ليتني مت قبل هذا
إحدى النساء التي أعرفها تركها زوجها وهي في ريعان شبابها بعد أن أنجب منها ولداً وبنتاً، وتزوج بامرأة أخرى. لم تطلب الطلاق على أمل أن تكون نزوة وتنتهي، لكن النزوة طالت وأهمل فيها وفي أبنائه. ومع ذلك، لم تطلب الطلاق لأنها لم تشأ أن تكتسب لقب مطلقة رحمةً بأبنائها، وكأن الطلاق جريمة.
بدأت تعمل في الحقول وتربي المواشي والدواجن لتستطيع تعليم أبنائها. كان حلم عمرها أن تبني منزلاً مكوناً من طابقين لتزوج فيه أبنائها وتكون بجوارهم. وبالفعل، فعلت ما كانت تحلم به بمساعدة ما أخذته من ميراث أبيها. تزوج ابنها في المنزل الذي أعدته له، لكن خطيب ابنتها رفض السكن في القرية وتزوج في منزله في المحافظة، فتزوجت ابنتها بعيداً عنها بعد أن رفضت شباب القرية وأحبت ذلك الشاب في موقع عملها.
بعد فترة، وبعد أن أنجب ابنها من زوجته، استطاعت زوجته بطريقة أو بأخرى أخذه لتسكن في المدينة بجوار والدتها. أصبحت صلتها بأبنائها لا تتعدى الهاتف وزيارات قليلة، لا سيما من ناحية الابن. ومع مرور الوقت، أصبحت هي من تتصل وقلت زيارات أبنائها. أصبح المتطوعون من الجيران هم من يأخذون بيدها إذا مرضت ويتولون رعايتها إذا لزم الأمر.
تقول هذه المرأة أنها ندمت على الطريقة التي أدارت بها حياتها، ولو عاد الزمان لتصرفت بطريقة مختلفة. أوصت جيرانها أن يفقدونها إذا لم يروها في الأوقات التي اعتادوا رؤيتها فيها، لأنها قد تكون ماتت.
في أحد الأيام، لاحظ الجيران غيابها لفترة أطول من المعتاد. تذكروا وصيتها وقرروا الاطمئنان عليها. عندما وصلوا إلى منزلها، وجدوا الباب مغلقاً وعدم وجود أي حركة داخل البيت. بدأ القلق يتزايد، فقاموا بالاتصال بالسلطات لفتح الباب.
عندما دخلوا، وجدوا المرأة جالسة في كرسيها المفضل، وبجانبها صورة عائلتها. كانت قد فارقت الحياة بسلام، محاطة بذكرياتها وأحلامها التي لم تكتمل. الخبر انتشر في القرية بسرعة، وتجمع الجميع لتوديعها وإعطائها التكريم الأخير الذي تستحقه.
علم أبناؤها بالخبر وشعروا بحزن شديد وندم عميق على عدم تواجدهم بالقرب منها في سنواتها الأخيرة. حضروا الجنازة، ولكنهم أدركوا أن الوقت قد فات لتصحيح الأمور. كانت الجنازة مؤثرة، حيث تحدث الجيران عن تضحية المرأة وصبرها، وعن الحزن الذي عاشت به في سنواتها الأخيرة.
رحلت المرأة تاركة خلفها دروساً عميقة عن الحياة، وعن أهمية التوازن بين التضحية والسعادة الشخصية. أصبحت قصتها تروى في القرية كعبرة للأجيال القادمة، لعلها تكون تذكرة بأهمية العيش من أجل الذات بقدر ما نعيش من أجل الآخرين.
رحمها الله وأسكنها فسيح جناته، وألهم أبنائها الصبر والسلوان.