لن أنزل إلى مستوى لغة “المتطاولين” التي يتبناها كمال اللبواني في هجومه الأخير وبدونية أخلاقية على الشعب الكوردي، حيث نشر فيديو ينتقد فيه مسودة البيان الختامي للمؤتمر التأسيسي للمسار الديمقراطي السوري، الذي عقد في أوروبا بتاريخ 26/10/2024. وبالرغم من تحفظاتنا على بعض بنود البيان، خاصة تلك التي تغيب فيها الرؤية الفيدرالية لغرب كوردستان ولسوريا المستقبلية، إلا أن اللبواني تجاوز حدود النقاش السياسي، ليهجم بسفاهة على الشعب الكوردي وتاريخه، مدعيًا أن الكورد “مهاجرون” أو “لاجئون” في سوريا، وليسوا شعب أصلي، ويجب أن يعودوا إلى مكانهم “الأصلي”، بل وصل به الأمر إلى افتراض عبثي بأنهم “أتوا من الهند”، مستخدمًا ألفاظاً مشينة بوصفهم بـ”القرود” ويصف الأقليات في سوريا بالفلول، وغيرها من العبارات التي تعكس عقلية متدنية ومريضة.
يبدو أن اللبواني، المأخوذ بنظريات قومية بالية، لم يدرك أن محاولاته للطعن في التاريخ الكوردي لا تعبر إلا عن جهل فاضح بالتاريخ وحقيقة الوجود الكوردي في غرب كوردستان، حيث تواجد الكورد منذ آلاف السنين، متجذرين في أرضهم قبل أن تتشكل سوريا الحديثة. إن خطابه، المليء بالسخرية والتهجم، يعكس حالة ذهنية مريضة تستند إلى أوهام عرقية متطرفة، تناقض المبادئ الأساسية للحوار الديمقراطي الذي يدّعي تمثيله.
رد اللبواني هذا لا يقتصر على كونه تعبيراً عن فكر متعصب، بل يظهر افتقاره لأدنى معايير الاحترام في التعامل مع مكونات سوريا المتعددة. إن التهجم بهذه الطريقة لا يضر إلا بصاحبه، إذ يفضح جهله بالتاريخ وإصراره على تشويه الحقائق، ويبرز كراهيته المستترة التي لا يمكن أن تكون أساسًا لأي مشروع ديمقراطي حقيقي.
كمال اللبواني مثال على الذين يقفزون من أغصان أيديولوجياتهم المتحجرة ظانين أنهم بلغوا مستوى النقد الحضاري، في حين أن ما ينطقون به لا يعدو كونه هذيانًا وأوهامًا تعبر عن مرض نفسي عميق، بحاجة ماسة لإعادة التأهيل الثقافي والفكري. هؤلاء لم يتعلموا أبسط مبادئ الحوار الإنساني رغم سنوات عاشوها في كنف الحضارة، ليبقى خطابهم ضحلاً، مليئًا بألوان الإساءة والتدني الأخلاقي.
ينطلق اللبواني وغيره من أتباع العروبة المتعصبة من عقلية تجاوزها الزمن، عقلية ترى تفوقًا وهميًا تستخدمه للتهجم على الآخرين دون سند تاريخي أو أخلاقي. تهجمه البائس على الكورد وأرضهم وتاريخهم يعكس حالة ذهنية مأزومة، مريضة بنرجسية متصلبة، ولا أقول هنا “العربي”، لأن الإنسان العربي الأصيل يتحلى بقيم وأخلاق في الحوار والنقد، لا ينحدر إلى الابتذال حتى في حالة الاختلاف. اللبواني وأمثاله، الذين يتبنون خطابًا متعاليًا وعدوانيًا، لا يمثلون أخلاق العرب الحقيقية، بل يتحدثون بلغتها دون أن يحملوا قيمها.
لقد أستخدم غيره هذه الدونية في الكلام شريحة من شخصيات المعارضة السورية التي سقطت في خانة النظام المجرم، وكانوا هم السبب في خسارة الثورة السورية، وللعلم فقد استسقى مصطلح السفيه من الكاتب العراقي المرحوم ميثم الجنابي أستخدم نفس الكلمات، في مقالته له دفاعًا عن الشاعر سعدي يوسف، حين هاجم الكورد ولغتهم، ووصف كوردستان بعبارات مهينة، ورد عليه البعض من الكتاب الكورد فظهر ميثم الجنابي بمقاله القذر ذاك، واليوم كمال اللبواني يستعير منه تلك القذارة.
فهو وأمثاله أشخاص انفصلوا عن قيم الفكر والاحترام، مدعين معارضة النظام القمعي وهم أسرى لأفكار أكثر ظلاماً.
