(التألُّقُ وَالإتقان والبَهجَةُ وَالغُفران لِكلِّ مَندائي عَرفَ طَرِيق الإيمان) كنزا رَبا/الكتاب المقدس للصابئة المندائيين
للمرةِ الثانيةِ (1) تحتضن المؤسسة المندائية في مالمو/ السويد وبمساندة جموع غفيرة من العوائل المندائية في (مالمو) والمدن القريبة منها تستقبل بفرح وسرور غامر احتفالية تكريس (طراسة أو تراسا) (2) مندائي ليصبح رجل دين مندائي بدرجة (ترميذا).
أستمرتْ متابعتي باهتمامٍ كبير للخبر السعيد الذي نشرته المؤسسة المندائية في (مالمو) وحددتْ فيه موعداً لتَكريس الصديق العزيز(الشواليا سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَن)، فأنا أعرفه جيداً منذ مدة طويلة رغم أننا لم نلتق وجهاً لوجه، فقد تعارفنا من خلال ما ننشره من مقالات وكتابات جادة تهتم بالشأن المندائي، شجعتنا ان تكون بيننا مراسلات لتبادل وجهات النظر، فكنت اتابع بشكل خاص كتاباته وبحوثه ووجهات نظره المتعلقة في الشأن المندائي والمنشورة على صفحات الانترنيت، وصفحته الشخصية (البحوث المندائية التاريخية) ودائماً أعقب وأثني على جهوده الجادة في كتاباته المنشورة، فيرد على ما أكتبه له وعن مقالاته بكثير من الشكر والعرفان والتقدير والامتنان.
كنت اتابع ما تن000000000000000000000000
00شره اللجان التي تشكلت لتهيئة المستلزمات المهمة والضرورية والاساسية لهذا (التكريس) أو كما يتم تسميته بفرح ونشوة (عرس مندائي) وهو كذلك لكونه ولادة رجل دين (ترميذا) جديد سيشارك بفعالية وبشكل عملي في مساعدة أهله وناسه المندائيين في تنفيذ ما يحتاجونه فيطقوسهم الدينية ويكون عوناً في ديمومة الدين المندائي.
حدد الإعلان أن يوم السبت المصادف 17/أب ـ أغسطس /2024 بداية إجراءات تكريس (طراسة) المندائي الحلالي (الشوليا) وهي أحد المؤهلات المهمة والاساسية التي تأهل من يتصف بها ان يدخل السلك الديني المندائي وتؤهله للارتقاء لدرجة (ترميذا) الدرجة الأولى في سلم مراتب رجال الدين المندائيين، والتي تكون على التوالي (الكنزبرا) ثم (الريش إما) ثم الى مرتبة (رباني) وهذه الدرجة لم يصلها أي رجل دين منذ زمن نبينا يهيا يهانا.
والحلالي: صفة عادة تأتي مع ولادة الشخص من أبويين مندائيين، لكن (الحلالي) الذي يروم (طراسته) ليصبح رجل دين (ترميذأ) هنالك شروط ومستلزمات عديدة، يخضع لها، أولها تدقيق نسب (الحلالي) المرشح (للطراسة) لسبعة أجيال على التوالي، من جهة الأب والأم وبشرط ان تكون منحدرة من أصل مندائي نقي. ليتم قبوله على شرط ان لا يكون أي من هذه الأجيال المتعاقبة قد خالف أحد منهم أصول الدين المندائي، أو خرج عنها، أما إذا كان المرشح (للطراسة) والده أو جده رجل دين (ترميذا) أو غيرها من الدرجات الأخرى فيعتبر(المرشح) كامل الأهلية ولا يحتاج لتدقيق النسب للأجيال البعيدة، لكون الاسبق قد خضع لتدقيق هذا الشرط واجتازه.
وهنالك شروط واختبارات عديدة على (الحلالي) اجتيازها ليتأهل الى (شولياأو شواليا) وأولها السلامة البدنية والعقلية، وأن يكون من ذوي الأخلاق والسلوك والسمعة الحسنة، ليكون قدوة حسنة ومثالاً يحتذى به، ويكون بعمر يأهله لذلك وقد حدده المجلس الروحاني في العراق أن يكون أقل شيء بعمر(21) عاماً، وأن يتمتع بالإجادة التامة للغة المندائية قراءة وكتابة،ومعرفة ودراية بالأمور الدينية والطقسية، وأن يبين رغبته وقناعته بدخولهللسلك الديني وأيمانه بخدمة أبناء ملته، ويمتنع عن قص شعر رأسه وحلاقة وقص شعر لحيته أو شاربه. وأن يكون قد عمل لفترة (شكندا) (3) أي شاهداً لصحة انسياب المراسم والطقوس المندائية التي يقوم بها رجل الدين الذي يعمل بصحبته؛ وهي المواصفات تأهله ان يصبح (ليوفا) أي يمكن أن يكون (شوليا أو شواليا) لغرض تكريسه.
