. واتخاذ خطوات جادة لمواجهة المد الإسلامي.. المنتج للتطرف في العالم والمحيط الإقليمي.. وليست كردستان استثناءً.. من هذا التمدد والنمو الخطر..

مع وجود تأثيرات إيران وتركيا والسعودية وقطر ومؤسسة الأزهر في مصر.. ناهيك عن تأثيرات القوى الإسلامية العراقية ـ المحلية.. التي تربطها بقوى الإسلام السياسي في كردستان.. مصالح وعلاقات.. وتتبادل معها أوجه التعاون والتخطيط.. في سياقات اجتماعية ـ دينية ومشاركات في السلطة.. وبقية مؤسسات الدولة.. ناهيك عن شبكة العلاقات الاقتصادية والتجارية.. والأخطر ما بين كل هذا هو..

شبكة الفساد.. بعد أنْ أصبح الفساد ظاهرة عالمية..

2ـ يولد التطرف على الأرض.. وسط تربة وبيئة محلية في ميادين العمل والعلاقات الاجتماعية المتشعبة.. وأصبح ينمو ويتكاثر مع التوسع في بناء الجوامع.. في مدن وقرى كردستان.. التي شهدت بناء أكثر من 9000 آلاف جامع خلال العقود الثلاثة المنصرمة.. أي بمعدل جامع في كل يوم تقريباً.. ولو حسبنا في اقل تقدير.. انً كل جامع يخرج متطرف واحد في السنة.. سنكون امام احتمالات وأرقام مهولة.. ينبغي الاحتراس منها.. والتوقف عندها.. وعند ابعادها ومخاطرها..

3ـ للتطرف الديني في كردستان.. ارث لا يستهان به.. في قوام التطرف الإسلامي.. وشكل الاكراد المسلمون.. جانباً مهماً في التشكيلات الإسلامية المتطرفة.. على امتداد التاريخ.. وافرز نماذجه.. التي ما زال يحتفي بها المتطرفون الإسلاميون والقومجيون الكرد.. ابتداء من: صلاح الدين الأيوبي وسلسلة جرائمه.. التي لا تعد ولا تحصى.. ومروراً بميري كورا ـ الأمير الأعور الراوندوزي.. الذي أصبح هو الآخر رمزاً من رموز التطرف الديني بين الكرد.. ما زال البعض يتفاخر بجرائمهم..

ناهيك عن بقية ممارسات رؤساء العشائر الكرد.. ممن انخرطوا في تشكيلات الدولة العثمانية و”أبدعوا” في ممارسة الاجرام المنفلت.. في سلسلة فرمانات ومذابح تاريخية.. شملت الأرمن والآشوريين والإيزيديين..

وصولاً لمرحلة الدواعش.. الذين ارتكبوا الموبقات الوحشية.. ولم تكن صفوفهم خالية من المجرمين الإسلاميين الكورد.. والمعلومات تؤكد:

انّ عدداً من كتائب داعش المتوحشة.. كانت مشكلة من الاكراد.. وانّ عدد المنخرطين في صفوف داعش من الموظفين العاملين في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في كردستان ـ اربيل فقط.. قد تجاوز 300 موظف.. مارسوا الاجرام والقتل في المدن والقرى بين العراق وسوريا.. وكان لبعضهم دور غير مشرف في اجتياح سنجار وبقية قرى ومدن سهل نينوى وتلعفر..

ولو توقفنا أمام هذا المد الديني.. في عهد دولة الخلافة الإسلامية ـ داعش.. والدور الخطير للأكراد المسلمين المنخرطين في صفوف الدواعش.. لوجدنا انّ الأسباب والعوامل السياسية.. وما يدور من فشل في أروقة الإدارة في كردستان.. ليس بعيداً عن هذه النتائج.. وهذا النهج العدواني..

الذي اخذ ينمو ويتصاعد بين الشبيبة الكردية يوماً بعد آخر..  جنباً الى جنب مع انتشار ونمو ظاهرة الالحاد والكفر بجميع الأديان أيضا.. كنتائج وافرازات متناقضة لأية احداث وتحولات كبرى في المجتمعات..

وهي رغم كونها متناقضة يجمعها وعاء واحد.. يشمل الأرض والزمن المشترك.. المنتج للمفاهيم والأفكار.. التي تفرض نفسها على السلوك البشري.. ضمن سياق تجارب الشعوب بنجاحاتها واخفاقاتها. وهذا ما حصل.. وبدأ يتبلور في كردستان بشكل واضح.. من خلال نشاطات إسلامية متزمتة.. لا تخلو من توجهات وممارسات متطرفة.. مقبولة في الوصف الجهادي ـ الإسلامي.. تبيح اللجوء للعنف وتشرعنه.. للتمهيد للخطوة اللاحقة.. والسعي لأسلمة المجتمع.. كما حدث وما زال يحدث منذ ثلاثة عقود من الزمن.. وهو امر لا يجوز أنْ نغض الطرف عنه ونتجاهله..

