المواطن و الكلب
………………..
كان المثقف العربي غارقاً في بث همومه و مكنونات صدره للكلب الصغير المتثاقل ترفا و استرخاءً في احدى سيارات ألسلك الدبلوماسي الأجنبي وسط تجمع المارة و سخريتهم عندما قدم احد رجال الشرطة مسرعا بمسدسه وهراوته و اصفاده و غيرها من عدة الديمقراطية العربية.
المثقف: سنتابع حديثنا فيما بعد.
الكلب: لم يرتجف صوتك و تصطك ركبتاك؟
المثقف: لقد جاء الشرطي.
الكلب/ و ان جاء ما علاقته بك او بسواك؟
المثقف: اذا لم تفهموا هذه العلاقة حتى الان فلن تفهموا ما يجري في منطقتنا ابدا.
الكلب: انا لا أخاف من حلف الأطلسي.
المثقف: لان حلف الأطلسي قد يراجع بشأنك اذا ما تعرضت الى مكروه.
الكلب: اليس لك اهل و أصدقاء يراجعون نشانك؟
المثقف: طبعا و لكن المشكلة ان الذين سيراجعون بشأني سيصبحون هم اوتوماتيكيا بحاجة الى من يراجع بشأنهم، الان وصل الشرطي ارجونك ان تتصرف و كأنك لا تعرفني.
الشرطي: ما هذا التجمع وسط الشارع؟
المثقف: الا تسمعون؟ ممنوع التجمع الا لرجال الامن.
الشرطي: هيا…كل في حال سبيله.
المثقف: مواطن يتحدث الى كلب، هل هي فرجة؟
الشرطي: بل جريمة.
المثقف: قبل ان ترفع هذه العصى يجب ان تعرف و انت رجل قانون انه لا يوجد في أي عرف او دستةر او بيان وزاري ما يمنع المواطن من التحدث الى كلب؟
الشرطي: من ندرة الأشخاص و المنابر و المتفقهين من حولك حتى تتحدث بما تعانيه الى هذا المخلوق المنفر الغريب.
المثقف: و لمن اتحدث يا سيدي؟
الكتاب مشغولين بالجمعيات السكنية.
و الفنانون بالمسلسلات الخليجية.
و المعلمون بالامتحانات.
و الطلاب بمعاكسة الفتيات.
و التجار بإحصاء الأرباح.
و الفقراء بغلاء الأسعار.
و المسؤولين بالخطابات.
الشرطي: عم كنتما تتحدثان؟
المثقف: موضوعات عامة، كنا نتحدث عن الحب.
الشرطي: كذاب لا احد يحب أحدا.
المثقف: عن الصداقة.
الشرطي: ايضاً كذاب…لا احد يثق بأحد.
المثقف: عن الصحافة العربية.
الشرطي: لا احد يقرؤها.
المثقف: عن الإذاعات.
الشرطي: لا احد يسمعها.
المثقف/ عن الانتصارات.
الشرطي: لا احد يصدقها.
المثقف: عن المقاومة الفلسطينية.
الشرطي: لا احد يحس بوجودها.
المثقف: عن حرب الخليج.
الشرطي: لا احد يبالي بها.
المثقف: عن الزراعة.
الشرطي: لا احد يزرع شيء، كل طعامنا صار معلبات.
عم كنتما تتحدثان للمرة الأخيرة؟
المثقف: بصراحة كنت احدثه عن الصراء العربي الإسرائيلي من الالف الى الياء
الشرطي: يا للفضيحة تتحدث عن اهم قضية عربية الى كلب و اجنبي أيضا
المثقف: لا تحمل الموضوع اكثر مما يحتمل اعتبره تتمة للحوار العربي الأوربي
الشرطي: و لماذا كنت تطلعه على صحفنا المحلية
المثقف: كنت اتلو عليه احدى الافتتاحيات
الشرطي: و كيف كان تعقيبه عليها؟
المثقف: لقد عوى
الشرطي: كلب متواطئ
المثقف: لماذا تتحدث عنه بكل هذه الضعة و الاستصغار يا سيدي؟
صحيح انه كلب صغير بحجم قبضة اليد و لكن انظر اليه كيف يبدو وادعاً مطمئناً وواثق من كل شيء يعرف متى يأكل ومتى يشرب و متى يخرج الى النزهة و متى يعود منها و متى ينام و متى يستيقظ باختصار كلب صغير يعرف مصيره و رجل طويل عريض لا يعرف مصيره أه يا سيدي الشرطي انا الانسان العربي لو كان لي حقوق كلب فرنسي او جرو بريطاني لصنعت المعجزات بقلمي البائس و دفتري المهترئ هذا
هل سمعت بإلياذة هوميروس؟
الشرطي: لا
المثقف: بالأوديسة؟
الشرطي: لا
المثقف: بملحمة غلغامش؟
الشرطي: لا
المثقف: بالكوميديا الإلهية لدانتي؟
الشرطي: لا
المثقف: بمسرحية فاوست لغوته؟
الشرطي: لا
المثقف: إذاً بماذا سمعت؟
الشرطي: منذ غزو لبنان لم اسمع الا اغنية “صيدلي يا صيدلي”.
المثقف: إذاً : هل تسمح لي بأن أعوي معه قليلاٍ؟.
الشرطي: لا هيا أمامي.
المثقف: لن امشي في الشارع هكذا.
الشرطي: ماذا تريد؟ موكباً رسمياً؟
المثقف: اريد طوقاً حول عنقي فقد اهرب، كمامة على فمي فقد أعض.
الشرطي: من ستعض يا هذا؟
المثقف: قد اعض الأرصفة، البنوك، الجماهير، اليمين، اليسار، الشرق، الغرب، الجنوب، الشمال. اخفض مسدسك يا سيدي و لا تصدق ما أقول ففي النتيجة لن اعض الا لساني على قارعة الطريق، أو اصابعي حتى يتصل الناب بالناب لأنني آمنت بشيء ما في يوم من الأيام ..اليس كذلك يا سيدي الشرطي؟
الشرطي: ارجوك لا تضربني على الوتر الحساس و الا تركت عملي و انضممت الى المحادثات معكما.
………………….
التنالية(14)/ الأقنية الرومانية
عبد الرضا حمد جاسم
………………………… …
*من كتاب: سأخون بلدي لمحمد الماغوط