السبت, نوفمبر 23, 2024
Homeاراءالفرمان الأخير : مراد سليمان علو

الفرمان الأخير : مراد سليمان علو

مراد سليمان علو

(الفرمان الأخير) هو عنوان كتاب للباحث المجتهد الصديق الإعلامي حسو هورمي، ضمن سلسلة كتب يخرجها بانتظام تحت عنوان (داعش والابادة الجماعية للإيزيديين) ولهذا الكتاب قصّة طريفة معي:

كنت قد كتبت تقديما للكتاب بتكليف من الصديق الهورمي نفسه في سبتمبر من سنة (2015) حين كنت لا أزال نازحا في مخيم (جم مشكو)، وصدف أن كتب الأستاذ الكبير سعد سلوم تقديما ومراجعة أيضا للكتاب فارتأى الباحث أن يكون تقديم الأستاذ سعد (تقديما) للكتاب، وقد كان محقا فتقديم الأستاذ سعد مؤثر ووافي، وبعدها عنون (تقديمي) بـ (كلمة).

وبعد أن هاجرت الى ألمانيا وتعرضت لأزمة قلبية. زارني أخي حسو هورمي للاطمئنان على صحتي في البيت وجلب معه الكتاب مع باقة ورد جميلة.

في الواقع أحتفظ بمكتبتي المتواضعة بالعديد من مؤلفات الباحث والإعلامي المبدع حسو هورمي، يبدو أنه قد حدث بيننا تفاهما وانسجاما فريدا من نوعه منذ أول لقاء لنا قبل سنوات.

الكتاب يحتوي على موضوع آخر بقلمي عنوانه (الفرمانات في الذاكرة الأيزيدية) وكذلك الأهداء بصيغة نصّ شعري حداثوي والذي هو:

الى التي غادر النوم عينيها..

والتي سالت على الخدين دموعها..

وكاد أن يغلب شكها.. يقينها..

لو لا وعد من حبيها..

وايمان بطاووسها.

… السبية الأيزيدية الأسيرة.

ومن الصفحة الأولى، وعند قراءة الأهداء يمكن التعرف على بداية الطريق لهذه الدراسة، فهي تنقسم الى أربعة أقسام:

القسم الأول يبدأ بالتعريف بالأيزيدية والفرمانات في الذاكرة الأيزيدية، والقسم الثاني موضوعه هو الإبادة وأثرها على المجتمع الأيزيدي، والقسم الثالث يتناول فيه الباحث، التسامح في الديانة الأيزيدية. والقسم الأخير يحتوي على بعض قصص السبايا.

ومن بين المواضيع التي بين دفتي الكتاب اخترت موضوع: (التسامح في فلسفة الديانة الأيزيدية) من القسم الثالث بقلم الباحث نفسه لأقترح عليكم قراءته هنا، حيث يقول:

قبل التطرق الى موضوع التسامح في فلسفة الديانة الأيزيدية سوف نلقي الضوء على مكانة الأقليات في ظل الأجواء العراقية الحالية السياسية، والطائفية وذلك من خلال رؤية كتاب عراقيين:

حيث يتطرق الكاتب (حسين حسن نرمو) في احدى كتاباته الى التسامح الديني والتعايش السلمي بين الأمس واليوم. يتحسر على الأيام الخوالي، ويضرب أمثلة سامية في التسامح والتعاون؛ ويحسر الأسباب التي أثرت على تحريف مسار ظاهرة التسامح الديني، والتعايش السلمي في العراق في تصرفات بعض أطراف الإسلام السياسي المتطرف والتي تحرض على العنف والتميز وعدم قبول الاخر كانسان. وهنا يتخوف الكاتب (فوزي الأتروشي) على مستقبل الأقليات المبهم، ويقول متأسفا:

” الأغلبية تفترس الأقليات، والهيمنة الذكورية تفترس وتهمش النساء؛ لأن العنف هي اللغة السائدة في العراق، فحينما دخل الملك فيصل الأول بغداد عام (1921) كان %20 من سكان المدينة يهود عراقيين؛ والآن هذا المكون العراقي تحول الى مجرد أرشيف، ولم يعد له وجود بيننا، وكذلك عدد المسيحيين، وهم جذر تأريخي لهوية هذا الوطن في تناقص مستمر يوميا، وكذلك الصابئة المندائيون الذين يشكلون أحد أعرق المكونات العراقية، يتعرضون الى الأقصاء والتهميش، وهكذا حال المكونات العراقية الأخرى ، مع غياب شبه تام للتسامح، والتنوع، والتعددية، والتعايش بين شرائح ومكونات الشعب العراقي الأثنية، والدينية، والطائفية، والفكرية. فبعد عام (2003) عانت الأقليات من الكثير من التهميش والاقصاء وعدم التمثيل المناسب في مؤسسات الدولة مع وجود الأحزاب المتسلحة، والميليشيات، والشحن الطائفي المتنامي، والتعصب الديني تعرضت هذه الأقليات المسالمة في طبيعتها الى معضلة خطيرة تتمثل بتعرضها لعمليات قتل وتهجير، وخطف، وسبي على يد الجماعات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية، تحت ذرائع واهية مما أجبر الكثير من أبناء هذه المجموعات على النزوح من مناطق تواجدها التاريخي واللجوء الى مناطق أخرى داخل العراق أو خارجه، وهناك تقارير لمنظمات دولية موثقة تؤكد أن الأقليات الأثنية، والدينية في العراق تواجه أقسى درجات من العنف، وهي مهددة في بعض الحالات بالزوال من وطن أجدادها”.

