ان الحديث عن التغييرات الديموغرافية لمناطق المسيحيين في عموم العراق بشكل عام وفي مناطق سهل نينوى بشكل خاص وكذلك التجاوزات على اراضيهم في اقليم كوردستان ليست جديدة ، ولعل ما يميز تلك العمليات الممنهجة في التغييرات الديموغرافية لمناطق المسيحيين بأنهااليوم أكثر شراسة في الاستيلاء على مناطقهم بما تعرضوا له من تغييرات ديموغرافية في ظل النظام الديكتاتوري البائد ، وبالرغم من اصدار قرارا المحكمة الاتحادية العليا بمنع التغييرات الديموغرافية لمناطق الاقليات ومنهم المسيحيين وفق المادة 23 ب من الدستور الاتحادي الا ما نشهده اليوم وبعد تحرير مناطقهم من براثن الدولة الاسلامية داعش الاراهبي وكما يبدو ان تحرير مناطقهم كان ثمنه المزيد من الاستيلاء والاستحواذ على اراضيهم وممتلكاتهم وخاصة في سهل نينوى ..
لقد انعقد في الفترة الواقعة بين 23-24/11/2013 ، في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، المؤتمر الأول لأصدقاء برطلة تحت شعار “لا للتغيير الديمغرافي في مناطق المسيحيين الأصلية في العراق”. وقد وجد المؤتمر ترحيباً حاراً من رئاسة وحكومة إقليم كردستان العراق والأحزاب والقوى الكردستانية والكثير من الأحزاب والقوى العراقية وتلقى الكثير من رسائل التأييد والدعم. وقد حضرت افتتاح المؤتمر السيدة الأولى عقيلة السيد رئيس الجمهورية هيرو خان أحمد انذاك والسادة ممثلوا السيد رئيس الجمهورية العراقية والسيد رئيس الإقليم والسيد نائب رئيس الإقليم وعن الأحزاب والقوى السياسية العراقية والكردستانية وممثل عن الأمم المتحدة والسيد سترون ستيفنسون رئيس لجنة العراق في البرلمان الاوربي ونيافة المطارنة والكهنة وشيوخ الدين وجمهور غفير من المثقفين ومؤيدي المؤتمر وقضيته العادلة امتلأت بهم قاعة الشهيد سعد عبد الله. في اليوم الثاني من المؤتمر وبطلب من السيد مسعود برزاني رئيس اقليم كوردستان العراق قام وفد كبير من أعضاء المؤتمر باللقاء مع سيادته في مقره في صلاح الدين وتحدث الوفد عن مهمة المؤتمر والتعقيدات التي تواجه المسيحيين في سهل نينوى وكذلك التجاوزات على اراضي المسيحيين في اقليم كوردستان وتم تسليمه ملفا بالتجاوزات على اراضي المسيحيين في اقليم كوردستان ووعد سيادته بأتخاذ مايلزم في انصاف المسيحيين المتضررين جراء ذلك ، كما عرض الوفد لسيادته الحلول المطلوبة والإنسانية لمواجهة التغيير الديمغرافي القديم والجاري حالياً وضرورة إيقافه ومعالجة المشكلة لصالح تعزيز وتكريس الصداقة والود بين مكونات الشعب العراقي، وبشكل خاص بين المسيحيين والشبك في سهل نينوى، ومنها برطلة وتلكيف وغيرهما. وقد أبدى السيد رئيس الإقليم تفهمه الكامل وتأييده الحار لحل هذه المشكلة المعقدة والقديمة بطريقة إنسانية وعملية لصالح المسيحيين والشبك في آن واحد ، وعلى مدى يومين ناقش المؤتمرون المشكلة التي عانى منها المسيحيون في الماضي والحاضر والتي تفاقمت في ظل الحكم الطائفي السائد في العراق. وقد وجد المؤتمرون ضرورة حل هذه المشكلة المتفاقمة بصورة إنسانية لمواجهىة مخاطر التغيير الديمغرافي والتجاوزات على الدستور العراقي ومنها هجرة الكثير من المسيحيين إلى خارج الوطن من خلال حلول إنسانية وعملية لإيقاف التغيير الديمغرافي والزحف غير المشروع على مناطق المسيحيين من الشبك الذين كانوا ومازالوا يعانون من سوء الأوضاع والقتل العمد من التكفيريين، كما يعاني منها المسيحيون أيضاً. وقد وضع المؤتمر مجموعة من التوصيات لمعالجة المشكلة التي هي ليست ضد الشبك ولكن في مصلحة المكونين المسيحي والشبك ومن أجل تعزيز العلاقة التاريخية بينهما في المنطقة. وطالب المؤتمر إيقاف تدخل بعض قوى الإسلام السياسي ومن الدول الأجنبية في ما يجري حالياً من عمليات تغيير غير شرعية على مناطق المسيحيين بحيث أصبح المسيحيون إقلية في مناطقهم الأصلية كما في حالة برطلة وتلكيف على سبيل المثال لا الحصر.