خاصة وانّ الإحباط بين أوساط الشبيبة.. بدأ ينتشر ويتوسع ويدفع بهم الى:

1ـ ملاذات الهجرة نحو اوربا..

2ـ او اللجوء للدين.. الذي لا يخلو من التطرف.. وأخذ يستقطب الكثير من أبناء الجيل المحبط.. وهذا ما تؤكده موجات الشباب.. الذين يحاولون مغادرة البلاد بأي طريقة ممكنة.

ويخشى البعض من الناس.. خاصة من غير المسلمين.. من أن شعور عدم الرضا المنتشر على نطاق واسع.. يمكن أن يدفع الناس نحو التطرف الديني ومعاداتهم واستهدافهم.. بحكم ما يلتمسوه من متغيرات في السلوك من جيرانهم..

وبات الامر أكثر خطورة عليهم وعلى مستقبلهم.. وفقاً لتجاربهم السابقة.. بما فيها تجربتهم مع داعش.. التي ما زالت تتفاعل وتفرز تأثيراتها المدمرة.. بعد عقد كامل من الزمن.. ما زلنا نشهد نتائجها المريرة في بقاء الآلاف منهم في مخيمات البؤس والذل.. من الذين لم يتم ارجاعهم الى مدنهم وقراهم وتوفير الحماية لهم..

في الوقت الذي جرى فيه استقدام عوائل الدواعش.. من مخيم الهول في الحسكة.. واستقبالهم.. وما رافق هذه العودة من محاولات للعفو عنهم.. وعنْ بقية المجرمين الدواعش.. وهناك من ينادي بالعفو العام عنهم في مشروع قرار تجري مناقشته في البرلمان.. في صفقة يجري الاعداد لها.. من قبل أكثر من طرف بينهم أطراف كردية.. تشمل جميع من غدروا بجيرانهم الشيعة (من العرب والتركمان والشبك) واتباع الديانة المسيحية والإيزيديين في الموصل وسنجار وتلعفر وبقية مدن سهل نينوى..

 

وشهدنا خلال الأيام القليلة الماضية.. مع الذكرى العاشرة لسقوط نينوى وتسليم سنجار للدواعش.. موجة جديدة من التطرف الإسلامي في كردستان.. موجهة ضد الضحايا الايزيديين.. وتجاوز الخطباء في الجوامع من خلال خطبهم على بقية التجمعات من غير المسلمين.. ووصفوهم بالكفار والملحدين وطالبوا بقتلهم..

وطغت هذه الموجة الإرهابية على بقية النشاطات.. التي سعت للمطالبة بحقوق الضحايا.. ومحاسبة المتسببين بسقوط الموصل وسنجار بيد الدواعش.. بدلاً من حمايتهم وتعويضهم.. وهذا امر غير مقبول حتى في عالم ودهاليز السياسة المبتذلة.. التي تبرر هذا السقوط.. ولا تسعى لمعالجة الثغرات والنواقص.. والتصدي للمواقف المتخاذلة للأحزاب والمؤسسات العسكرية.. التي انهزمت امام الدواعش شر هزيمة..

ومع هذا الإخفاق السياسي والعسكري.. وصعود الدواعش كقوة مؤثرة وفاعلة على الأرض.. بعد سقوط الموصل وسنجار.. والتغيير الحاصل في الخارطة الجغرافية.. مع اعلان دولة الخلافة الإسلامية ـ داعش ونفوذها الممتد لرقع جغرافية واسعة.. من اراضي بين العراق وسوريا..

وبدلاً من مواجهة الموقف والتخلص الدواعش.. أخذت الأمور منحى آخر.. حيث بدأت الخلافات والتهم المتبادلة تستفحل بين أربيل وبغداد.. ومع هذه الخلافات.. بدأت خيوط اللعبة تنكشف.. وسياسة التواطؤ مع الدواعش تتوضح يوماً بعد آخر.. وتبين.. انّ السياسة التي اتخذت في جزء من إقليم كردستان.. كانت تتضمن اتفاقات غير معلنة للجمهور.. تجمع ما بين أطراف في كردستان.. وقوات داعش.. مع بقايا تنظيمات حزب البعث.. التي دخلت مع القوات المهاجمة لمركز مدينة الموصل ليلة التاسع من حزيران عام 2014.. بمباركة المجرم عزة الدوري.. الذي سماهم في خطاب ترحيبي متلفز بـ (المحررين والثوار الشجعان)..

وكان لأطراف وقبائل في الموصل دوراً غير مشرفاً.. في هذا التنسيق الثلاثي الخطير.. ولعب فيه الاخوين النجيفي.. دوراً لا يستهان به.. بالتنسيق مع تركيا.. وقواتها المنتشرة في معسكرات داخل الأراضي العراقية.. بين مدن وجبال كردستان وحتى الموصل.. متمثلة بقاعدة زيلكان.. في ناحية بعشيقة.. التي أدت دوراً مهماً في تقديم الخدمات للدواعش.. تحت ستار التدريبات.. التي كانت تجري بغطاء لمجموعات وفصائل الحشد الشعبي المرتبطة بأثيل النجيفي.. وتلتحق حال تخرجها بقوات وفصائل داعش.. بعلم الأمريكان وحكومة الإقليم..