وفي مقال بعنوان (التسامح ركيزة أساسية لبناء المجتمع الصالح) كتب الكاتب (ضياء الشكرجي) قائلا:

“لا نستطيع في العراق، ولا في أي مجتمع آخر تحقيق تطلعاتنا في الديمقراطية، والرفاه الاجتماعي، والتقدم والعدالة، والأمن والاستقرار. عبر العملية السياسية وحدها، مهما بلغت من النضج. والرشد، والأداء الديمقراطي، ولا عبر الدستور وحده، مهما بلغ من الدقة في الصياغة، والحبك في العبارة؛ مالم تتوفر القاعدة الاجتماعية التي تحتضن تبنك الحياة الدستورية والعملية السياسية، وهذا يحتاج الى ثقافة سليمة، وعملية تربوية صالحة”. وكذلك يعلن الكاتب ضياء الشكرجي: أن غياب ثقافة قبول الآخر، وروحية التسامح، وأخلاقية العفو، عوامل الواقع الذي يعاني منه المجتمع العراقي من العنف، والأحتراب، والقتل على الهوية، وأقصاء وخطاب تعبوي الغائي، وهذا يمثل مسؤولية يجب أن يضطلع بها الجميع، من رجال دين وقوى سياسية، ومنظمات مجتمع مدني، والمؤسسات الثقافية.

من هذه العبارات أطرح السؤال الغبي التالي:

“كيف أن كل الأديان، والمذاهب، والطوائف الموجودة تدعي أنها تحمل رسالة التسامح، والمحبة، والسلام، حب الآخر كما هو، ونبذ كل مظاهر الكراهية، والتعصب؟

وفي ذات الوقت ما يزال العراق يكتوي بنار التطرف، وإشاعة الفتن الدينية والطائفية، حتى بلغت الأمور ذروتها بوصولها الى التصفيات الجسدية واهدار الدماء علنا وعلى المنابر الدينية، لا سيما بعد قدوم (داعش) واحتلالها مدن وقرى عراقية، والتي وضعت ممارسة التعايش الديني والمذهبي العراقي في موقف محرج جدا. وفي هذا المناخ المشحون بالطائفية المقيتة قلت فرص سلاسة العيش، والتضامن، والتكافل الاجتماعي؛ وبهذا أصبحت أوضاع جميع الأقليات العراقية في مهب الخطر.

صحيح أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان، ومبادئ القانون الدولي، وأحكام الدستور العراقي كلها تلتزم بحماية واحترام حقوق الانسان والحريات الأساسية لجميع الشعب العراقي دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين. ولكن الواقع المرير للأقليات يبين عكس ذلك تماما.

أن أنهاء معاناة الأقليات العرقية، والدينية تكمن في أيدي القيادة الدينية، والسياسية، والنخب الثقافية للبلد بشرط أن تمتلك هذه القيادات الشجاعة الفائقة، والجرأة الكبيرة، والسعي الحثيث المبني على مبادرات وخطط واضحة في نشر ثقافة التنوع، وترسيخ مبادئ التسامح، والتآلف. وتتصدى بكل الوسائل للكراهية، وخلق فرص المشاركة التامة للأقليات في جميع مفاصل المجتمع.

بما أن التسامح هو جزء مهم منم العدالة المبنية على المساواة التي تعتبر المظلة الوحيدة للأقليات في العراق، وعداها فمكانة هذه الأقليات، ومستقبلهم لا يبشر بالخير.

أن حق الأقليات بالمساواة ليس منّة، وكرمة من الحاكم، بل هو حق منصوص عليه في القانون الدولي، ومكفول في أغلب الأعراف، لكن حق المساواة في البلدان الديمقراطية منوط بتوفر تشريع يحدد معاملة متساوية لكل انسان بدون أية محاباة، وتطبيق القوانين بحيث يتم تحقيق المساواة التي تنص عليها قوانين الدولة بشكل فعلي، طبعا كل هذا يمكن أن يحدث في العراق أيضا، في حال فصل الدين عن السلطة، والتوقف عن تسيس الدين، وتدين السياسة.

في المفهوم الأيزيدي: علاقة الانسان بالإنسان محكومة بالبعد الإنساني، ومن هذا المنطلق الإنساني السامي تتجلى ثقافة التسامح كأحدى أهم الضرورات الإنسانية والأخلاقية في متون فلسفة هذه الديانة العريقة ذات الرسالة الواضحة في قبول التعايش المشترك، والتآخي، والسلم الأهلي، والدعوة الى الخير والسلام والتسامح بين كل البشر. وترسيخ مبادئ التسامح، والمحبة، والأخلاق، والنهي عن حب المال، والزنا، والسرقة، ومنح الفرد الحق في الاختلاف الذي هو أبعد من التسامح ومناهل التسامح والحس الإنساني في الأيزيدية ظاهر للعيان في الجلوس، والعرف، والعادات والطقوس الدينية والأقوال والقصائد الدينية المقدسة. والملاحظ أن لغة التسامح هي الغالبة في النصوص الدينية باعتبارها غذاء النفس ضمن مناحي التهذيب والتقويم والدافع الى تربية الأحساس بتفاصيل الحياة الممتلئة بالمودة والرحمة والمحبة.

وهناك نص ديني يخاطب الفرد الأيزيدي:

“عندما ترى أحدا، وتعمل معه عمل خير، لا تسأله عن ديانته”. هنا يظهر جليا إنسانية الانسان الأيزيدي الذي يتمنى الخير لغيره قبل نفسه. بمعنى أن التربية الأيزيدية مبنية على القيم النبيلة، ومنفتحة على الآخر، ونلاحظ كيف هذا النص يحث على تجاوز المنحى الديني الضيق الخاص، والاتجاه الى الانسان كحالة عامة، وهذا يرتبط بالأساس بالتسامح وحب الآخر كما هو، وعمل الخير معه بغض النظر عن انتمائه الديني، وهذه قمة الإنسانية.

وفي الأعياد الأيزيدية هناك مراسيم اجتماعية وطقوس دينية تحمل دلالات مشيعة بالتآخي، والتعايش، والحب، ونبذ الخلافات. وفي الحياة العامة أيضا هناك أعراف اجتماعية تدعو الى التكاتف، والتعاون، والتعاضد، وعادة (الكرافة) أي الأخوة بالدم نموذج جيد يبين الكثير من السمات الإنسانية.

ويذكر الدكتور (سعيد خديدا) دعاء الطعام في منشور له:

“… يا ربي أنت الباقي، وأنت الكريم صاحب العرش العظيم، أنت منذ الأزل، يا رب أرحم اثنتان وسبعون ملله، وأرحم المحتاجين، وانج الأسرى، وأغني الفقراء، وأرحمنا…”. يؤكد هذا النص الديني كيف أن الفرد الأيزيدي يطلب الرحمة ل 72 ملله، ثم لنفسه. مما يؤكد قيمة التسامح في الديانة الأيزيدية.

أما الكاتب (عيدو بابا شيخ) يقول:

“الديانة الأيزيدية حالها حال الديانات الأخرى تركز على العديد من القيم الأخلاقية والإنسانية النبيلة منها: نكران الذات، وحب الآخرين، فالأيزيدي عندما يتوجه الى ربه في فجر كل صباح يتوسل اليه أن يعمّ الخير، والسعادة لكل المخلوقات والملل، ومن ثم لعائلته، ولنفسه. أي لا يطلب الأيزيدي الخير والرفاه من ربه لنفسه فقط، بل لجميع الناس.

كما هناك نص ديني أيزيدي باللغة الكردية، وترجمته (اذا قدمت الصدقة، وألقيتها في الماء، لن تضيع عند ربك) وهذا يعني قد تستفاد منها الحيوانات المائية من تلك الصدقة، وبما معناه حتى الحيوانات تستحق الخير والصدقة، ولا يضيع أجر هذه الصدقة عند ربنا الأكرم، كما أن الديانة الأيزيدية تركز على الصدق، والحقيقة، وهناك مقولة دينية ترجمتها هي: (الصدق هو سبيل الله) الأيزيديون يربون أطفالهم على التمسك بالصدق، والحقيقة، والعدالة، والابتعاد عن الكذب، والنفاق، والتنصت على كلام الآخرين.

تأسيسا على كل ذلك، الأيزيدية تؤمن بأن ثقافة التسامح، والتعايش، ضرورة إنسانية ملحة.

الكتاب يستحق المطالعة الجدية فهو وثيقة دامغة من جهة، ومن جهة أخرى وكما واضح من عناوين أقسام الكتاب يحتوي على مواضيع مهمة أخرى كقصص واقعية للواقعات في الأسر.

 

 

 

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular