في تقييم بعض الاحداث الكبرى ( ثورة اكتوبر العظمى ، ثورة 14 تموز ، والثورة الكوردية )
الحلقة الــ 4
ومع الاسف الشديد كنت احسب حسابهم بشكل مبالغ جدا جدا في حساباتي وتحركاتي وقراراتي وحتى المصيرية منها !!! . والان انا نادم اشد الندم على ذلك ، ولكن بصراحة ما الفائدة من هذا الندم ، خاصة اذا جاء بعد فوات الاوان .!!!
ان هذا الاحساس كان يساعدني في الكثيرمن الحدس والتوقعات والتنبؤات بالاحداث ونتائجها
مثلا : احساسي وتوقعي بفشل الحركة الكردية منذ بدايتها في مرحلتها الثانية من سنة ( 1976 – 1988 ) ” شورشا كولان ” تقرا بـ ( الكاف الفارسية ) وتعني بالعربية ثورة آيار . والتي جاءت بعد فشل الاولى ( شورشا ايلول ) اي ثورة ايلول ، التي كانت قد بدأت في شهر ايلول
من عام 1961 . وانهيارها في ربيع 1975 ، والتي كنت ايضا مشتركا فيها بضعة سنوات ولهذا لم تكن لي الرغبة قط في المشاركة في ” الثورة الجديدة ” ، ولكن لم تكن هناك حيلة
باليد ، اذ كنت محاصرا بين الوقوع بيد الاجهزة الامنية لصدام ، وكنت انذاك افضل الموت على ذلك !! او الالتحاق بتلك الحركة !! اذ صادف ذلك سنة 1978- 1979 ايام الحملة الظالمة للنظام الفاشي لتحطيم منظمات الحزب الشيوعي العراقي .وكنت كأجراء وقائي ، قد هربت الى بغداد مثل الالاف من الرفاق من مختلف مناطق العراق !! .
بعد هذه المقدمة ، سنلجأ الى الموضوع الرئيسي ، الا وهو :
تقيمي الحالي ” لثورة اكتوبر الاشتراكية الكبرى ”
وقد كان احساسي والمبني على تلك الحقائق ، التي قدمتها من بين المئات مثلها التي شاهدتها او تعايشت معها ، كبيرا بانهيار تلك التجربة ” الاشتراكية ” ، والتي ضحى الملايين من اجلها ، ومن اجل انجاحها كتجربة ، رائدة في العالم ، اذا لم تبذل الجهود من اجل معالجة الاسباب الحقيقية التي ستؤدي الى انهيارها .!!
ولكن بصراحة لم اكن اتوقع ان تنهار بهذا الشكل الدراماتيكي المذهل !!!
هذا الانهيار ، الذي صعق واذهل ، كبار سياسي العالم والعلماء والمفكرين والكتاب قبل عامة الناس ، طبعا من الطبيعي كان هناك ربما الالاف من الناس من علماء وسياسيين ومفكرين يتوقعون فشل التجربة اذا لم تعالج اسباب ضعفها ، ولكن ليس بهذه الطريقة الدراماتيكية التي حدثت !!! ويمكن تشبيهها ، بلعبة حبات الدومنو التي تنهار دفعة واحدة ولكن بتسلسل .
ولنعود لموضوعنا الاساسي ، وهو اختلاف تقييمي للحدث المجلجل انذاك ، وهو قيام ” ثورة اكتوبر ” واسبابها .
وكان اسباب قيامها ، يتلخص في ان الوضع عامة في الامبراطورية الروسية آنذاك كان سيئا للغاية ومن جميع النواحي خاصة الوضع الاقتصادي ، لا سيما ، وانها كانت قد دخلت الحرب العالمية الاولى ( 1914- 1918 ) الى جانب الحلفاء .
مما خلق اوضاعا سيئة للشعب برمته ، وحصول التدهور الكبير في معيشىة الناس عامة ، خاصة العمال والفلاحين الذين كانوا يشكلون الاكثرية الكبيرة من مجموع الشعب الروسي , وقد ساعدت تلك الاوضاع على تسهيل عمل احزاب المعارضة مع الناس وخاصة العمال والفلاحين ، وكانت عموما جميع العوامل في صالح المعارضة ، وكانت المعارضة تطالب وتأـكد بضرورة حصول تغيير ما في قوام السلطة ، خاصة ان السلطة كانت قد اوغلت في دماء الناس ( الاحد الدامي ) ومن بين تلك الاحزاب كان الحزب البلشفي ( الشيوعي ) فيما بعد
وهذا تأتى ، من القائد البلشفي فلادمير لينين ، الذي قاد الحدث الكبير “ثورة اكتوبر”، عام 1917 ، مستفيدا من سيطرة البلاشفة على مجالس السوفييتات الحديثة التشكيل ، ولاحداث السيطرة على مقر الحكومة المؤقة !! ، بحيث وصفها البعض ان ذلك كان اغتصابا للسلطة الشرعية !!!
وقد اقدم فلادمير لينين على تلك الخطوات الخطيرة ، من اجل تطبيق مقولته التي عارضت مقولة الفيلسوف الكبير ( كارل ماركس ) الشهيرة ، والذي كان قد اكد في نظريته حول امكانية تطبيق الاشتراكية ، بـأنه يمكن فقط ، بناء الاشتراكية في بلد او بلدان يجب ان تتوفر فيها عوامل هامة وهي !ولا : وجود تكنولوجيا متقدمة ومتطورة في البلد او تلك البلدان .. وثانيا : وكذلك وصول المجتمع في ذلك البلد او البلدان الى مجتمع متقدم حضاريا وثقافيا الى درجة كافية ، اعتقد انني لم اشرح هذه المقولة كما وردت تماما ، ولكن خلاصتها تؤكد على هذين الشرطين الهامين جدا للوصول الى الاشتراكية ومن ثم الشيوعية .
ولكن قائد البلاشفة فلادمير لينين ، تجاوز هذه المقولة بمفهوم آخر الا وهو ” انه يمكن بناء الاشتراكية في اضعف حلقة من حلقات الرأسمالية ” وشخص آنذاك دولة روسيا بانها اضعف حلقة من سلسلة الدول الرأسمالية !! واضاف شارحا نظريته : بانه يجب التركيز في النضال البلاشفة انذاك على روسيا ، والعمل على تغيير الوضع فيها ،ومن ثم الانتقال الى غيرها من ا لبلدان . وفعلا حاول لينين وبكل استماته ، ومستسخدما كل امكانياته الفكرية والشخصية ، لتغليب رأيه هذا على قيادة البلاشفة ، وفعلا تمكن من ” فرض ” رأيه في ثالث اجتماع للقادة البلاشفة ، وان كان بالاقناع على القيادة ، رغم المعارضة الشديدة من كبار قادة البلاشفة انذاك مثلا تروتسكي و بليخانوف وغيرهم ، اذ ان لينين والمؤيدون له ، كانوا مقتنعون تماما ، بان الوضع العالمي ، خاصة اوربا هو بنفس الوضع الثوري المشابه للوضع الثوري في روسيا انذاك !! ، ومتوقعين ان النجاح في روسيا ، ولن تمر سوى سنوات قليلة ، الا وتلحق به بعض البلدان الاوربية !!! . مع ان الوضع الثوري ، لم يكن في اوربا بالشكل الذي تصوره قادة البلاشفة ومنهم فلادمير لينين .!! وكان اعتقادهم مبنيا ، على وجود بعض الاحزاب اليسارية المعارضة ، والى وجود بعض الاضرابات العمالية ، في تلك البلدان !!.
ومع الاسف الشديد ، ان ف. لينين ، ومن معه من بعض قادة البلاشفة ، لم يهتموا او يمعنوا النظر بشكل جيد وعميق ، الى مسألة هامة جدا ومفصلية ومقررة لما ياتي من الاحداث !! ، ولم يتساءلوا من الذي يمكنه ان يطبق برامج الثورة وما بعدها ؟؟ ، ومن ثم المحافظة عليها وتطبيق الخطوات التي تقود الى الاشتراكية ؟ !! وانا متأكد انهم لم يقيموا بعمق الاوضاع انذاك ، وامكانية الحزب البلشفي انذاك ، بذلك القوام والعدد والامكانية ، لبلد مثل روسيا المترامية الاطراف ، والشعب الذي كان انذاك يربو على ( 160 ) مليونا ، في تطبيق المجالات التي اشرنا لها ، اعتمادا على اعضاء الحزب البلشفي فقط ؟ المحدودي العدد آنذاك !! والذي قدم تضحيات جسيمة في الثورة وفي التصدي للجيش الابيض والقوى التي وقفت ضد الثورة !! .
يتبـــع