تستمر إجراءات التكريس (الطراسة) مدة سبعة أيام بلياليها، تتخلل الأيامالسبعة إجراءات وتعليمات طقسية دينية تتم بخطوات متتالية ملزمة غاية بالصرامة والتعقيد.
حضرنا أنا وزوجتي لمكان التكريس (الطراسة) مبكرين عن الموعد مساء يوم السبت (17-08-2024) لمشاهدة تنفيذ الخطوات الأولى لهذا العرس المندائي الرائع، مكان التكريس هو قاعة الجمعية الثقافية المندائية في مالمو،والتي اكتظت بالمندائيين (رجال نساء أطفال).
عند دخولي صالة قاعة الجمعية لمحت من بعيد في أقصى القاعة المحتفى به صديقي (الشواليا سِنان سامْي الشيخ عَبد) ذهبت اليه مسرعاً حييته، تصافحنا بحرارة حميمية، واخبرته بسروري وفرحتي وسعادتي برغبته عن قناعة دخوله السلك الديني المندائي، لكوني اعرفه جيداً شاب متعلم لديه شهادة جامعية وكاتب مثابر مثقف ذو ثقافة مندائية ممتازة وذلك من خلال متابعتي لكتاباته الجادة والعميقة في الشأن المندائي، وذلك منذ عدة سنوات.وكذلك فهو من عائلة مندائية ذات تاريخ ديني مشرف ووطنية تقدمية مثقفة،التقطت معه بعض الصور الشخصية للذكرى؛ ثم سلمت على رجال الدين الآخرين، المتواجدين في القاعة، ورحت أبحث عن مكان أجلس فيه (انا وأم مخلد) بين حشود المئات من المندائيين الذين بدوا يتقاطرون سريعاً لحضور الاحتفال.
عينايّ تعمل كالرادار راحت تتجول وترقب المكان، الذي سوف تجرى فيه مراسيم التكريس (الطراسة) ففي الطرف الثاني للصالة المقابل للمدخل شاهدتُ بيتان صغيران متقابلان تم الانتهاء من بنائهما صباح هذا اليوم، البيت الأول الملاصق لجدار الصالة : يسمى (الشخنثا)وأحياناً تكتب(شخنتا) وتعني مسكن، والمعمول من القصب (بموصفات وقياسات محددة) والذي غلف من الخارج بالقماش الأبيض وَيرمز إلى المسكن النوراني، وبابه مفتوحة تتوجه لتقابل باب البيت الأخر والذي بني من القصب أيضاً ويسمى (الاندرونا) وهي بيت من القصب يستخدم للطقوس الدينية، ووضعت قطعة من القماش الأزرق فوق سقفها، والتي ترمز الى العالم المادي أو الأرضي،حسب المفاهيم المندائية، وهذا المكان (الأندرونا) سوف يجلس به (رجال الدين) أي سيكون مقر أقامتهم لليوم الأول للتكريس أي يوم السبت فقط، كانت هنالك في (الأندرونا) مجموعة من الكتب الدينية المندائية وضعت في صندوق ولفت بأردية بيضاء ويسمى الصندوق الذي توضع فيه الكتب الدينية المندائية (بيت كنزي) : ومن الكتب التي يجب ان توضع وتكون موجودة مع المجموعة في هذا الطقس (الطراسة) هي (سيدرا أد نشماثا) أي كتاب الأنفس وديوان (ألما ريشايا ربا) أي العالم الرئيسي العظيم ، وديوان (ملكوثاأليثا) أي الملكوت الأعلى.
وانتصبت ما بين البيتين (الشخنثا) و(الأندرونا) الراية المندائية البيضاء (الدرابشا) أو(الدرفش) ومعناها راية الضياء، وتستعمل عن إجراء الطقوس الدينية المندائية، وهي مصنوعة من حرير القز الخالص، وبالقرب منها وضع أناء مصنوع من الطين الخالص عبارة عن (مبخرة) تسمى باللغة المندائية (قوقا) تنبعث منا رائحة البخور الطيبة، وتكون صغيرة الحجم، وهنالك نوع أخر يستعمل للبخور أيضاً والتي كانت موجودة، وتكون أكبرمنها حجماً ومصنوعة من الطين كذلك، وتسمى (بيت ريهي) ذهبت بالقرب منها وشممتُ رائحة البخور المنبعث منها.
