المجتمع العراقي بصورة عامة، والمجتمعات الأيزيدية الصغيرة التي تعيش في العراق بصورة خاصة غائب عنها تقاليد الحوار، وبات من النادر احترام الرأي الاخر، وتحولت الخلافات الفكرية والقومية والسياسية الى سكاكين تقسم الناس، فحيثما ينعدم احترام الرأي الآخر يصبح التشبث بالخصام والنزوع الى الايذاء والسب والشتم وتلفيق التهم، وكتابة التقارير الى الجهات التنفيذية بنية الايذاء. بعضا من مظاهر الانفصام العام في شخصية المجتمع، ومنها المجتمع الأيزيدي الشنكالي الذي لا يشذ عن القاعدة.
يقول الأستاذ ألان دونو في كتابه (نظام التفاهة):
“نحن نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة تتعلق بسيادة نظام أدى، تدريجيا، الى سيطرة التافهين على جميع مفاصل نموذج الدولة الحديثة”.
هذا هو رأي أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية في مجتمعه. فما هو الأمر بالنسبة لمجتمعاتنا التي لم تذوق طعم الحرية ولا الاستقلال الاقتصادي، ولم تنتعش أسواقه يوما بالبضائع والخدمات المطلوبة والرخيصة.
وفي رأي، أن قوى المجتمع، وبعض انظمة الحكم لا تزيد عن تحالف الريف ضد المدينة. اي صراع الريف ضد قيم الحضارة والحداثة والمدنية، واستبدال إقطاعي الاراضي الزراعية بعائلات الاقطاع المسلحة بالميليشيات الحديثة، اي الفئات الرثة من البرجوازية الطفيلية. وبفارق ان مضارب القبيلة امتدت الى كل الدولة والمجتمع ولا ضمانة لاي شيء او انسان في اي زمان او مكان. والدليل على ذلك اجتماع رؤساء العشائر بعشائرهم من أجل أصدار قرارات عشائرية بشأن مهور الأناث، وشعائر ما بعد دفن الموتى، وغيرها من أمور الحياة التي هي بالأساس باتت صعبة على الناس من ذوي الدخل المحدود؛ وهذا يعني عامة الناس في المجتمع. بدلا عن تناول مسائل تهم المجتمع مثل البطالة وتعيين الخريجين وبناء المستشفيات والمستوصفات الصحية والمدارس وساحات اللعب للأطفال، وتعبيد الطرق وحفر الآبار وشبكات الكهرباء … الخ من الخدمات الضرورية للمواطن.
يجبرونك على الانتماء الى العشيرة، لتأكل وتشرب بمشيئتهم، وتلبس على ذوقهم وتتزوج عندما يأذنون لك، وعندما يولد لك مولودك عليهم أن يسمونه لك. وعليك أن تزوج ابتك كما يأمرونك أن تفعل، وأن توفاك الرب، على أهلك ومحبيك اتخاذ خطوات محددة يحظر الخروج منها. كل هذا وأنت تتفرج مثل الأطرش بالزفة لا حول لك.
الشباب الواعي عموما لم يعلنوا عن رفضهم لسيطرة شيوخ العشائر عليهم من جديد. انهم يصمتون عن ذكر الاحتلال العشائري لحياتهم صمت اهل القبور. بل يتباهون برفع صورهم في منصات التواصل الاجتماعي.
في بداية الفرمان وفي السنة الأولى من الفرمان كنا نرى عكس هذا تماما، كنا نرى تحركا شبابيا في مختلف الاتجاهات للمساهمة في تخفيف الحمل على مجتمعهم المنهك والخارج لتوه من فرمان لا يبقي ولا يذر. وكانوا بذلك يحاولون تقويض السلطة العشائرية التي لم تنهض بواجباتها أثناء الفرمان، بل أنهم أي رؤوساء تلك العشائر لحقهم العار، وهم معروفين بالـشيوخ الـ (11) الذين خانوا عشائرهم علنا وقبضوا أثمان ذلك بالدولار على مرأى الجميع.
لقد اخترقت الفيروسات السياسية والحزبية والعشائرية والطبقية مجتمعاتنا الصغيرة الآمنة الجميلة والهادئة بعد ضعف الدولة. وتراجع دور الشباب الواعي. وعندما تضعف الدولة يتفكك المجتمع وتتجه المجموعات السكانية الى استعادة ماضيها والانغلاق على نفسها واعتزال المجتمع.
في مجتمعات متخلفة مثل مجتمعاتنا التي في العراق يتحول الساحر، والدجال وقارئ الكف، وقارئ فنجان القهوة، والطالع، والابراج، والشيخ الذي يمسك بأفعى غير سامة، متباهيا بقدراته الفائقة، والكوجك الدجال. الى قادة للمجتمع وأصحاب رأي ويتصدرون المجالس وعناوين الأخبار في المنصات الاجتماعية التي زادت الطين بلة.
اليوم يحاول التيار العشائري أن يجذب الشباب الى مناطق لعبهم فالقرى لا حياة فيها ولا خدمات وبالتالي البطالة تكون هي السائدة فتضطر الناس للذهاب الى مجلس الشيخ، وبالمناسبة مصطلح (الشيخ) حديث ومدسوس فهم جميعا كانوا يسمون مخاتيرا. والاستماع الى عواءه، كما كان الأمر في العهد الملكي، وكأنك يا بو زيد ما غزيت.
سادت الفوضى والعشوائيات في العمران في المجمعات التي تفتقر الى أبسط مقومات الحياة تماما حالها حال المخيمات، بل الأفضلية هي للمخيمات كونها أقرب الى مظاهر المدنية والتمدن. وكذلك في التجاوز على املاك الدولة والمواطنين، والحاجة الى شبكات الماء الصافي وشبكات الكهرباء الوطنية. كقاعدة عامة أقول: عندما تضعف الدولة تقوى المافيات والمليشيات واللصوص وتجار السلاح والمخدرات والتهريب.
وأصبح من له مشكلة مرورية او حادث تصادم يقوم باستئجار شيخ عشيرة من الفئات الرثة التي تزدهر بها مجمعاتنا ويقوم بتزويده اولا بكارت شحن للموبايل، وبعد ذلك يتم تلفيق قصة مناسبة. والهدف هو للحصول على فصل عشائري بمبلغ كبير. وكذا الحال في مسائل الطلاق وطبعا الزواج.
في زمن الرثاثة تحول التعليم الابتدائي والثانوي من سيادة الدولة الى مدارس تجارية خاصة، مثلما زادت الكليات والجامعات الاهلية والتي تخرج طلابا من دون توفير فرص عمل لهم. ومع ذلك لا نرى مدارس كافية ومناسبة في حوض جبل شنكال.
ان سيادة التخلف والجهل والامية والعقل الخرافي والاسطوري من اسباب تخلف مجتمعنا الأيزيدي الشنكالي. ان انتشال شنكال والقرى في حوض جبل شنكال من التخلف تستلزم القيام بثورة ثقافية وتعليمية والعودة الى تدخل الدولة في توجيه الاقتصاد واصلاح القضاء وإعادة أعمار شنكال وقراها ومجمعاتها والتخلي عن الخصخصة والمقاولات التي لا يستفيد منها الا الفئات البرجوازية البيروقراطية الرثة.