المبتدأ و الخبر
بعد ان اتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر و المستقبل يبدو انه الان قد التفت الى الماضي و ذلك حتى لا يجد الانسان العربي ما يسند ظهره اليه في مواجهة الاخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه بدليل هذا الحنو المفاجئ على لغتنا العربية و هذه المناحة اليومية في معظم صحف و اذاعات المنطقة على ما أصاب قواعدها من تخريب و ما يتعرض له صرفها و نحوها من عبث و استهتار حتى لم يعد احدنا يعرف كيف يقرا رسالة او يدون رقم هاتف.
و مع احترامنا لكل حرف في لغتنا و مع تقديرنا لجميع ظروف الزمان و المكان في كل جملة و مرحلة في الوطن العربي لا بد ان نسأل: ما الفائدة من الاسم اذا كان ” صحيحاً” و الوطن نفسه معتلاً؟
او اذا كانت هذه الجملة او تلك مبنية على الضم او الفتح و المستوطنات الإسرائيلية مبنية امام اعيننا على جثث التلاميذ و المدرسين الفلسطينيين؟ ثم لم وجدت اللغة أصلا في تاريخ أي امة؟ اليس من اجل الحوار و التفاهم بين افرادها و جماعاتها؟
فأين مثل هذا الحوار فيما بيننا؟
هل هناك حوار مثلاً بين التاجر و الزبون؟
بين العامل ورب العمل؟
بين المالك و المستأجر؟
بين الراكب و السائق؟
بين المحقق و المتهم؟
بين الابن و الأب؟
أو بين الزوج و الزوجة؟
ايضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء او تجيب على أي شيء فالأسعار مثلاً في السينما مكتوبة في كل بطاقة و في المستشفى فوق كل سرير وفي المطعم في كل فاتورة و كل ما حول المواطن العربي اصبح سعره واضحا و معروفا و مكتوبا على جميع جوانبه من الألبسة و الأحذية و الفاكهة و الخضروات و البيوت و البارات و المزارع و العقارات الى الرياضيين و المطربين و الكتاب و الصحفيين و لم يبقى الا ان يُكتب على الشعوب سعرها و منشؤها و مدى صلاحيتها للاستعمال.
والاهم من كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة و الشعب في أي زمان و مكان في هذا الشرق؟
فأي مسؤول إنكليزي مثلا عندما يختلف في الراي مع أي كان في محاضرة او مناقشة في بلده يأتي بحجه من شكسبير لإقناع مستمعيه و الإيطالي يأتي بحجة من دانتي
و الفرنسي يأتي بحجة من فولتير
و الألماني يأتي بحجة من نيتشه
اما أي مسؤول عربي فلو اختلف معه حول عنوان قصيدة لاتاك بدبابة و تفضل وناقشها
ولذا صار فم العربي مجرد قن لإيواء اللسان و الاسنان لا اكثر
و في مثل هذه الأحوال:
ماذا يفعل حرف الجر المسكين امام حاملة الطائرات مثلاً؟
او الفتحة و الضمة امام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟
و ما دام الحوار الوحيد المسموح به في معظم ارجاء الوطن العربي هو حوار العين و المخرز فلن ترفع الا الأسعار
و لن تنصب الا المشانق
و لن تُضم إلا الأراضي المحتلة
و لن تجر إلا الشعوب
لذلك كلما قرات او سمعت هذا او ذاك من الشعراء و الصحفيين و المذيعين العرب “يجعجع” عن الديمقراطية و العدالة و الحرية و ينتصر على الصهيونية و يقضي على التخلف و يتوعد هذا و يهدد ذاك وهو جالس في مقهاه او وراء مذياعه لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط الى الخليج و تكويمها في بيدر او ساحة عامة في قلب الوطن العربي و تكليف موظف مختص وراء اذنه قلم وامامه سجل يجمع الكتاب والشعراء و الادباء العرب و ينادي عليهم بأسمائهم و يسالهم فردا فردا:
انت أيها الشاعر التقليدي، كم كلمة مثل: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.
وانت أيها الشاعر الحديث كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي، أبداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة
و انت أيها المذيع العصبي كم كلمة من أمثال: “في هذه الظروف العصيبة” و “في هذه اللحظات الحاسمة” تريد؟ تفضل مع السلامة
و انت أيها المثقف المتزن كم كلمة من مثال: “في الواقع”، “في الحقيقة”، “جدلية” و”شمولية”، و”نظرة موضوعية” و “قفزة نوعية” تريد؟ تفضل مع الف سلامة.
و انت أيها المناضل و المتطرف و المتفرغ لكل محاضرة و ندوة و مناسبة كم كلمة من أمثال: دم، دماء، استعمار ،امبريالية، شعوب، “وحدة شعوب” ،”وحدة المصير”، كوبا ،نيكاراغوا، و كم مناقصة فوقها تريد؟ تفضل و مع الف الف سلامة
فقبل احترام اللغة يجب احترام الانسان الذي ينطق بها.
الى التالية 5/ الأجندة