كأننا في نطاق فيلم سينمائي.. يجمع ما بين التوثيق والكوميديا والسخرية والملهاة.. لا يخلو من الرومانسية والخيال.. بهدف الضحك على الذقون.. وهو الفصل الأكثر مرارة من اسرار مرحلة الدواعش.. ستنكشف المزيد من معالمها.. في الزمن القادم.. وسنشهد فضائح الاتفاقات السرية بالمزيد من التفاصيل..

هذه التفاصيل التي أعلن عنها الراحل الجلبي.. حينما أكد:

ان داعش.. اخذت بتسويق وبيع النفط المستخرج من ابار (عين زاله) في الموصل وغيرها من المناطق.. الى تجار في كردستان.. ومن خلالهم الى الاتراك.. ومن الاتراك يستلم التجار الامريكان النفط المباع.. وان الايداعات وثمن هذه المبيعات.. تسلم للدواعش من خلال حسابات ورصيد في البنوك الكردية.. التي فتحت لهم حسابات خاصة لتسهيل هذه المهمة..

وفي ذات الوقت كانت صفقات بيع السلاح وايصال العتاد للدواعش.. تتواصل من خلال تجار السلاح في كردستان.. بالتنسيق مع بعض المرتزقة الاكراد والجحوش.. في العهد الصدامي.. ممن جرى دمجهم في صفوف قوات البيشمركة.. ومنحوا الرتب العالية.. وأشرف البعض منهم على محور برطلة ومحيط الموصل.. واستغل الموقف ليتاجر بالسلاح والعتاد معهم.. ولا أضن ان هذا كان مخفياً على القيادات الكردية في أربيل.. او على الامريكان.. ممن كانوا قد حددوا خطوط الحركة والانتقال على الأرض.. لشتى الأطراف.. وأصبحوا يستحكمون بكل شاردة وواردة.. من خلال اللعب على جميع الأطراف..

وكانت هذه العلاقات “الغامضة” والمغلفة موضع ترحيب من قبل الحركات الاسلامية والسلفية المتواجدة في كردستان.. بحكم ان غالبية المسلمين الأكراد هم من السنة، وهناك بين رجال الدين السنة في الإقليم متشددون معروفون باسم السلفيون، وهم ينشطون في المنطقة منذ الخمسينات.. وهم ـ أي السلفيون ـ يدعون إلى التمسك بالقواعد الأصلية والمتزمتة للإسلام. وفي الغالب هم من الدارسين لأصول وفقه الدين في مدارس ومؤسسات المملكة العربية السعودية.. وبقية دول الخليج.. والأزهر.. التي كانت تفرخ المتشددين، بحكم سيادة الفكر الوهابي.. وتواجد منظمات اخوان المسلمين.

وحال عودتهم إلى كردستان العراق، بدأوا في إنشاء المدارس والمساجد السلفية بتمويل ودعم مادي ومعنوي من تلك الدول. وهذا ما عزز وشجع التيار السلفي في كردستان.. ليقدم على تشكيل أحزاب ومنظمات سياسية دينية.. تبشر بالفكر الاسلامي المتشدد غالباً..

 هكذا أصبح للسلفيين الكرد حضور ومقرات سياسية.. ومن ثم قنوات تلفزيونية ونشاط اعلامي متميزة عبر الصحافة الورقية.. ومن ثم في السنوات الاخيرة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.. ولم تتوقف نشاطاتهم عند هذا الحد.. ولم يكتفوا بهذا الدور..

سرعان ما شهدنا نشاطات لأفراد ومجموعات سلفية كردية داعمة لهجمات إرهابية.. أخذت بتزويد التنظيمات المتطرفة بالمتطوعين.. وبلغ عدد المتواجدين الكرد في صفوف دولة الخلافة الاسلامية الاجرامية ـ داعش أكثر من 600 رجل.. وتم اعتقال أكثر من 800 آخر ومنعوا من الالتحاق بتشكيلات داعش العسكرية والإدارية.. ومازال التيار السلفي الاسلامي في كردستان في الصعود والتوسع تحت تسميات وعناوين متعددة.

ورغم خطورة هذا التيار الديني.. فإن الحزبين الكرديين المتحكمين بإدارة كردستان.. ما زالا يمارسان سياسة المهادنة مع ممثلي هذا التيار.. رغم معارضته للسياسة والنهج الكردي.. وتبنية لمفاهيم إسلامية لا تعترف بحقوق الشعب الكردي.. وتنظر اليه كجزء من العالم والأمة الإسلامية.. ولا يخفي علاقاته مع التيارات والاتجاهات الإسلامية في تركيا.. والسعودية ودول الخليج وبقية الدول.. التي تجعل من الدين منهجاً وغطاء لها في المرتبة الأولى.. ولا تعترف بحقوق المواطنة..

لا بل هناك من يؤكد:

ان السلطات الكردية تشجع.. من حيث تدري امْ لا تدري.. هذه النشاطات الدينية وترعاها وقد تخلت عن اطروحاتها العلمانية والفكرية اليسارية.. بعدما كانت تصنف ضمن حركات التحرر سابقاً.. وتهرأت وتفسخت وتحولت الى أحزاب عائلية ـ سلطوية.. تمارس السرقات واللصوصية..

ولم تكتفي بهذا.. ولجأت الى الديماغوجيا.. حينما أخذت بفتح وتشخيص زوايا واركان داخل مقراتها الرئيسية للصلاة.. لتوحي انها جزء من مسيرة الدين الإسلامي.. في مسعى منها لخلق انطباع لدى الدول الإسلامية.. التي تتعامل معها.. انهم.. أي الأحزاب الحاكمة في كردستان.. هم جزء من العالم الإسلامي الكبير..

غير ابهين لخطورة هذا النهج الانتهازي المدمر لمفهوم التسامح في المجتمع.. خاصة وانّ مناطق كردستان ليست مقتصرة على التواجد الكردي الإسلامي.. وفيها من المسيحيين والإيزيديين والكاكائيين والبهائيين والزرادشتيين وغيرهم.. ما يفوق في مجموعه على 20% من نسبة السكان.. إذا اخذنا بنظر الاعتبار.. انّ الايزيدية وحدهم يشكلون حوالي 10% من سكان مناطق كردستان.. بالإضافة الى المجاميع العلمانية المنتشرة في كافة المدن والقصبات.. وما رافق هذا المد أيضا.. في اتجاهه المعاكس والمناهض للدين.. حيث برزت ظاهرة التخلي عن الدين الإسلامي.. وبروز ونمو ظاهرة الالحاد ايضاً..

مع التأكيد.. ان التيار السلفي الديني في كردستان.. ما زال يستغل الازمات المحلية والعالمية ونقاط الضعف.. لتحقيق مآربه وطموحاته.. وهو لا يضيع الفرصة للنيل من طبيعة السلطة والأحزاب المتنفذة في كردستان.. ويدعو الشباب للعودة إلى الإسلام.. والتمسك بأصوله.. ويرفع شعار الإسلام هو الحل.. ويبرر سلوك داعش.. ويفصل جرائمها عن الإسلام..

في هذه الأجواء المتوترة.. ومع نقص الوعي.. وصعوبة إدراك طبيعة الاحداث المعقدة والمتشابكة.. ومع الشعور بالظلم وعدم المساواة.. يندفع الكثير من أبناء الجيل الجديد.. للبحث عن حلول ميثولوجية ويقعون في النهاية في فخ التطرف الديني..

وعموماً لا بد وانْ نؤكد.. امام هذه المعطيات.. على خطورة ما يجري في كردستان.. من تحولات لصالح الظاهرة الدينية.. على مستقبل الوضع.. خاصة وانّ التدخل التركي في كردستان.. كما سنوضح أصبح أقرب الى حالة الاحتلال غير المعلنة.. وهو ما سنتوقف عنده في القسم المكمل لهذه الاسطر..

 خاصة بعد أنْ أصبح الإقليم.. محورا ً للنشاطات الإرهابية البعثية.. ونقطة تجمع للمدانين المنخرطين في صفوف الدواعش.. والمنغمسين بالجرائم.. مما دعا البعض ممن يتابعون الاحداث في إقليم كردستان.. الى التحذير من كثرة الحوادث المقلقة والمثيرة للجدل..

التي تسعى لأسلمة كردستان.. وانتشار ظاهرة التشدد الديني في مدنه المهمة.. ابتداء من مناطق بيارة وطويلة ومروراً بجم جمال ومناطق هورمان وغيرها من المدن.. ناهيك عن السليمانية ودهوك التي استبدلت فيها النساء الملابس الكردية الجميلة والوانها الزاهية البراقة.. لصالح الملابس والعباية الخليجية السوداء.. في ظاهرة تلفت النظر وتعكس عمق التأثير الإسلامي.. لا بل.. هناك من يؤكد: انّ واجهة استعلامات مقر الحزب الشيوعي الكردستاني في أربيل.. أصبحت تدار من قبل الشابات المحجبات..

ليس هذا كل شيء..

هناك أيضا ظاهرة المساجد الخاصة.. والمدارس الدينية.. التي ينخرط فيها الشباب بصورة ملفتة للنظر في السليمانية وعموم مدن إقليم كردستان.. وكل هذا ليس بعيداً عن مظاهر انتشار العنف والاعمال العدائية.. تجاه غير المسلمين والمرأة.. ويبقى الحديث عن أسباب انتشار التطرف بالنسبة لمن يتبوأ الإدارة في كردستان غير مهماً.. ولم نشهد حالة توقف عند أسبابه من قبل الجامعات والمراكز المهتمة بالعنف والتطرف.. بالرغم من انتشار خطاب الكراهية والنجاحات.. التي حققها المتطرفون في زرع الكراهية والاحقاد بين المواطنين.. في غالبية مدن كردستان، وزيادة نسبة جرائم القتل لشتى الدوافع.. في المقدمة منها الدوافع الدينية..  

