وصلتني رواية “تغريبة الإيزيدي” من الأستاذ صائب خدر بإمتنان كبير، وحرصت على قراءتها بتمعن والغوص في عوالمها. يسعدني أن أشارك قراءتي لهذه الرواية المتميزة، دون التطرق إلى التفاصيل التي قد تحرق الأحداث، وتفسد متعة القراءة.
الرواية بحد ذاتها تحمل أهمية بالغة للمجتمع الإيزيدي ولشعوب العالم، وتعكس حقائق مريرة عاشها مجتمع كامل. “تغريبة الإيزيدي” هي رحلة مؤلمة لكنها أيضا مفعمة بالقوة والأمل والمقاومة.
الرواية تقدم سردا معقدا يمزج بين الأحداث التاريخية والدراما الشخصية، مما ينقل القارئ إلى قلب المعاناة والتحديات التي يواجهها الإيزيديون. يدهشك المؤلف منذ البداية بالتفاصيل الدقيقة التي يستخدمها لإحياء الأماكن المألوفة في بعشيقة وبحزاني، ما يضيف عمقا وأصالة للرواية، تجعل القارئ يشعر وكأنه يخطو في تلك الأزقة، ويعيش مع الشخصيات ويشاركهم معاناتهم.
يفاجئني المؤلف، بإتقانه لتقنيات كتابة الرواية، إذ تظهر قدرته على نسج دراما مؤثرة وخلق توازن بين الألم والصبر والمقاومة، والبقاء في سرد مقنع لا تكشف فقط عن راوي قصص يتمتع بموهبة كبيرة بل أيضا كفرد شجاع لا يخشى مواجهة الحقائق القاسية بصدق، مما يعكس الواقع العميق للمجتمع الإيزيدي بشكل صريح وغير مزيف، ويظهر كيف تأثرت حياتهم جراء سقوط وطنهم بيد داعش.
ما يميز الرواية أيضا هو الجرأة التي يتناول بها كاتب الرواية القضايا الحساسة والمصيرية، سواء تلك المتعلقة بالمجتمع الايزيدي او بترك مصائرهم أمام المجهول، والظلم الذي يواجهونه على مر التاريخ.
المؤلف صائب خدر، الذي عرفناه كبرلماني ودبلوماسي وقانوني، يظهر هنا كروائي ماهر يمتلك القدرة على نقل مشاعر الشخصيات بعمق، مما يجعل الرواية صوتا قويا يعبر عن معاناة الإيزيديين في ظل الظروف الصعبة. ومن أبرز نقاط القوة في الرواية هو التوازن الذي يخلقه المؤلف بين مختلف الشرائح في المجتمع العراقي، وهذا يعكس بوضوح فهمه العميق لتنوع الحياة في بلد مر بصراعات تاريخية وأزمات حادة، مما يضيف بعدا اخر إلى واقع صعب وحساس للغاية.
أما النهاية، فقد جاءت ملحمية بإمتياز، تبدو وكأنها صممت خصيصا لتعرض على الشاشة العريضة. المشهد الأخير كان بمثابة “ماستر سين” لفيلم سينمائي، يختصر كل ما سبق في لحظة درامية فريدة، حيث تتداخل القوة البصرية مع المشاعر المكثفة تجعل القارئ يتأمل ويتوقف عند معانيها العميقة. هذه النهاية الدرامية والمهمة تجعل من الرواية قاعدة قوية لتحويلها إلى فيلم سينمائي، وهو ما تم الإتفاق عليه رسميا بيننا وبين الأستاذ صائب خدر.
“تغريبة الإيزيدي” هي شهادة أدبية عن نضال وتضحيات الشعب الإيزيدي، وهي تقدم سردا مؤثرا عن واقع المنطقة قبل وبعد سقوطها بيد داعش. الرواية تجذب القارئ من خلال قدرتها على نقل الأحداث التاريخية والشخصية معا، كما توظف المكان ليصبح جزءا أساسيا من السرد، مما يجعل من تحولها إلى فيلم سينمائي خطوة مهمة.
من هذا المنطلق، ووفقا لرؤيتي كمخرج، يعد تصوير أحداث الرواية في أزقة بعشيقة وبحزاني أمرا ذا أهمية بالغة من الناحية البصرية والتاريخية. فهذه المدينة، التي عرفت بتاريخها العريق وتراثها الغني، تمثل نموذجا حيا للتعايش بين الأديان والثقافات، وتشكل مزيجا فريدا من الحكايات الشعبية والفلكلور الإيزيدي.
إلى جانب ذلك، فإن المنطقة تحظى بأهمية خاصة بالنسبة لي، إذ أنني درست وعشت فيها، وتعرفت عن كثب على تفاصيل جمالها وخصوصيتها الثقافية. هذا القرب الشخصي سيعزز من قدرتي على تصور هذه الأجواء في فيلم سينمائي بشكل واقعي ومؤثر، وينبع من حبي وإعجابي لأهالي بعشيقة وبحزاني، مما يجعل تصور الأحداث في فيلم سينمائي أكثر من مجرد تمثيل مكان، بل ستكون فرصة عظيمة لتوثيق تراث عريق يحتاج إلى إبراز جمالياته الفريدة في صورة سينمائية غنية ذو جاذبية عالمية، تكشف عن تنوع المدينة وجمالياتها، وتستعرض آمال وأحلام أهلها، إلى جانب معاناتهم وظروفهم القاسية في ظل العنف والشتات الذي مروا به. كما وسيتيح للمشاهدين التعرف على تاريخ المنطقة والرمزية القوية التي تحمل أماكنها، والتي تمثل جزء مهم من تاريخ البلد. هذه المشاهد ستشكل خلفية قوية وثرية في نقل رسالة الرواية إلى الشاشة الكبيرة.
في الختام، “تغريبة الإيزيدي”هي ليست مجرد رواية عن معاناة شعب، بل هي استكشاف عميق للمعاناة البشرية، والقوة الإنسانية، والصمود أمام الظلم. الشجاعة والدقة التي يتناول بها صائب خدر في روايته، إلى جانب إمكاناته ككاتب، ستترك بلا شك أثرا عميقا على القراء وتلهم الأجيال القادمة، كما تستحق أن تتحول الرواية إلى عمل سينمائي مهم يساهم في إيصال صوت الإيزيديين إلى العالم.
كولن/ المانيا
يستحقون كل التقدير أهلنا في بعشيقة وبحزاني،ودون اية مجاملة حيث أبدعوا بصمودهم وارادتهم الفائقة أيام النزوح وأيام الفرمان(الابادة) وبعزمهم وتخطيطهم الفائق اعادوا بناء،مدينتهم الجميلة بثبات وعزيمة .وهم محل فخرنا واعتزازنا .ومستمرون بمزيد من التفوق والانجازات في مختلف الميادين لهم منا كل الود والتقدير والمزيد من الألفة والمحبة والبناء،والأزدهار