رواية ” الشيخ والبحر ” منجز أدبي وثقافي رصين ومتكامل شكلا ومضموناً بأخذهِ بعداً عالمياً بثرائها الفكري والمعرفي الفلسفي ببنية معمارية هندسية ، تقوم الرواية على محاور عدة عن الحياة والموت ، والقوة والضعف ، والذكاء والغباء، والتكييف والأندثاروالأرادة والخواء ، والتأمل والأحباط ، فهي تراجيدية تأملية فكاهية ، وتبدوللناقد اللبيب في قراءة التناص السردي بأنها تراجيدية سوداء حزينة ، والأرقى في ثيمات الرواية أن المؤلف الأسطورة همنغواي أوجد (التحديث) في الأ دب الأمريكي من البطل الكلاسيكي الواحد إلى ثمة حوارات متساوية من حيث العمق والشمولية خاصة مثل الموت والحياة والخيبة والفوز، لذا أكدت صحيفة ” داجنزنيتر” السويدية أن رواية ” الشيخ والبحر ” كانت وراء حصول همنغواي على جائزة نوبل عام 1954 .
كما أن روايتهُ الشيخ والبحر فازت قبل ذلك في عام 1953 بجائزة ( بوليتزر) الأدبية العالمية ، إضافة لتأييد معظم نقاد القرنين العشرين والواحد والعشرين والأعتراف بأنهُ واحد من أعظم الكتاب الذين أنجبتهم البشرية ، وصاحب سبعة آلاف رسالة في مدى حياتهِ منذ 1907 حتى 1961 موته أنتحاراً ، والتي وثقت تلك الرسائل بعد وفاته بكتاب تأليف ساندرا سباينروروبرت تورجدون بعنوان ” رسائل همنغواي ” .
وإن همنغواي هو كاتب وصحفي أمريكي ، يعتبر من أبرز الكتاب الأمريكيين في القرن العشرين أمتاز بأسلوبه البسيط المباشر الذي أثر بشكل كبير على الأدب العالمي ، في مجمل كتاباته جسد معنى البسالة في الكلمة والحياة مؤكدا على (ثيمة) تمجيد قوة الأنسان وقدراته الخارقة ، والتي هي القوة المطلقة للأنسان ومثابرته المتواصلة في مواجهة التحديات جعلت الرواية ترقى إلى قمة فنية من حيث العمق والرمزية والبساطة في العرض بشكل تأمل فلسفي في الصراع بين الأنسان والطبيعة ، وهوولادة 1899 – وتوفي منتحرا في 2 يوليو1961 .
حياة همنغواي كانت مليئة بالتجارب الشخصية والتي أثرت في كتاباتهِ بمشاركته في الحربين الكونيين الأولى والثانية كمراسل حربي وصحفي وصياداً بحرياً ومتسابقاً في مصارعة الثيران تلك أغنت الكاتب قوة وأصالة في السرد القصصي بواقعية حقيقية شخصية ملموسة .
أن تأثيرهُ العالمي لم يكن محصوراً في الأدب الأمريكي بل كان لهُ تأثيرعالميواسع حيث تُرجمتْ أعمالهُ لأكثر من ثلاثين لغة ظهرت تاثيرها في سفر التراث الثقافي والعلمي العالمي .
ملخص الرواية
تعتبر الرواية من أشهر أعماله الأدبية وأكثرها أنتشارا وتأثيرا ، كتبها عام 1952 ، والشيخ والبحررشحتْ همنغواي للحصول على جائزة نوبل ، تحكي قصة صياد كوبي عجوز يدعى ” سانتياغو ” الذي يخوض معركة ملحمية مع سمكة (مارتن ) ضخمة يحاول أصطيادها بعد معاناة قهرية سوداوية وبعد فترة طويلة من الفشل والخيبة وصراع طويل ومرهق يتمكن العجوز من أصطياد السمكة بيد إنهُ يفقدها أثناء عودتهِ إلى الشاطيء عندما تعرض لهجوم من قبل أسماك القرش اللعينة التي قضمت معضمها .
مغزى الرواية
-الكفاح والصمود : الرواية تسلط الضوء على الصراع المستمر بين الأنسان والطبيعة وكيف يمكن للشخص من الأستمرار بالمحاولة رغم الفشل المتكرر، والرواية تجسد أن العظمة ليست بالأنتصار بل في الكفاح المستمر والدؤوب المكلل بالبسالة في مواجهة المصاعب .
– العزلة والوحدة : ( سنتياغو ) يعيش حياتاً لا يحكمها مفهوم الحق والباطل ولا مفهوم الأخلاق والمباديء والمثل العليا هي بالواقع تحت سيطرة القوة والضعف والذكاء والغباء والتكييف والأندثار وحيدا يواجه البحر (كعدو وصديق) في آنٍ واحد حيث هيجان البحرالمفاجأ المرعب حيث الظلمة والضياع في فوبيا عالم البحار عبر ملايين السنين من كائنات تفترس بعضها البعض .
وللأسف الشديد يا همنغواي عبرأكثر من ستين سنة عن غيابك تطورنا إلى عالم ليس فقط نفترس بعضنا البعض بل تحولنا إلى كائنات تفترس بعضها البعض ماديا ومعنويا ونفسيا وأخلاقياً وحقوقيا أيضا ، أما جانب الخير فالبحر مصدر خير للبشرية لأحتوائهِ كنوزا ثمينة للعيش ، البحر يعكس الحياة بكل صراعاتها ومفاجئاتها ، وتظهر الرواية رغم عزلة ووحدانية ( سانتياغو) وخسرانه السمكة الثرية الضخمة ( مارتن) سوف يعاود فجر اليوم التالي الأستمرارية لحرفة الصيدالبحري المحفوفة بالمفاجئات .
– المثابرة والكرامة : أن همنغواي يبرز فكرة : أن الكرامة والمثابرة لا تتعلق بالنتيجة النهائية بل بالجهد المبذول المكلل بالشجاعة في مواجهة التحديات ، وبأيجاز الرواية تمثل صورة ( رمزية ) للصراع البشري الأزلي مع الطبيعة والحياة والموت والأنتصار والخيبة .
أسلوب ” همنغواي ” في السرد النصي للكتابة!؟
الروائي الأمريكي ” آرنست همنغواي ” حصل على جائزة نوبل عام 1954 بأستحقاق ما أنجزهُ ، حيث وصفت اللجنة الرواية بأنها : عمل وأنجاز فني للسرد المتميز لهمنغواي ، وأستندت لجنة الجائزة إلى عدة عوامل أستحقاقيةلهذه الجائزة
– أسلوبه في الكتابة البساطة دون اللجوء للزخرفة بل نحو أستحضار العالم من منظور خاص وربما همنغواي عاصر زمنين نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين (1899-1961) في معايشته عصرين الكلاسيكي والحديث وخاصة في روايته الملحمية الشيخ والبحر زاوج بين الزمنين بشفافية عالية وبساطة مفعمة بالتفاصيل ، وركزت على التصور الدقيق للعواطف والمواقف البشرية وهذا الأسلوب بات يعرف في عالم الأدب العالمي ب( ا لنمط الهمنغوائي ) أثر بشكل كبير على الكتابة الأدبية للقرن العشرين .
– ويمكن أعتباررواية الشيخ والبحر رواية دائرية – كما وصفها نقاد عصره وزمانه – والتي وُصفتْ بالرواية ( البيكارية) نسبة للروائي الأسباني بيكاروالذي يعتمد سردهُ للكتابة بالتشرد والضياع والبؤس والخوف ومزيد من القلق والمستقبل المجهول وهو ما عاناهُ البطل في رواية الشيخ والبحر بذلك الصراع الرهيب بين الحفاظ على الصيد الثمين للسمكة الضخمة الكبيرة والثمينة ( مارتن )ومقاومة العدو المزدوج ( البحروالقرش ) وهو سرد أدبي نصي يتغيرفيه الحدث بتغير الزمكنة .