وليس من الضروري النزول إلى مستوى هذه الترهات المتكررة من اللبواني، ولا جدوى من الرد على خزعبلاته من زاوية تاريخية، لأنني بهذا سأضفي على أقواله المريضة شيئًا من المصداقية أو القيمة، في حين أن حق الكورد في أرضهم التاريخية في غرب كوردستان مثبت ومعروف.
لقد تناولت هذه الحقائق في مقالات عديدة بل ودراسات، استندت إلى وثائق ومصادر تؤكد الوجود الكوردي في غرب كوردستان منذ الحضارات الأولى، وقدمها العديد من الأخوة الكورد وغير الكورد، وهي جدلية س تحتاج إلى تكرارها للرد على سفاهات اللبواني، وبينت حينها كيف تشكلت سوريا الحديثة وكيف تدفقت الهجرات العربية الأولى مع الفتوحات الإسلامية، ثم تلتها هجرات بعد ثورة حائل في القرن العشرين، لكن الضحالة في التاريخ الممزوج مع الحق وكراهية الأخر دفعته ليتجاوز حدود الأدب ويعبث بتاريخ الشعوب وينعتهم بلسان قذر، فلو كان متوقفا على نقد الأحزاب السياسية لقلنا إنه اختلاف رأي وموقف سياسي.
ردودي التاريخية كانت موجهة لشخصيات من أمثال محمد جمال باروت وغيرهم من أتباع العروبة المتصلبين الذين لا يزالون أسرى ثقافة البعث. وأؤكد أن كمال اللبواني وأمثاله لا يمتلكون القدرة على مواجهة الحقائق التاريخية بموضوعية، وإنما يتشبثون بترهات فكرية لا يمكن وصفها إلا كنتاج لعقلية متعصبة لا زالت تحلم بأمجاد استعمارية.
كمال اللبواني، مثال آخر على هذا التمسك المرضي بهذه المفاهيم، ويبدو أن سنوات السجن الطويلة قد تركت فيه آثاراً نفسية عميقة، أدت إلى تشوهات فكرية وتناقضات مستمرة. فقد أظهرت تصريحاته المتكررة حول حقوق الكورد وأهمية وجودهم التاريخي تناقضات واضحة، حيث يظهر في كل مرة بموقف مختلف عن السابق، مما يعكس حالة من التخبط الفكري والانفصال عن الواقع. هذه الحالة ربما تتفق مع ما وصفه عالم النفس الشهير سيغموند فرويد في دراسته عن “التثبيت النفسي”، حيث يميل الأفراد إلى التعلق بأفكار محددة، ويرفضون التحرر منها حتى بعد وضوح التناقض في سلوكهم وأفكارهم.
وبعيداً عن الأيديولوجيا، فإن اللبواني، مثلما أشرت في إحدى مقالاتي عام 2016 بعنوان “د. كمال اللبواني: من ضحايا سجون النظام”، يظهر بوصفه ضحية لآثار السجن الطويل الذي عزز لديه اضطرابات نفسية مثل الشيزوفرانيا أو الانفصام الذهني، مما أدى إلى ضعف في الاتساق الفكري وتكرار مواقف متناقضة، وهو ما يجعلنا نتفهم تصرفاته بشكل أكبر في ضوء التراكمات النفسية التي خلّفتها تجربته.
وفقًا للدراسات النفسية، فإن الأفراد الذين يعانون من صدمات طويلة الأمد، كما وصفها الطبيب النفسي فيكتور فرانكلن في كتابه “الإنسان يبحث عن معنى”، غالباً ما يتشبثون بأفكار أو أوهام تمنحهم شعوراً بالاستقرار. وهذا ما قد تمسك اللبواني بتلك المفاهيم التي ورثها خلال حقبة البعث، والتي تحول دون رؤيته للواقع السياسي بموضوعية.
لذلك، لا ينبغي أن ننظر إلى تصريحات اللبواني المتناقضة والمتقلبة بعين الانتقاد فقط، بل ربما ينبغي أن ندعوه إلى إعادة تقييم ذاته عبر مشورة نفسية متخصصة، تساعده في التعامل مع التراكمات الذهنية التي أثرت على استقراره الفكري. إن الدعم النفسي بإشراف متخصصين يمكن أن يعيد إليه التوازن ويخفف من حدّة التأثيرات التي غرسها السجن في عقله. وكما أوضحت في كتاباتي السابقة، فإن المشكلات النفسية تصبح أكثر تعقيداً عندما يفقد الشخص الوعي بحالته، وهنا مكمن المصيبة.
وبناءً على هذا التحليل، فإن دعوته إلى التفكر ومراجعة الذات هي جزء من محاولة متعاطفة لفهم حالته، فالنضال الحقيقي يبدأ بتحرير الذات من قيود الفكر الموروث الذي يحجب الرؤية، ويقوّض إمكانية الوصول إلى حلول نضالية موضوعية تخدم القضايا الوطنية والإنسانية على السواء.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
28/10/2024م