كما هو الحال مع قتل وتصفية الفنان المسرحي الشاب (خواناس وريا كلي) يوم الخميس 22/6/2020      بوابل من الرصاص.. وسط قضاء جمجمال ـ السليمانية، من قبل أحد عناصر قوات الأمن الكردية في الإقليم.. علماً أن القاتل كتب على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك بعد تنفيذ جريمته..

(سأدافع عن الرسول إلى يوم القيامة)،

وعندما ألقي القبض عليه اعترف أيضاً بجريمته.. وأكد انّ: دافعه لارتكاب الجريمة.. يعود لأسباب دينية عقائدية..

والطامة الكبرى.. أنّ الآلاف من المواطنين في الإقليم.. عبر تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أيدوا بلا لبس خطوة المجرم.. وأشادوا بجريمته.. واستكملوا تعليقاتهم بسب ولعن الضحية المغدور..

والسؤال الذي يتبادر للذهن..

 أين تلقى هؤلاء المهوسون بالجريمة تعاليمهم الدينية؟ ومن يتحمل مسؤولية هذا الانتشار الواسع للعنف من ممجدي القتل؟

ورغم ادانة نقابة الفنانين في كردستان، لحادث الاغتيال.. معربة عن أسفها وحزنها لهذا الحادث.. وعدم اشارتها لمن يتحمل المسؤولية.. تبقى حكومة اقليم كردستان هي المسؤولة.. بهذه الدرجة او تلك.. عن انتشار التطرف في الإقليم..

وتتحمل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة الإقليم دورها المماثل، بحكم علاقتها المباشرة بالشؤون الدينية.. ومن مسؤوليتها مراقبة التطرف الديني..

وكذلك الحال مع قنوات الإعلام والمدارس، التي بدأت تفسح المجال للبرامج والدراسات الدينية المتشددة.. لتساهم في اعداد وتخريج جيلاً متشدداً متطرفاً.. يقدم على ارتكاب جرائمه البشعة باسم الدين..

كما تتحمل الأحزاب والمؤسسات العسكرية والأمنية.. مسؤوليتها المباشرة.. في تأمين حياة المواطنين والتصدي للمجرمين والقتلة.. ممن يندفعون باسم الدين لارتكاب الجرائم والشناعات..

ونعود لدور المساجد المخزي في انتاج المزيد من القتلة.. بعد انْ تحولتْ معابد وبيوت الله ومساجده.. الى أداة إرهابية بيد السلفيين وهناك من يؤكد: انه مقابل كل مسجد صوفي.. هنالك 4 مساجد او أكثر للسلفيين المتشددين المحرضين على الكراهية والاحقاد.. وعدم قبول الآخر.. الداعين للفتك بالناس والتخلص من الكفرة والزنادقة.. من بين مجموع جوامع كردستان الـ 9000 جامع.. كما اوضحنا سابقاً..

لا بل هناك من ينوه.. الى خطورة ما يجري في السليمانية.. التي تشهد هي الاخرى تزايداً ملحوظاً في انتشار التيار السلفي المتشدد، الذي بدأ يلفت الانتباه.. ويثير قلق السكان المحليين والمراقبين. ولا يستبعد هذا الظهور والانتشار المتزايد للتيار السلفي المتشدد.. من سعي الأطراف السياسية في المدينة لمهادنة الدين.. وفقاً للمعادلات الرسمية في شبكة العلاقات السياسية ـ التجارية.. بين المدينة وبغداد في مسعى انتهازي غير مكترث للآثار السلبية المدمرة والعاصفة بمستقبل التسامح والاستقرار الاجتماعي فيها.

وطالما توقفنا عند السليمانية لا بد وان نذكر ونتذكر.. أنصار الإسلام وملا كريكار المقيم في النرويج، واسمه نجم الدين فرج أحمد، كداعية كردي من السلفين الجهاديين، وهو من أسس أول جماعة للإخوان المسلمين، عام 2001 باسم حركة “أنصار الإسلام” التي صنفت ضمن التنظيمات الإرهابية..

اما جماعة يكرتو وجند الإسلام.. وغيرهم من التنظيمات الإسلامية فحدث بلا حرج.. بعد ان أصبحت قوة سياسية.. لها ممثليها الرسميين في البرلمان.. ما زالت تستقطب الكثير من الشباب.. وتشكل قوة سياسية خطرة.. أصبح تحت تصرفها.. كميات من العتاد والسلاح الرسمي.. الذي لا يستهان به.. بحجة حماية المقرات والمسؤولين..

وعموماً فإن الاتحاد الإسلامي الكردستاني.. هو امتداد لحركة اخوان المسلمين في العالم.. ويرتبط بأواصر علاقة متشعبة مع المراكز الأخرى في العالم والعراق منذ اعلان تأسيه الرسمي في السادس من شباط 1994.. رغم مشاركته المسبقة لهذا التاريخ في الانتخابات من عام 1992 وكان يتزعمه صلاح الدين محمد بهاء الدين.. عضو المجلس الانتقالي للحكم في العراق.. وبالرغم من انّ الاتحاد الإسلامي أحدث من الحركة الإسلامية.. التي تتبنى الجهاد.. الا انه أكثر شعبية وتغلغلا بين الناس منها في المدن.. ويؤشر في منهاجه الى انه حزب سياسي ـ إصلاحي يجاهد هو الآخر لحل المشكلات الاجتماعية والثقافية من منظور إسلامي.. وهنا يلتقي مع الآخر.. في وعاء اشمل وأوسع.. لأجل استقطاب واستيعاب المزيد من المتطرفين والمتشددين.. والاستعداد لخوض المواجهات المطلوبة في الصفحات المقبلة من العمل الجهادي.. مع احتدام حالة الصراع في كردستان..

ولا تشمل بقية شعاراتهم ابتداء من مفهوم (الحرية.. العدالة.. الاخوة.. الخ) الاّ حدود الدين والمفاهيم الإسلامية المتعارف عليها.. ولا يختلف معهم حتى من يصنف بالمعتدل زوراً وبهتاناً ويصر على توصيف الآخرين من غير المسلمين بالكفار.. ينبغي معاقبتهم والتخلص منهم وفقاً لبقية بنود الشرع الإسلامي..

وهذا ما يدفع بالحركة الإسلامية والاتحاد الإسلامي وغيرها من التنظيمات الإسلامية.. الى الاتفاق والعمل المشترك والدخول في قوائم انتخابية موحدة في مواجهة الأعداء المحتملين.. المشخصين لهم وفقاً للقيم والمفاهيم المعتمدة في الاسلام.. مع وجود قوائم أخرى خارج نطاق هذا الاتفاق.. بحكم وجود تنظيمات إسلامية أخرى.. تنشأ وتعمل بين الحين والآخر.. وفقاً لإمكانياتها.. ومصادر دعمها كـ حركة النهضة الإسلامية.. التي انشقت عن الاتحاد الإسلامي عام1999 وانضمت للحركة الإسلامية.. وحزب الله الثوري الكردي.. الذي شكله أدهم البارزاني المدعوم من إيران..

ولا بد وأنْ نذكر.. ان الحركة الإسلامية في كردستان العراق.. هي امتداد للتيار الإسلامي في كردستان الذي كان من التيارات المسلحة المدعومة من النظام البعثي الصدامي.. في فترة قيادة ملا عثمان عبد العزيز له.. وتشكيله لجند الإسلام.. حيث كان يرتبط بشكل مباشر مع أجهزة الدولة في بغداد.. وكان له تنسيق مع إيران.. واشتبك مع أكثر من طرف في جولات قتال ومشاحنات دموية.. لحين تدخل أوساط إقليمية وفرض بنود اتفاق ومصالحة مع حكومة السليمانية.. دخل في قوامها ممثلون عن الحركة الاسلامية في تركيبة الإدارة.. كوزراء ووكلاء لوزارات..

 

بعدها تشكلت في آب 1999 من اتحاد المجموعتين.. حركة الوحدة الإسلامية.. بزعامة علي عبد العزيز لكنها تصدعت وانشق منها تيار يمثل الشباب.. باسم الجماعة الإسلامية.. لا تخفي الحركة الاسلامية أهدافها المعلنة في السعي للجهاد والاعتماد على القرآن والسنة النبوية لنصرة الإسلام وتطبيق الشريعة والدعوة للقضاء على الكفر والالحاد.. وتعتبره الصراع الرئيسي بين الجهتين ـ جهة المسلمين المؤمنين وجهة الكفار والملحدين..

وهذا في مفهومهم وخططهم لا يمكن نجاحه وتطبيقه.. الاّ بإعلان الجهاد وحسم الموقف وإقامة شرع الله من خلال فرض البديل الإسلامي.. ليمثل حكم الله على الأرض.. وفقاً للمادة الرابعة من برنامج الحركة.. راجع كتاب التوظيف السياسي للفكر الديني للدكتور هادي محمود ص164.

وعموما لكافة حركات الإسلام السياسي اليوم.. مجالس مهيئة لإدارة الحكم.. تتمثل بالمرشد العام الذي يماثل رئيس الجمهورية او رئيس الدولة.. ومجلس الشورى الذي يعادل وينوب عن البرلمان.. بالإضافة الى المكاتب العسكرية والمالية والإعلامية والعلاقات.. التي هي بمثابة نواتاة للوزارات.. في حالة الوصول للسلطة.. او المقدرة على انتزاعها من الاخرين.. عندما يحتدم الصراع ويقرر حسمه التيار الاسلامي بغض النظر عن التسميات..

والمؤكد من المتابعة الميدانية.. التي ترافقت مع موجات من الاصطدام والعنف المتكرر.. ان ّالمجموعات السلفية المتطرفة بدأت تتوسع وتزداد خبرة في القتال مع الزمن.. وأصبح لها داعمون من أطراف عديدة في دول الجوار.. واخذت التيارات المتشددة.. تعلن عن نفسها.. من خلال مراكز قوى على شكل احتجاجات ومواقف رافضة لحالات المصالحة كما حدث مع..

1 ـ حماس المنشقة من الحركة الإسلامية.. التي عقدت اتفاقاً مع الاتحاد الوطني الكردستاني بضغط وتشجيع من إيران.. وشكلت تركيبة حماس.. مجموعة سلفية متطرفة.. نشطت في مناطق كرميان.. واعتبروا الاتفاق مع الاتحاد الوطني الكردستاني مساومة مع الكفر.. وكان يقود هذه المجموعة المتطرفة الـ (ملا عمر بازياني) الذي كان قد توجه سابقاً الى أفغانستان.. والتقى بـ أسامة بن لادن ومجموعته القيادية آنذاك.

2ـ جماعة التوحيد الإسلامي السرية في أربيل.. التي مارست اعمال ونشاطات إرهابية منفلتة.. وهاجمت النساء والسافرات بالتيزاب.. ونفذت تفجيرات للمحلات.. واغتالت فرنسوا حريري عضو المكتب السياسي الآشوري الوحيد في قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني..

ومن المؤكد.. حسب المعلومات الأمنية المتداولة في كردستان.. ان زعيم الحركة (بكر هوليري) ومعه أبو قتادة.. قد زارا أفغانستان.. والتقيا بـ أسامة بن لادن هناك.. الذي طلب منهم توحيد الجهود وتشكيل تنظيم موحد.. باسم جبهة التوحيد الإسلامي بقيادة أبو بكر اميراً.. والملا عثمان بازياني نائباً للأمير..

بالإضافة لوجود مجموعة أخرى باسم (أسو هوليري) سميت بالتكتل المركزي الاسلامي.. حسبما ذكر هادي محمود.. في الصفحة 166 من كتابه المذكور.. بحكم اطلاعه على الأوضاع في كردستان واربيل حيث كان يشغل عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الكردستاني آنذاك.. والمسؤول عن الاعلام المركزي للحزب.. قبل ان يصبح السكرتير الأول له..

 

في هذا المنحى الزمني من تطور النشاط السياسي للحركات الاسلامية في كردستان.. بدأنا نلتمس بشكل واضح بصمات القاعدة تظهر بوضوح.. وهي تترافق مع أولى خطوات تشكيل (أنصار الإسلام) او ما عرف باسم (جند الإسلام) التي تبنت مشاريع للعنف المنفلت.. ورفعت من قدراتها الجهادية.. ومارست التدريبات العسكرية.. لكي توسع من دائرة الإرهاب.. وحظيت بدعم مباشر من منظمة القاعدة.. التي تبنتها وادرجتها في قوام تشكيلاتها المهمة.. وكلف المدعو (أبو عبد الله الشافعي) كممثل عن اسامة بن لادن ومنح رتبة أمير للتنظيم..

واعتمد برنامجه على العنف وإلغاء الآخر.. وشمل ذلك اعلان الحرب على العلمانية والعلمانيين.. وأصبح للحركة مراكز ارتباط خارجية.. تصدر الفتاوى وتحدد سياساتها ومواقفها.. وفقاً لما ورد في فتاوى وتعاليم وارشادات احمد بن حنبل وابن تيمية ومن سار في نهجهم التكفيري الاجرامي..

وبرز نشاطها الأكبر مع انضمام الملا (كريكار) للتنظيم.. وكان يقود نشاطاتها ويوجهها من النرويج.. كما يعلم الجميع.. في فترات سابقة شهدت اعتقاله ومحاكمته.. ومن ثم.. يا للسخرية.. الافراج عنه وتعويضه..

سردت كل هذه المعلومات.. واستدرجت في تتبعها.. لكي أصل لأقول.. لكل من لا يرى ويسمع:

 

ـ ان هذا التراكم “للمنجزات” الإسلامية المتطرفة المعاصرة.. مع ارثها التاريخي الكردي تحديداً.. المستند لطبيعة ومحتوى العنف الجهادي الإسلامي.. المتوارث وفقاً لأحكام ونصوص الشرائع المتبعة.. ومع ما خلفته داعش من تأثيرات ومؤثرات.. ما زالت تتفاعل في أجواء متوترة مغلفة بالتخلف الاجتماعي والعودة لمظاهر الدين.. المرافق لحجم الفساد المستشري.. المدعوم بكم هائل من التدخلات الإقليمية والدولية التي لا تخلو من وقاحة.. بالإضافة الى التدخل العسكري التركي السافر.. كما سنتوقف عنده في فقرة لاحقة بالتفاصيل..

كل هذا يمهد ويشجع بلا لبس.. كما أرى.. لإعلان داعش الكردية بأجندة محلية وإقليمية..