اليوم وبعد تحرير مناطق المسيحيين في سهل نينوى من براثن دولة الخلافة الاسلامية داعش الارهابي ازدادت عمليات الاستيلاء على مناطقهم في حجج شتى فتارة تحت حجة تكريم عوائل شهداء الحشد الشعبي الذين ضحوا بدمائهم من اجل تحرير مناطق العراق وكأنه لا توجد مناطق اخرى في العراق سوى مناطق المسيحيين في سهل نينوى لتوزيعها على العوائل المنكوبة أو بحجة بناء مجمعات سكنية في مناطق المسيحيين ولا يوجد اي مبرر لذلك ومن المفروض ان تقام تلك المشاريع والمجمعات في مناطق الشبك في سهل نينوى …
إن هكذا عمليات ملتوية وبطرق غير مشروعة تفند الادعاءات الحكومية التي تدعوا الى التعايش السلمي وبناء اواصر بين مكونات الشعب العراقي ، حيث لا يتلمس المسيحي والايزيدي والصابئي المندائي وغير المسلم تلك المبادئ وتلك الحقوق التي تجاهر بها الحكومة العراقية بأحترام حقوق الاقليات وحماية تراثهم ومناطق سكناهم التاريخية..
ان ما تقوم به الجهات المتنفذة في دوائر الحكومة العراقية ضد المسيحيين وابناء الاقليات غير المسلمة يراد منه تهجيرهم بشتى الطرق ، ولا تختلف هذه الممارسات عن ما كان يفعله النظام الديكتاتوري السابق في عملية اطفاء اراضي المسيحيين في سهل ننيوى واعتبارها ملكا للدولة ومن ثم يقوم بتوزيعها على شكل قطع سكنية كمكرمة لمنتسبي جهاز الامن الخاص والمخابرات العراقية والجيش العراقي من اهالي الحضر والشرقاط والقيارة بحجة تكريمهم على حساب ممتلكات المسيحيين في المنطقة ، واليوم يعيد التاريخ نفسه لتكون ممتلكات المسيحيين في سهل نينوى مستباحة بحجة تكريم ابناء الحشد الشعبي وبعيدا عن المزايدات نحن بهذا الصدد لا ننكر ما قدمه الحشد الشعبي من دماء زكية للدفاع عن الوطن مع ابطال البشميركة والجيش العراقي البطل ، نعم يستحقون هم وعوائل الشهداء الحياة الكريمة وان تقدم لهم الحكومة جميع حقوقهمواستحقاقاتهم ولكن لا ان يكون على حساب اراضي وممتلكات العراقيين بشكل عام ومن ضمنهم المسيحيين وان لا تكون الاراضي التي توزع عليهم اراضي مغتصبة وان لا يكون التوزيع في مناطق التاريخية للشعوب الاصيلة في سهل نينوى ….
ان التجاوزات والاستيلاء غير المشروع على مناطق المسيحيين تحت اي مسوغ كان، يعد علامة فارقة بانهاء وجود المسيحيين في العراق ، وإن الاستمرار بعدم الاهتمام بأسس ترسيخ التعايش السلمي بين مكونات والقوميات المتآخية في العراق سيجعل المنطقة دوما في حالة صراع وعدم استقرار ، لذا على حكومتي بغداد واربيل ان تلتزم بمسؤوليتهم في الحفاظ على السلم الاهلي والعمل في ايقاف جميع العمليات التغيير الديموغرافي ومن ثم ازالة جميع آثارها القديمة واغلاق ملف التجاوزات على اراضي المسيحيين في اقليم كوردستان العراق وبدون ذلك ستكون كل الخطابات الحكومية التي تدعوا للتعايش السلمي كلام فارغ وبدون فائدة واقل ما يقال بانه للاستهلاك المحلي وتجميل الاوضاع في العراق وهو ليس كذلك ، ونخشى ان يكون العراق دوما كما هو حاله الان في جدول اعمال المجتمع الدولي في المراجعة الدورية لأوضاع حقوق الانسانوحقوق الاقليات وحمايتهم في العراق .
ان عدم معالجة تلك الممارسات ستزيد من الاحتقان وتزيد نزيف الهجرة لابناء الاقليات خارج الوطن وهي قطعا ليست من مصلحة العراق الاتحادي ولا من مصلحة الفدرالية الفتية في كورستان العراق .