وفي الجهة القريبة من البيتين المنتصبين وضعت طاولة جلست بهدوء وسكينة خلفها (سبعة) بنات مندائيات (عذراوات) بملابسهن الانيقة الجميلة، لغرض خياطة (التيجان) وتسمى باللغة المندائية (تاغي أو تاغا)المصنوعة من قماش ابيض، وهي أحد الأجزاء المهمة في الملابس الدينية الخاصة (بالطراسة) لرجليّ الدين (الربي والشوليا).
علمت أنه قد تمت ظهر هذا اليوم (صباغة الشوليا) صباغة خاصة تسمى (ثلاثة داري) كذلك اصطبغ بالماء الجاري صباغة عادية كافة رجال الدين المكلفين بالتكريس. وتعد (الصباغة) والتي تسمى باللغة المندائية (المصبوتا) وهي من الأركان الأساسية المهمة جداً في الدين المندائي،
وقد علمت أنه تم تأمين كل ما يحتاجونه رجال الدين من طعام وشراب ومكان للإعداد الطعام وتناوله في (مندي يهيا يهانا) المجاور لبناية الجمعية، ولكافة أيام الطراسة.
خرج جميع رجال الدين ومعهم (الشوليا) من صالة الجمعية الى بناية (مندي/ يهيا يهانا) المجاورة للجمعية والتي تبعد عدة خطوات من صالة الجمعية ليخضع (الشوليا) الى إجراء فحص دقيق لجسمه من قبل رجل الدين (الربي) الأب الروحي المسؤول الأول عن طراسته، وبمعية رجال الدين الأخرين وَالترميذي وَالاشكندي كشهود حضور للتأكد من سلامته الجسمانية من أي مرض جلدي كالبرص والبهاق أو أي نقص جسماني.
كنت أترقب مع من معنا بصالة القاعة مراسيم دخول (الشوليا) المرشح للتكريس مع مجموعة رجال الدين، بعد التأكد من الفحص الجسماني…
بموكب مهيب وبملابس دينية جديدة بيضاء (رستا أو رستة) وتعني الرداء النوراني أو رداء الحق، دخل الجميع يتقدمهم (الربي) وهو رجل دين مندائي بدرجة (ترميذا) المسؤول عن التكريس، ومعه (الشوليا) ويرافقهم ثلاثة رجال دين بدرجة (ترميذا) وثلاثة مساعدين بدرجة (اشكندا)، اثناء ذلك ضجت القاعة بالتهليل والترحيب والتبريكات واطلقت النسوة الزغاريد المتتالية،ابتهاجاً وترحيباً بقدومهم فيما أعلن المكلف على أدارة عرافة الحفل الأستاذ (علاء دهلة قمر) بداية مراسيم الاحتفال بالتكريس معلناً بداية العرس المندائي الجديد، مرحباً بالجميع، شاكراً ممتناً لحضورهم ودعمهم ومؤزرتهم ولتبرعاتهم الكريمة السخية، متمنياً للجميع قضاء أسعد الأوقات، بهذا العرس البهي؛ ثم راح َيتحدث معرفاً بأسماء الشوليا المكرس، و(الربي) و(الترميذي) و(الاشكندي) وشيء تعريفي أهمية هذا الاحتفال.
ثم طلب من الجميع الوقوف للاستماع إلى (النشيد المندائي) المسجل والذي بث عبر مكبرات الصوت.
وَللعلم أن النشيد المندائي من كلمات: د.قيس مغشغش السَّعدي وألحان: سلمان سعيد، وتوزيع الموسيقى: يحيى سلمان، وتنفيذ: ديفيد سلمان.
ثم استمعنا الى كلمة رجال الدين القائمين على التكريس: القاها فضيلة (الترميذا) سرمد سامي بلال.
وثم كلمة الأب الروحي (للشوليا) المكرس فضيلة (الربي) قيس عيدان علك.
وعند إتمام خياطة التيجان (التاغي) من قبل الفتيات السبعة، أخذها الربي المسؤول عن التكريس فضيلة (الترميذا قيس) ووضعها (علقها) في الراية (الدرابشا).