وانّ ما نشهده من تجاوزات ومظاهر مقززة باسم الدين.. بالذات تجاه المواطنين.. من غير المسلمين ونخص منهم الايزيديين والمسيحيين.. يشكل انعطافه حادة.. لا ينبغي السكوت عليها.. وينبغي التحذير منها.. خاصة وإننا نواجه صفحات متداخلة من الصراعات الإقليمية والدولية المعقدة.. التي يلعب فيها التطرف الاسلامي الرسمي دوره الفاعل.. في التأثير على مجريات الأوضاع في كردستان.. ويسعى على المكشوف لتأطيرها بإطار إسلامي..

وهو امتداد لسياسات داخلية في دول مجاورة.. تبرز معالمه الدينية في الأطراف الجغرافية خارج الحدود بحكم الامتدادات الدينية والطائفية.. وامامنا مثلين صارخين في كل من إيران وتركيا.. دون انْ نغفل او نتناسى دور بقية الدول ابتداء.. من السعودية وقطر وبقية دول الخليج والاردن ومن ثم الباكستان بهذا القدر او ذاك.. التي تغذي هذا المد الديني.. وتدعم اتجاهاته المتطرفة.. وتوظفه في نطاق سياساتها الداخلية والإقليمية.. ومن هنا يبرز التأثير الخطير للدول التي تتحكم بها تيارات إسلامية على الأوضاع في كردستان..

ويبرز هذا التأثير التراكمي بشكل صارخ لـ تركيا على سبيل المثال ـ نفس الشيء ينطبق على إيران أيضاـ في الاتجاهات الداعمة للإرهاب والتطرف.. كما كان واضحاً في موقفها الداعم للدواعش.. بعد انْ تحولت مطاراتها ومدنها الحدودية لساحة استقبال وتوديع للآلاف من الدواعش من مختلف اصقاع العالم.. وتمريرهم عبر الحدود من دون مشاكل لسنوات طويلة..

لغاية الصفحة ما قبل الأخيرة من مهمتهم التدميرية.. في مدينة تلعفر بعد استعادتها و”تحريرها” من قبل الجيش العراقي.. التي شهدت نقل الآلاف منهم مع عوائلهم.. عبر سلسلة طويلة من الباصات الكبيرة.. التي مرت بشكل رسمي امام انظار الناس من داخل مدينة دهوك.. لتعبر الحدود نحو الأراضي التركية من معبر إبراهيم الخليل في زاخو.. وجلهم من القادة والكوادر المنخرطين في صفوف تشكيلاتها الاجرامية.. ممن مارسوا القتل والذبح والاعتداءات الجنسية والاغتصاب.. طيلة سنوات تحكمهم في مدن سهل نينوى.. وأجزاء من سوريا..

ناهيك عن فضائح المتاجرة بالنفط مع الموردين الدواعش.. المستحكمين بـ آبار نفط عين زاله ـ نينوى.. وأجزاء من آبار مناطق كركوك ومصفى بيجي وحقول الرميلان في سوريا.. وغيرها من وسائل دعم تركيا للاتجاهات الدينية المتطرفة.. تجعلنا ندرك دورها الخطير في دعم هذه الاتجاهات داخل كردستان العراق.. وامتداداتها عبر الأراضي التركية والسورية.. التي تعرضت للاحتلال التركي منذ أكثر من عقد من الزمن.. وشهدت ظهور داعش..

وسنكشف خطورة هذا التوجه في الفقرات القادمة.. التي سنخصصها للتدخل العسكري التركي.. الذي تحول لقوة احتلال.. كما أسلفنا من خلال تفاصيل المشهد العسكري.. وتطورات السياسة التركية واحتمالات تصادم الاستراتيجية الدولية وتصارعها.. في نطاق حدود جغرافية كردستان.. والمنطقة المجاورة لها.. التي يجري العبث بمستقبلها.. ومستقبل من يتواجد فيها من الكورد وغيرهم.. وفق مخطط بعيد المدى.. ستلعب وتؤدي فيه تركيا دوراً محورياً.. كما نتصور ونعتقد.. من خلال استقراء معطيات الواقع وخرائط الجغرافية المشكلة لحدود بلدانها.. بما فيها حدود كردستان.. وارتباطاتها الإدارية الحالية واللاحقة كما يرسم لها.. كـ اقليم ممكن وضعه تحت سيطرة القوى الدينية.. مع اعلان ولادة داعش الكردية.. كما يحلم اردوغان..  وفقاً لسياقات اعدادها.. كما سنفصل في نهاية استنتاجنا.. بحكم ادلة الواقع.. من خلال الإجراءات العسكرية المتبعة حالياً.. التي تحولت لقوة احتلال.. وسنتوقف عندها في الجزء القادم والاخير المكمل لهذه الاسطر.. وهذا ما نكرر التحذير منه.. لنؤكد:

انّ داعش الكردية قادمة..

ـــــــــــــــــــــــــــــ

صباح كنجي

28 آب 2024

ـ القسم الثاني.. من ابعاد مثلث الخطر.. يعقبه حلقة أخيرة عن خطورة التدخل العسكري التركي الذي تحول لقوة احتلال..

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular