“نعيش برفاهية مثل سكان قطر والإمارات”، تقول سميرة علي التي تعيش في قرية نائية بمحافظة دهوك، بعد أن نجحوا في توفير الكهرباء للقرية على مدار الساعة.
جميع سكان القرية يعتمدون على الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء، وتقول سميرة بأنهم يعيشون الآن في بيئة نظيفة خالية من ضوضاء ودخان المولدات.
قرية تره سبي التي تعيش فيها سميرة تبعد 125 كم جنوب غرب مدينة دهوك، المشهد هناك يختلف عن باقي قرى المنطقة، فسكانها باتوا اسعد من غيرهم مقارنةً بما قبل عامين.
“لا نعاني من أزمة الكهرباء منذ عامين بسبب اعتمادنا على الطاقة الشمسية، أوقفنا تشغيل المولدات ولا ننتظر الحكومة لكي تزودنا بالكهرباء، ارتحنا كثيراً…”، وتضيف سميرة “سابقاً كنا نزود بالكهرباء الوطنية ساعة واحدة في اليوم، تخلصنا من أجور الكهرباء الوطنية والمولدات الأهلية والدخان والوقود، نعيش الآن كسكان قطر والإمارات، لدينا كهرباء 24 ساعة باليوم”.
كافة سكان القرية التي تقطن فيها 45 عائلة نصبوا منظومات طاقة شمسية لتوليد الكهرباء، وهي منظومة صديقة للبيئة تستخدم كبديل للمولدات التي تعمل بالوقود.
تخلصنا من أجور الكهرباء الوطنية والمولدات الأهلية والدخان والوقود
جلال عيسى، مختار قرية تربه سبي، كان من أوائل الذين بادروا بنصب منظومة الطاقة الشمسية في القرية، يوقل جلال بأن الفكرة نجحت وجميع سكان القرية رحبوا بالمبادرة.
وقال جلال بأنه حين ذُكِرت فوائد هذا المنظومة للمرة الأولى “قررنا تجربته والاستفادة منه”.
لذا قرر نصب المنظومة بكلفة ثلاثة آلاف دولار (4 ملايين و500 ألف دينار عراقي) وتتألف من ستة ألواح وأربع بطاريات تزود المنزل بـ10 أمبير من الكهرباء.
بعد مبادرة جلال، علم سكان القرية بفوائد المنظومة وبأنها صديقة للبيئة “فقرر الجميع نصب المنظومة”، وأضاف جلال “تخلصت قريتنا من مشكلة الكهرباء وضوضاء ودخان المولدات، فضلاً عن أجور كهرباء المولدات، حتى أننا نصبنا منظومات طاقة شمسية للمدرسة والمسجد”.
كمية الكهرباء التي تنتجها منظومة الطاقة الشمسية تتعلق بعدد ألواح الطاقة المستخدمة، كلما زاد عددها زادت الكلفة وذادت كمية الكهرباء المنتجة.
مولدات الكهرباء في القرية كانت حتى ما قبل عامين تعمل بالبنزين وزيت الغاز، ويقول جلال “كانت مصدراً للأدخنة والضوضاء”.
رغم عدم توفر احصائية رسمية بعدد مستخدمي منظومات الطاقة الشمسية في محافظة دهوك، لكن تم تسجيل 236 مشترك في مديرية كهرباء دهوك، ويأتي ذلك بعد صدور قرار من وزارة الكهرباء ينص على تخفيضات في أجزر الكهرباء الوطنية لمستخدمي منظومات الطاقة الشمسية.
وفقاً لإحصائية لوزارة كهرباء اقليم كوردستان توجد 6000 مولدة أهلية في الاقليم، 2000 منها تعمل في محافظة دهوك.
عمار جاسم، ناشط بيئي في قضاء بردرش- قرية تربه سبي تتبع القضاء-، يدعم الاستفادة من الطاقة الشمسية ويقول، “المولدات الأهلية تؤثر بشكل كبير على تلويث البيئة، الى جانب الأدخنة المنبعثة، تلوث البيئة بمخلفاتها… بصورة عامة لها تأثيرات سلبية على مجمل عناصر البيئة، الهواء، التربة والمياه الجوفية”.
واشار عمار اعتقاده الى أن الحكومة لا تقوم بمراقبة المولدات بصورة جيدة لمعرفة نوع زيت الغاز المستخدم لتشغيلها.
المولدات الأهلية تؤثر بشكل كبير على تلويث البيئة
لكن رئيس جمعية المولدات الأهلية في دهوك، همار هروري، قال إن “أصحاب المولدات ملتزمون بتعليماتنا، يجب عليهم استخدام زيت الغاز ذات الجودة العالية”.
ويأتي ذلك في حين لم يتم حتى الآن محاسبة أي صاحب مولدة على استخدام زيت غاز ذات جودة منخفضة.
بحسب الدكتور ديلمان يوسف، من شعبة السيطرة على امراض السرطان في محافظة دهوك، السبب الرئيسي للسرطان هو تلوث الهواء، بالأخص سرطان الرئة، “دخان المولدات مصدر رئيسي لتلوث الهواء البيئة، الى جانب أدخنة عوادم المركبات واستخدام بنزين منخفض الجودة”.
وفقاً لـ(آكيو ئير)، شركة سويسرية تعمل في مجال تكنلوجيا جودة الهواء، يعد هواء العراق من “الأكثر تلوثاً” بين دول العالم. وتلوث البيئة والهواء بحسب وزارة صحة الاقليم يعد من أحد أسباب ازدياد حالات الإصابة بأمراض السرطان، حيث سجلت في 2023 تسعة آلاف و911 حالة إصابة جديدة في اقليم كوردستان، كان سرطان الرئة ثاني أكثر شيوعاً.
رئيس جمعية المولدات ألأهلية أصدر تعليمات لأصحاب المولدات بضرورة تخصيص مساحات خضراء في محيط المولدات عن طريق غرس 10 شتلات فضلاً عن إلزامهم بدفع مبلغ 10 آلاف دينار لكل متر سنوياً الى هيئة حماية البيئة كتعويض عن تلويث البيئة.
أغلب المواطنين ليس لديها القدرة المالية لنصب منظومات طاقة شمسية لذا يقترح مهندس الكهرباء أسامة علي على الحكومة دعم المواطنين، “بالإمكان نصب منظومات طاقة شمسية في عموم كوردستان عن طريق لقطاع الخاص، شريطة أن يحصلوا على دعم مالي من الحكومة”.
وأضاف، “نصب ألواح الطاقة الشمسية كلفته عالية لكن في النهاية سيكون مفيداً جداً للبيئة وزيادة انتاج الكهرباء”.
لذا يطالب مختار قرية تربه سبي، جلال عيسى الحكومة بتوفير تسهيلات للمواطنين لمساعدتهم في نصب منظومات الطاقة الشمسية.
أحلام محمد، حاصلة على شهادة الماجستير في مجال الطاقة المتجددة، ترى بأن حكومة الإقليم مقصرة في اتخاذ الخطوات اللازمة للاستفادة من الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء، في الوقت الذي تعد فيه بيئة العراق ملائمة للاستفادة من هذه الطاقة بسبب ارتفاع معدلات درجات الحرارة، كما أن الطقس في العراق الى جانب فصل الصيف يكون مشمساً أغلب أيام الخريف والربيع.
“الهدف من اللجوء للطاقة المتجددة الحفاظ على نظافة البيئة والتقليل من انبعاث ثاني أوكسيد الكربون والانبعاثات المضرة الأخرى”.
الهدف من اللجوء للطاقة المتجددة الحفاظ على نظافة البيئة
وتقول أحلام إن وزارة الكهرباء تستطيع بدلاً من عملية نصب أجهزة القياس الذكية وتقييد المواطنين باستهلاك كمية محددة من الأمبير، صرف امكانياتها في مجال الطاقة المتجددة، بالأخص في القرى.
وزارة الكهرباء في حكومة اقليم كوردستان، في خطة تهدف لتشجيع المواطنين على الاستفادة من الطاقة الشمسية، اصدرت قراراً بعمل تخفيضات في أجور الكهرباء الوطنية لمستخدمي منظومات الطاقة الشمسية، بشرط تسجيل اسمائهم في الوزارة لدمج المنظومة بالكهرباء الوطنية، لكن سكان قرية تربه سبي اشاروا الى عدم علمهم بهذا القرار.
آزاد طارق، معلم يخدم في القرية لكنه من خارجها، نصب منظومة طاقة شمسية ويقول “لست على علم بالقرار، لكنني لم أدمج منظومتي بالكهرباء الوطنية لأنهم يقولون بأن ذلك سيسبب كساكل للمنظومة، إذا تعطلت المنظومة سيكلفني تصليحها 500 ألف دينار”.
وتقول أحلام محمد، “بما أن أعداد السكان تتزايد يوماً بعد يوم، سيزداد الطلب على الكهرباء، بالإمكان، كخطوة أولى، إلزام سكان المشاريع السكنية الاستفادة من الطاقة الشمسية”.
بركشت آكريي، مدير إعلام هيئة الاستثمار في اقليم كوردستان، لفت الى أن الهيئة اقترحت على الحكومة جعل نصب منظومات الطاقة الشمسية شرطاً من شروط منح ترخيص إنشاء المشاريع السكنية لكن القرار لم يتخذ حتى الآن، “القرار يطبق في الوقت الحاضر في بعض محطات الوقود والأماكن العامة”.
وقال بركشت، “وفق تقديراتنا، كلفة نصب المنظومة في اقليم كوردستان تقترب من ملياري دولار، اذا اتخذ قرار بهذا الشأن سيتمتع الاقليم بالكهرباء على مدار الساعة”.
في حال نصب منظومة الطاقة الشمسية لإقليم كوردستان، ستزال 6000 مولدة أهلية، وبهذا حسب الناشط البيئي عمار جاسم، “ستكون لدينا بيئة نظيفة جداً وكهرباء مستمرة”، كالذي يتمتع به سكان قرية تربه سبي.
وقال مختار القرية، “تخلصنا من دخان المولدات وأجورها الشهرية… كلفة نصب المولدات في القرى أكبر، لأن عدد السكان قليل، بذلك ستزداد الأجور الشهرية”.
المختصة في مجال البيئة واستاذة الجامعة، الدكتورة خوناف حسن، تقول “وفقاً للدراسات العلمية، الأفراد الذين يتعرضون بصورة أكبر لأدخنة زيت الغاز والمركبات التي تعمل بهذا النوع من الوقود، نسبة إصابتهم بأمراض متعددة تكون أكبر”.
“الجلطة الدماغية، السرطان ومرض الزهايمر، من تداعيات استنشاق الدخان المنبعث جراء احتراق زيت الغاز، هذا ما أثبتته الدراسات”، لذا ترحب خوناف بمبادرة قرية تربه سبي.