أندلف جميع رجال الدين (الترمذا والشكندا) الواحد تلو الأخر الى بهو(الأندرونا) واتخذ كل واحد منهم مكان خاصاً له، فقد جلس (الربي) في الموقع المخصص له أقصى اليمين ووجهه مقابل لوجه (الشوليا) الذي جلس على كرسي في الفسحة التي بين باب (الشخنثا) وباب (الأندرونا) وعلى جانبه وضع مجموعة من الكتب الدينية المندائية ومنها كتاب (سيدرا أد نشماثا) فيما جلسَ بجانبه وعلى كرسي أخر أحد رجال الدين المساعدين (شكندا)…
طلب (عريف الحفل) من الحضور بأسلوب مهذب أن يحافظوا على الهدوء حيث سوف يبدأ الشوليا (سنان) القراءة في كتاب (سيدرا أد نشماثا).
تناول (الشوليا سنان) من الكتب التي بجانبه، كتاب (سيدرا أد نشماثا)المغلف بقماش أبيض وبدأ القراءة به بلغة مندائية، فيما راح ينصت (الربي) والذي يمسك بنسخة أخرى من ذات الكتاب، ليتابع قراءة (الشوليا) للتأكد من دقة وسلامة نطقه للكلمات، بين فترة وأخرى كان (الشوليا) يأخذ وقت قصيراً (استراحة) لتناول بعض جرعات من ماء، من قنينة زجاجية شفافة ملفوفة بقطعة من القماش الأبيض، موضوعة بجانبالكرسي الذي يجلس عليه، بعد الشرب منها، يعيد لفها بذات القطعة البيضاء ويعيدها لمكانها، وتسمى القنينة باللغة المندائية (قنينا).
وعندما أكمل قراءة الكتاب قبل غروب الشمس سمح له بالدخول الى (الأندرونا) أتخذ له مكان للجلوس الى يسار الربي، واستمر الأثنان بقراءة(البوث) وترجمتها للعربية تعني (آيات) من كتاب (سيدرا أد نشماثا) وكذلك من غيره من الكتب الدينية الموجودة بقربهم في (بيت الكنزي) ويجب ان يستمر هكذا برنامجهما (الربي والشوليا) طول هذه الليلة.
من ضمن برنامج هذه الليلة (للحضور) أمسية ثقافية للباحث المندائي (ديارالحيدر) وكان محاضرته بعنوان (التراث المندائي الشفاهي والمدلولات التاريخية) وقد أستعرض في محاضرته تعريف التراث، وأوضح ان التراث يقسم الى مجموعتين
أولاً: التراث المادي
ثانياً: التراث غير المادي (التراث الشفاهي) ويشمل المرويات، الميثولوجيا، الأساطير، الأمثال، سلاسل النسب.
مؤكداً على أهمية متابعة تدوين وجمع التراث الشفاهي المندائي وتدوينه بالطرق العلمية للتحقق منه. وبعد انتهاء المحاضر كانت هنالك فسحة لبعض المداخلات والتعقيبات والاستفسارات، استمع وأجاب عليها الأستاذ المحاضر. بعد انتهاء المحاضرة كانت هنالك فعاليات طربية غنائية شاركت فيها مجاميع مندائية من جميع الحضور الرجال والنساء، نالت استحسان الحضور واستمتع الجميع بها.
فيما كانت صواني الحلويات والفاكهة والمعجنات والسندويشات وترامز الشاي والقهوة وقاني الماء الصحي متوفرة للجميع وضعت على طاولة كبيرة في مدخل الجمعية بين الإدارة والمطبخ، وقد كانت هنالك مجاميع كبيرة من الشباب الغيورين المندائيين تطوعوا للمساعدة للترتيب والتنظيف وغيرها من الاعمال الخدمية.
بعد انتصاف الليل بقليل غادرت (أنا وَأم مخلد) الاحتفال الديني البهيج، متمنياً من كل قلبي أن تكون كل أيام (الطراسة) المتبقية مثل هذا اليوم.
عند عودتي للبيت ذهبت الى (البومات الصور اتصفحها) والتي بحوزتي وجلبها معي من (العراق) عندما قررت الهجرة من العراق عام (2001).
سريعاً أخرجت ألبوم الصور والخاص بصور عام (1997) ففي تلك الفترة كانت أيام (تكريس/ طراسة) اثنان من المندائيين واللذان أصبحا فيما بعد بدرجة (ترميذا) وهم كل من فضيلة الترميذا (علاء كاظم النشمي) وفضيلة الترميذا (مثنى مجيد كلاص حالوب) كنت وقتها أعمل (بشكل طوعي طبعاً) ضمن تشكيلة مجالس طائفة الصابئة المندائيين، كنت أحد أعضاء مجلس شؤون الطائفة وبمنصب (رئيس القسم الثقافي للمجلس) …
ها هي الصور القديمة أبسطها أمامي فهي خير وثيقة وشاهد؛ فقد شاركت في أحد الاماسي بألقاء محاضرة عن أحد أعلام الصابئة في الفترة العباسية، وكانت المحاضرة في القاعة الرئيسية لمندي الصابئة والتي اكتظت بمئات الحضور من المندائيين الذين كانوا يحضرون بشكل يومي مستمر طوال أيام التكريس السبعة؛ ومندي (القادسية / بغداد) هو المندي الوحيد للصابئة في بغداد.
والنشاط الأخر كان ليّ الشرف أن أكلف بتقديم وأداره محاضرة لطيب الذكر المغفور له الأستاذ (زهرون وهام شيخ سام) وكانت محاضرته بعنوان (الزواج بالعقيدة المندائية).
وكنت بتاريخ (2006.01.19) قد نشرتُ وبعدة مواقع صحفية على الانترنيت وغيرها، مقالة بعنوان (زهرون وهام… رمزٌ جميل للصداقة والتواضع) أشرت فيها الى المحاضرة أنفة الذكر ونشرت معها الصورة التي تجمعني مع المغفور له الأستاذ (زهرون وهام) أثناء تقديمي له في تلك المحاضرة.
المحاضرة الثالثة كانت محاضرة ثقافية أيضاً، وقد كلفت بتقديم المحاضر وأداره الجلسة وكانت المحاضرة لاحد ضيوف مندي الطائفة المندائية وهو أحد الأساتذة التدريسيين في جامعة بغداد.
وعند تقليب الصورة الآن وجدت قد كتب خلفها، (محاضرة الدكتور عبد السلام البغدادي / المندي في 1997.09.24) وكانت محاضرته عن الملائكة في الديانة المندائية، والاستاذ المحاضر كان أحد أساتذة النشاط المندائي المثابر الصديق (عدي أسعد خماس) والذي جاء للمندي بصحبته، وبالمناسبة كانت جميع هذه الصور(الثلاثة) التي عندي بهذه الاحتفالية هي بعدسة كامرة الصديق (عدي أسعد خماس) والذي بقيّ على نشاطه ومثابرته وحرصه على أداء المهمات والنشاطات المندائية بكل شهامة وإخلاص لغاية اليوم، رغم مشاغله وتبوأه لمنصب دبلوماسي رفيع في الحكومة العراقية الآن.
أعود الى موضوع تكريس عزيزنا (الشوليا سنان سامي) في اليوم الثاني (للتكريس) جئتُ أنا وزوجتي بعد منتصف الليل، بحدود الساعة الثانية عشر والنصف ليلاً، ركنت سيارتي بالقرب من مقر الجمعية المندائية، اندلفنا من الباب لداخل الصالة، كل شيء داخل الصالة مختلف تماماً عن ترتيب يوم أمس، لقد تم رفع بيت القصب (الاندرونا) وركنتْ الكراسي إلى جنب أحد جداران الصالة، هنلك وسط الصالة مجموعة من الشباب المتطوعين تعمل بهمة وهدوء كخلية نحل، توظب وترتب وتنظف المكان، وهم كل من الأفاضل (عمار وَ شقيقه أنمار كريم الكحيلي، عاضد النشمي، وَقصي جوهر الخميسي/ أبو محمود).
فيما كانت هنالك طاولتان دائريتان على مقربة من (الشخنثا) يجلس حول الطاولة الأولى (الشوليا سنان سامي) ويلتف حوله مجموعة من الشباب من كلا الجنسين، سلمنا عليهم وحييناهم، واخترنا مكاننا للجلوس على طاولة المجموعة الثانية التي كان يجلس حولها مجموعة من أحبتنا أصدقائنا ومنهم فضيلة (الترميذا الربي قيس عيدان، وفضيلة الترميذا مازن نايف، والترميذاسرمد سامي بلال).
كنت تأكدت من خلال مشاهدتي إن جميع رجال الذين في القاعة (ينتعلون) في أقدامهم (الصندل) أو(القبقاب) كما يسمى باللغة الدارجة العراقية، وهو مصنوع من الخشب ويجب ان يكون الغطاء أو السير الذي فوقه مصنوع من ألياف نباتية كالكتان أو من النخيل.
سألت صديقي فضيلة (الربي قيس عيدان علك) هل تمت صباح اليوم كل الطقوس للانتقال لبيت (الشخنثا) بيسر ونجاح؟
ـ أجابني وابتسامة الظفر على محياه، نعم، تم كل شيء بكلِّ يسرٍ ونجاح.
