كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعداً في التوترات، حيث يجد النظام الإيراني نفسه عالقاً في مستنقع من الصراعات الإقليمية التي صنعها بنفسه. لسنوات، ادعى الولي الفقيه علي خامنئي أنَّ المشاركة في النزاعات عبر المنطقة – في دول مثل سوريا ولبنان وفلسطين واليمن والعراق – كانت لمنع الحرب من الوصول إلى إيران. وقال مراراً إنَّ إيران تحارب في الخارج “حتى لا تصل الحرب إلى إيران”. هذا الموقف ردده أيضاً حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان المتحدث باسم خامنئي، حين قال: “نحن ندفع تكلفة أمننا”. كما أكد رئيس البرلمان السابق للنظام علي لاريجاني هذا الموقف بقوله: “هذا الأمر يتعلق بأمننا القومي ومصالحنا”. ولكن الواقع على الأرض قد تغير، والآن يجد النظام الإيراني نفسه في الصفوف الأمامية لحرب مكلفة، أمامه خياران فقط: إما أن ينخرط بشكل كامل ويتحمل العواقب، أو يستسلم ويواجه نتائج الهزيمة.
معضلة إيران: لا وجود لحل وسط
يجب على النظام الإيراني الآن أن يحدد دوره في المنطقة بوضوح. فلا إمكانية للعودة إلى الماضي أو اعتماد حل وسطي. تورط النظام في النزاعات الإقليمية قد وصل إلى مفترق طرق حاسم، وأصبح من الواضح بشكل متزايد أنه لا مفر من العواقب الناجمة عن سياسات خامنئي التوسعية. وزير الخارجية عباس عراقجي قام بعدة زيارات إلى السعودية وقطر وعمان والعراق ولبنان وسوريا والأردن ومصر وتركيا واليمن والكويت، بدعوى بحث وقف إطلاق النار واتفاقات السلام. ولكن هذه الجهود الدبلوماسية لم تسفر عن أي نتائج. رؤية النظام لوقف إطلاق النار – والتي تتلخص في العودة إلى الوضع القائم قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 – قد تم رفضها باعتبارها غير واقعية وغير قابلة للتنفيذ.
المطالب من الجانب الآخر واضحة
يريدون النظام الإيراني بدون قواته بالوكالة، وبدون قدراته الصاروخية والطموحات النووية. بالنسبة للنظام، قبول هذه الشروط سيكون بمثابة التخلي عن نفوذه الإقليمي ويُعد استسلاماً، كما يمثل شرب “كأس السم” الذي أشار إليه خميني خلال الحرب العراقية الإيرانية. خامنئي أيضاً يرفض هذه المطالب، إذ يعلم أن قبولها سيكون كارثة سياسية، تُفقد النظام أصوله الاستراتيجية وتعرضه للخطر إقليمياً وداخلياً.
جمهور الأهلي المصري خلال المباراة ضد العين الإماراتي في كأس القارات لأندية كرة القدم. القاهرة في 29 تشرين الأول/أكتوبر 2024كأس القارات للأندية: الأهلي إلى نصف النهائي بثلاثية في مرمى العينصورة يحيى السنوار مرفوعة في طهران في آب (أغسطس) 2024إيران ومُرتزقتها يُخَرّبون والعَرب يُعَمِّرونجنود تايوانيون يكرّمون ضحايا معركة «كينمن» خلال الحرب الأهلية الصينية التي استمرّت من 1927 إلى 1949الصين ستلتهم تايوان… عاجلاً أم آجلاً
التهديدات الإقليمية وتداعياتها
لم يتردد نظام خامنئي في إطلاق تهديدات صارمة. أحد الحلول التي اقترحها مستشاروه لوقف الحرب تتضمن مهاجمة الدول الإقليمية إذا امتدت الحرب إلى حدود إيران. فكرة مهاجمة الدول العربية الجنوبية، التي ينظر إليها خامنئي على أنها حلفاء للغرب، طُرحت كاحتمال جاد. حذر علي لاريجاني، على وجه الخصوص، بقوله: “في الوقت المناسب، سنحاسب الدول العربية”. وبالمثل، قال إبراهيم رضائي، المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني: “أي شخص متورط في الملف الإسرائيلي، سواء المخططين أو المنفذين أو الداعمين، سيتم معاقبته“.
هذه التهديدات ليست بسيطة، فاحتمال حدوث مثل هذه العمليات سيؤثر بشكل واسع على سوق النفط العالمي. على سبيل المثال، يمر يومياً حوالى مليوني برميل من النفط السعودي عبر مضيق هرمز إلى الصين. أي عمل عسكري في المنطقة سيجر حتماً الولايات المتحدة والقوى الغربية والدول الإقليمية مثل السعودية والإمارات وحتى الصين إلى النزاع.
وقد ذكرت مؤخراً أن دولاً عربية تواصلت مع إسرائيل، مؤكدة دعمها لأي رد عسكري إسرائيلي ضد إيران، وطلبت من إسرائيل إخطارها مسبقاً بأي هجمات لتتمكن من الاستعداد لأي رد انتقامي من إيران. العواقب التي ستترتب على مهاجمة إيران لجيرانها العرب ستكون كارثية، ليس فقط للمنطقة، ولكن أيضاً للنظام الإيراني نفسه. كما جاء في التقرير، “الخاسر الرئيسي في مثل هذا السيناريو سيكون النظام في طهران”. فهل يمكن لإيران أن تنجو من مثل هذا النزاع؟
في الوقت الحالي، يجد النظام الإيراني نفسه في عزلة متزايدة. تقف دول مثل إسرائيل والولايات المتحدة والقوى الغربية والإقليمية في مواجهة طهران، بينما تظل القوى الكبرى مثل الصين وروسيا على الحياد في أفضل الأحوال، غير مستعدة للوقوف إلى جانب إيران في حالة اندلاع الحرب. كما أن شبكة القوات بالوكالة التي كانت تعتمد عليها إيران قد ضعفت، مما يزيد من تعقيد موقفها الاستراتيجي. وكما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط، “انهارت الجبهة الخارجية لإيران بشكل مذهل، وتركتها بلا دفاعات بعد تدمير قدرات حماس وحزب الله“.
داخلياً، يواجه النظام تحديات كبيرة في حشد الدعم لحرب جديدة. معظم الإيرانيين، باستثناء قلة قليلة من الموالين، لا يملكون الحافز للقتال في مثل هذا الصراع. حتى صحيفة جمهوري إسلامي الرسمية حذرت من أن الدعوات للحرب اليوم ليست مختلفة عن “دعوات أهل الكوفة للإمام الحسين، والتي انتهت بخيانتهم له عند بدء المعركة”. وأضافت صحيفة هم ميهن: “الحرب سم، ولماذا نعتقد أن الناس يدعمون الحرب؟ اليوم لا توجد حرب واسعة النطاق تتعلق بإيران ومصالحها الوطنية“.
حتى بعض القادة الدينيين أعربوا عن شكوكهم حول تورط إيران في النزاعات الخارجية. يواجه النظام في طهران الآن نتائج سياساته الخارجية العدوانية. كما أوضح علي لاريجاني: “الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، قد صمم خطة استراتيجية لإحداث تغييرات في المنطقة”. وفي قلب هذه التغييرات يقف النظام الإيراني، ومع عدم وجود خيار ثالث، فإنَّ على النظام إما أن يواجه تكاليف الحرب أو يستسلم. الأصول الاستراتيجية التي اعتمدت عليها إيران قد ضاعت، ومسارها المستقبلي يبدو محفوفاً بالمخاطر. في حين أنَّ الضربات العسكرية وحدها قد لا تؤدي إلى سقوط النظام، إلا أن الضغوط الداخلية والخارجية تشير إلى أن الأيام القادمة قد تحمل تغييرات جذرية، مع بروز شبح الثورة بشكل متزايد.
ما هو السبيل لخروج الشعب الإيراني ودول المنطقة من الوضع الحالي؟
في اعتقادي، يكمن الحل في انتصار المقاومة المنظمة في إيران وتحقيق المادة العاشرة من الخطة ذات النقاط العشر للسيدة مريم رجوي، والتي تنص على: إيران غير نووية، خالية من أسلحة الدمار الشامل، مع تعزيز السلام، والتعايش، والتعاون الدولي والإقليمي