– في أجواء الرواية الأسطورية المعتمدة على التوليف الجميل والرائع بين الواقع ومسحة من الفنتازية السحرية وبحبكة درامية أوصلنا همنغوايبالشعور بأنها ترقى لرواية تراجيدية ذات نهايات حزينة ومقلقة حيث تمكن هذا العجوز المعجزة من التأثير المباشر في تحريك خيوط اللعبة دراماتيكيا في ملامسة أحاسيس ومشاعر الذات البشرية وهو يروي وقائع حقيقية سوداوية وتحويلها بقلمه الساحر لمقاومة وأصرار وتحدي للأعداء البحر وأسماك القرش وعامل الزمن .
-إن فن كتابةُ الرواية فن من فنون الكتابة تضاف لها الموهبة ولم تتوقف على هذه الأسس لدى الروائي همنغواي بحيث أضاف لها التجديد في نقلة نوعية للأدب الأمريكي في خوض الحداثة للأدب الأمريكي ببراعة فائقة بناءً ومادة وتكنلوجية مع مقاربات في التطور السوسيولوجي الجمعي للوصول إلى إعادة بناء الأنسان الحداثوي بصيغة أممية وليست خاصة بجغرافية أمريكا فقط لكون لرافعته السردية للأدب هي ( الأنسنة ) .
– مُنح همنغواي الجائزة بأستحقاقاته العلمية والمعرفية المنطقية الموضوعية بمهنية أحترافية واقعية خاضها بنفسه حيث كان هو بطل الرواية أولا وأخيرا ، وكان همنغواي مهوسا بحبه للمغامرة والسفر والمشاركة في عدد من الحروب كصحفي أو مراسل حرب والمشاركة في بعض الصراعات مما أثر بشكل مباشر على أعماله الأدبية .
– حصل همنغواي على كاريزمية واسعة من نقاد الأ دب الأمريكي والأجيال اللاحقة بعدهُ لغزارة ثقافاته الفكرية المعرفية في نتاجاته (وداعا للسلاح) رواية تحكي عن تجربة ضابط أسعاف أمريكي خلال الحرب العالمية الأولى وقصة الحب بينه وبين ممرضة بريطانية تعتبر من أشهر روايات همنغواي عن الحرب والحب ، و(لمن تدق الأجراس) ؟ تدور أحداثها في زمن الحرب الأهلية الأسبانية حيث تتناول موضوعات التضحية والحياة والموت ، ومنجز كتاب (الشمس تشرق أيضا) تناول حياة مجموعة من المغتربين الأمريكيين والبريطانيين في أوربا بعد الحرب الأولى وتعتبر نموذجا للأدب الذي يعبر عن الجيل الضائع .
– أسلوب همنغواي في السرد النصي الأدبي يجمع بين الحدث التأريخيوالواقعية السحرية ، ويبدو لنا عالم همنغواي متحف موسوعي يجمع أتجاهات النقد الأدبي بتأريخيتهِ وبنيويته الرصينة بغياب الفنتازيا في الشكل والمضمون تبدو واضحة في روايته ” الشيخ والبحر ” حيث تناقض الأضداد في القوة والضعف والأغتراب والتفاؤل وأحلام الديستوبيا واليوتوبيا.
– وأكد في روايته المشهورة الشيخ والبحر ثيمة الصراع الطبقي بين العجوز وعدوه الصديق ( البحر ) والرواية تبشربيوم جديد يستطيع فيه الأنسان أن يروض تحديات المستقبل ملوحا بالسلام العالمي لكوكبنا الجميل وللبشرية جمعاء وللآنسان بالذات لكونه أثمن رأسمال .
كاتب وناقد أدب عراقي مغترب
في أكتوبر 2024