من الطقوس المهمة في عملية التكريس، يتم الانتقال في صباح اليوم الثاني للتكريس أي صباح يوم الأحد من مكان الإقامة الأول لهم (الاندرونا) مكان العالم الأرضي الى المكان النوراني (الشخنثا) بعد ان تتم صباغته بذات الصباح بالماء الجاري، وهذا المكان (الشخنثا) سيكون مقر أقامتهم وسكنهم لمدة أسبوع كامل من (صباح يوم الأحد حتى صباح الأحد القادم) وستجرى فيه العديد من الطقوس الدينية المكملة للتكريس، ومنها استمرار(الشوليا) بالقراءة في كتاب (سدرا أد نشماثا) كتاب الأنفس، في داخل هذا المكان النوراني (الشخنثا) وسيقوم المعلم (الربي) بمنح (الشوليا) المكرس (هديتان) الأولى: خاتم الذهب، والمنقوش عليه عبارة (شوم ياور زيوا) ومعناه (الضياء الساطع) وهو أحد أسماء الحي الأزلي، مصنوع من الذهب الخالص، يوضع بالخنصر الأيمن من يد رجل الدين المكرس.
وكذلك يمنحه مع الخاتم (أكليل من الآس والصولجان؛ والصولجان يسمى باللغة المندائية (المَركِنا) وهي عصا الماء الحيّ، ومصنوعة من غصنٍ من شجر الزيتون)
خلال هذه الفترة، يحصل (الشوليا)على الهدية الثانية من (الربي) وهي (التاغا أو التاج) ومعها يحصل على (الكلمات الثلاثة السرية) ويستمر حصوله في كل يوم على (ثلاث) كلمات سرية ولمدة سبعة أيام أي يكون مجموع الكلمات التي يحصل عليها (21) كلمة؛ يجب أن تكون هذه الكلمات(سر) لا يعرف أي شخص ما هي هذه الكلمات، وعلى (الشوليا) حفظها على ظهر قلب… وخلال هذه الأيام السبعة أيام التكريس تجرى العديد من (الطقوس والشعائر) الدينية المندائية.
وفي صباح اليوم السابع أي صباح يوم الأحد (2020-08-24) يقوم (الشوليا) بصباغة (الربي) رجل الدين الذي كرسه وكذلك صباغة ثلاثة أو سبعة من رجال الدين بالماء الجاري.
خلال أيام التكريس كانت هنالك برامج ثقافية وترفيهية واجتماعية متنوعة، أعدت بعناية من اللجنة المشرفة على التكريس، لتغطي كافة أيام الأسبوع.
حضرت وزوجتي للعديد من تلك الفعاليات الترفيهية الاجتماعية والثقافية، ومنها كانت (ترفيهية طربية) لفنانين مندائيين، شارك الكثير من الحضور في أداء العديد من الأغاني الفلكلورية والبستات العراقية بشكل جماعي، وكان للمشاركة المتميزة الرائعة للنساء المندائيات في أداء تلك البستات العراقية والأغاني الفلكلورية الجماعية، الوقع الجميل والمفرح والبهيج في مضاعفة وإشاعة الألفة الود والسعادة بأجواء تلك الاماسي.
وكذلك حضرتُ لعدة محاضرات ثقافية ومنها محاضرة ثقافية للصديق الباحث الدكتور (رفعت لازم مشعل) مساء الثلاثاء (2024-08-19) والموسومة (أسرار وخفايا عن محاولات السلطات الكنسية المسيحية في تهجير وتنصير الشعب المندائي في القرون الوسطى) والتي نالت استحسان الحضور، وإجاب المحاضر على جميع الاستفسارات والمداخلات التي أثارها الحضورالكريم من النساء والرجال.
وقد كانت للشوليا (سنان سامي) خلال هذا المهرجان العديد من المحاضرات والمداخلات تنم عن ثقافته الجيدة الواسعة في الشأن المندائي.
وكذلك كانت للشوليا ضمن البرنامج الثقافي (ثلاث) محاضرات ثقافية وجميعها تتعلق بالشأن المندائي الثقافي والديني والاجتماعي نالت استحسان الحضور وتفاعلهم وهي:
مساء اليوم السابع كان مسك الختام فقد كان حفل تتويج (الشواليا سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَن) وفرح كبير بنجاح عملية التكريس، فقد حضر الحفل، اعداد كبيرة جداً من العوائل المندائية التي اكتظت بهم صالة الجمعية واروقتها.
وقد أعد لحفل الختام برنامج خاص يختلف عن بقية الأيام، فهو مسك الختام لهذا العراس المندائي الرائع البهي، أعدت طاولة مستطيلة كبيرة مزينة بالورد لرجال الدين، جلس خلفها ووجهه للحضور فضيلة (الربي قيس عيدان) بملابسه الدينة (الرستة/ الملابس الدينية المندائية) وقد وضع عباءة عربية مذهبة جميلة فوق كتفيه، ماسكاً بيده اليسار، الصولجان وبجانبه من اليمين جلس الترميذا (سرمد سامي بلال) فيما كان خلفهم تجرى استعداداتالفرقة الغنائية، والتي جميع اعضائها من المندائيين، والتي سيكون لها فقرة (مميزة) في هذه الليلة، بهذه المناسبة بالسعيدة ، بعد ختام مراسيم حفل التكريس، ومن فقرات برنامج هذا المساء:
أستهل افتتاح الفقرات عريف الحفل الأستاذ (علاء دهلة قمر) بكلمة جميلة قيمة أستهلها بتقديم التهاني والتبريكات لفضيلة الربي والشوليا ورجال الدين، وللحضور الكريم بنجاح هذا التكريس المهيب، شاكراً تعاون الجميع لإنجاحه، بعدها جاءت
كلمة رجال الدين المندائيين /القاها فضيلة الترميذا سرمد سامي بلال
ثم كلمة فضيلة الترميذا الربي (قيس عيدان علك)
ثم فقرة دخول الراية المندائية البيضاء (الدفش/ الدرابشا) لصالة الاحتفال والتي كان يحملها رجل الدين فضيلة الترميذا (مازن نايف الكحيلي) وخلفه مجموعة من رجال الدين (الشكندي) بملابسهم الدينية، فيما كان يحمل بيده الأخرى (مايكرفون) يتحدث بـبعض (البوث)من كتبنا المقدسة، وهو يشق طريقة وسط جموع الحضور الذين استقبلوه واقفين بالتبريكات والتهليل، وبعد نصب (الرفش/ الدرابشا) في المكان المعد له.
جاء فقرة دخول الشوليا (سنان) بملابسه الدينية كاملة (الرستة) وبيده(الصولجان/ المَركنا) وهو يحمل فوق رأسه الكتاب المقدس الأول للصابئة المندائيين (الكنزا ربا) ممسكه بيده اليمين، كان يسير على مهلاً وسط عشرات الزغاريد والتهاليل والتبريكات، بينما قامت بعض النسوة بنثر(الجكليت) فوق رأسه وهي تسير أمامه ـ وهي من العادات العراقية المعروفة في مناسبات الافراح- وعند وصوله للطاولة التي يجلس خلفها رجال الدين الذين أستقبلوه وقوفاً ، بدأ بتقبل رأس (الربي) ثم تقبيل رؤوس رجال الدين الاخرين الواحد تلو الاخر، ثم اتخذ له مكان بجانب الربي، بعد استراحة قصيرة سمح له بكلمة القاها مرتجلاً شكر فيها (الربي) ورجال الدين (الترمذي والاشكندي) و(المؤسسة المندائية في مالمو)والحضور الكريم وكل من دعم هذا العرس المندائي (مادياً أو عينياً أو معنوياً) معاهداً الجميع أنه سيكون الابن البار للمندائية والمندائيين.
ثم اعلن (عريف الحفل) عن فقرة كلمات السادة في المؤسسة المندائية والتي كانت على التوالي: كلمة الهيئة الاستشارية في مالمو القاها الأستاذ (رسام عبد شرجي) وكلمة الجمعية الثقافية المندائية في مالمو، القاها الأستاذ (مناف حلو جابر)، وكلمة رئيس المجلس الديني القاها الاستاذ (سرمد عزيز الكيلاني) وكلمة لجنة المرأة في الجمعية الثقافية المندائية القتها الست ( إقبال رشيد السهيلي) وكذلك شارك ضيفاً عزيزاً من (ستوكهولم) الأستاذ ( عبد الحميد الشيخ دخيل) بكلمة مباركة (للشوليا) باسم العائلة (المندوية) ونوه أن الكتاب المقدس (الكنزا ربا) الذي كان قد وضعه (الشوليا سنان سامي) على رأسه عند دخوله القاعة هو نسخة أصلية تعود الى والده طيب الذكر المغفور له (الكنزبرا دخيل الشيخ عيدان)، جلبها معه للتو من (ستوكهولم) خصيصاً لهذا الحدث المبارك الجميل، وقد عرض (الشوليا) بعض الصفحات من (الكتاب المقدس/ كنزا ربا ) أمام الحضور وهي بخط المغفور له (الكنزبرادخيل الشيخ عيدان).
بعدها قرأ علينا (عريف الحفل) بعض البرقيات التي وصلت إليهم ونشرتْ في العديد من وسائل التواصل الاجتماعي ومنها (الفيسبوك) والتي تثمن وتباركتكريس (الشوليا سنان سامي) على يد (الربي قيس عيدان) ومنها برقية رئيس طائفة الصابئة المندائيين في العراق والعالم (الريش أما ستار جبار حلو).
بعدها جاء دور الفرقة الغنائية الرائعة والتي صدحت موسيقاها في أرجاء القاعة مما زادت البهجة والفرحة في نفوس الحضور، الذين ابتهجوا وصفقوا ورقصوا ورددوا مع الموسيقى والمطرب العديد من كلمات الاغاني… وأطربناجميل الطرب المطرب المندائي صاحب الصوت المحبوب الفنان (اشور المهنا) بأغانيه العراقية الشجية.
خلال هذه الفترة كانت صواني يحملها الشباب والشابات محملة بمختلف أنواع (الحلويات والمعجنات) توزع للحضور.
فتحية للفرقة الرائعة واعضاها الأحبة التي شاركت في كافة اماسي (التكريس) ومنهم الفنانين (سلوان إبراهيم المهنا، غزوان المهنا، ازاد نشعانالمهنا، سيف علاء دهلة، نزار إبراهيم المهنا)
للعلم: هنالك فترة تمتد لمدة (60 يوماً) تبدأ من يوم الإثنين، على المكرس(الشوليا) اجتيازها وتسمى فترة (مرحلة الطهارة والعزلة للتعبد) يعتزل فيها المرشح عن العالم الدنيوي، متفرغاً تماماً للعبادة فقط وأداء الطقوس اليومية المكملة للتكريس، ويكون فيها (الربي) مشرفاً ومتابعاً دقيقاً ليوميات (الشوليا) ولطقوسه وطعامه، وبعد هذه الفترة هنالك إجراءات طقسية مكملة لعملية تكريس (الشوليا) يجب اجراءها لغرض الحصول على درجة (الترميذا).
هوامش وملاحظات ضرورية مكملة لمقالنا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبدون وجود (أشكندا) لا تتم أعمال رجال الدين، فهو جزء متمم لعملهم، وبدونه تتوقف مراسيمهم مهما كانت درجاتهم الدينية فهو يساعد في مراسيم الزواج، الصباغة، الذبح، الجنازة، وغيرها ما عدا (الصلاة والوضوء) المصدر. ص28 من كتاب ماجد فندي المباركي رجال الصابئة المندائيين 1800- 2000 الجزء الأول ط2 2020.
أسماء رجال الدين المشاركين في التكريس وجميعهم بدرجة (ترميذا)
اسماء (الأشكندا) المشاركين في التكريس:
ملخص عن السيرة الذاتية للمكرس (الشواليا سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَن)، كما نشرت مع إعلان التكريس:
ولد عام 1971 في ميسان وأكمل المراحل الدراسية في بغداد وحصل على شهادة البكالوريوس في هندسة السيطرة والحاسبات من الجامعة التكنولوجية في بغداد عام 1995، ومن ثم هاجر إلى أوربا وحصل على شهادة الماجستير في الهندسة الكهرومغناطيسية أحد أفرع علوم الفضاء من جامعة الدانمارك عام 2002 وبعد ذلك عاد الى العراق حيث تم تعينه كأستاذ جامعي في كلية الهندسة الجامعة المستنصرية، ثم هاجر مجدداً إلى السويد وأكمل هناك كورسات إضافية في هندسة الفضاء في جامعة جالمرز عام 2010.
عمل في العديد من المشاريع العائلية والشركات الخاصة والعالمية وضمن فعاليات تتنوع بين تجارة الذهب والمجوهرات ومشاريع الصيد البحري، شركات بناء مشاريع البنى التحتية – التعليم الجامعي والأعدادي– شركات تقنية المعلومات والشركات الهندسية.
أصبح أشكندا معتمد عام 2021، وهو يهتم بالتاريخ والفلسفة والمندائية والحفاظ عليها والدفاع عنها ضد الاختراقات الخارجية.
ويسعى لمساعدة اخوانه رجال الدين المندائيين للنهوض بالعمل المندائي داخلياً وخارجياً، لقراءة البعض من بحوثه المنشورة حول الدين والتاريخ المندائي الذهاب الى المدونة الشخصية؛
البُحوث المَندائية التأريخيّة
Mandaean Historical Research