بعد أكثر من 15 عاماً ظل الوضع الأمني هاجس جميع المواطنين العراقيين بجميع مكوناتهم دون أي تمييز قومي أو عرقي أو ديني وحتى طائفي، وقضية الأمن والاستقرار أصبحت بعد سقوط النظام الدكتاتوري قضية معقدة حيث كانت ضحاياها بعشرات الالاف من الطبقات والفئات الكادحة والفقيرة وأصحاب الدخل المحدود إضافة إلى منتسبي القوات الأمنية من شرطة اتحادية وجيش وغيرهم، ويتبادر للذهن استفسارات ملحة
ــــ كيف يمكن تفسير ما يحدث من خرق وعدم استقرار أمني أمام هذا الكم من الأجهزة الأمنية المتعددة وأسلحتها المتطورة ؟
ــــ كيف تبقى هذه الفوضى مستمرة في الحكومة والقوى الإرهابية والميليشيات الطائفية المسلحة تسرح وتمرح مثلما ترغب وتريد ؟
ــــ كيف استشرى ومازال هذا الفساد الذي عم أكثرية مرافق الدولة بدون إجراءات قانونية صارمة وتنفيذ عاجل بدون المحسوبية والحزبية والطائفية، وبدون متابعة عمليات السرقة*؟.
للعلم هناك الكثير من الوقائع والأمثلة لا نستطيع عدها أو ذكرها كلها، ونُسيقُ فقط مثالاً عاماً حينما صرح مدير ناحية أبى صيدا في محافظة ديالى ” حارث الربيعي” يوم الأربعاء بتاريخ 23 / 1 / 2019 إن “معظم قرى جنوب الناحية تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي في الوقت الحاضر” وأشار الربيعي إلى أسماء المناطق حينما أكد أن”قرى المخيسة وأبو خنازير وشيخي وجلبي ما زالت مأوى للإرهابيين من عناصر تنظيم داعش ولا سيطرة للقوات الأمنية في المناطق المذكورة” كما نلاحظ أن هناك مناطق وقصبات أخرى تحت سيطرة وهيمنة البعض من الميليشيات الطائفية وغيرها، وهذه الحالة ليس فقط في محافظة ديالى بل في العاصمة بغداد بالذات، إضافة إلى محافظات الجنوب أو الغربية منها، هذا المثال الملموس يعبر عن حالة عامة وليس حصراً في منطقة واحدة فحسب بل العديد من المناطق وهي معروفة ولم تعد سراً مخفياً، وهنا نقول للجميع
ــــ الم يحن الوقت للوقوف صفاً واحداً ضد آلات الموت والحصاد البشري؟ ــــ الم يحن الوقت لفضح هؤلاء المتسترين بالدين والوطنية والطائفية؟.
فمنذ العهد الأول لقيام الدولة العراقية الحديثة أبان القرن العشرين مروراَ بالعصر الجمهوري وبالذات بعد انقلاب 8 شباط 1963 الدموي استمر الحصاد البشري للمواطنين العراقيين والمعارضة الوطنية والتقدمية العراقية، هذه السلسلة التاريخية من الاضطهاد والتعسف والإرهاب والقتل لازمت تقريباً كل الأنظمة السياسية التي مرت على العراق بدون استثناء إلا اللهم الشهور الأولى بعد ثورة 14 تموز 1958 ، فكان آلاف الضحايا هم من أبناء الشعب العراقي وفي مقدمتهم الوطنيين والديمقراطيين والشيوعيين العراقيين، ولن نسهب في الحديث عن الفترة المظلمة وحروبها العدوانية التي جاءت بعد انقلاب 17 تموز 1968 ،الانقلاب الثاني لحزب البعث العراقي ، وذكر التاريخ تلك الجرائم الفظيعة التي كانت دليل ثابت على السياسة الإرهابية والتوجهات لاستعمال العنف والاضطهاد بشكل مفرط من قبل مؤسسات أمنية وحزبية استخدمت جميع الطرق للاضطهاد والإرهاب ضد أية معارضة حتى لو كانت لفظية.
كان الاحتلال وسقوط الدكتاتورية أمر مسلم به بسبب
أولاً: طابع الحكم الشمولي الاستبدادي العدواني وانفضاض أكثرية الجماهير منه.
ثانياً: سوء فهم المعادلة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وثم ظهور القطب الواحد الولايات المتحدة الأمريكية التي تحكمت وما زالت تتحكم في الوضع الدولي؟
وما كادت السلطة بعد السقوط أن تقع بين أيدي أحزاب الإسلام السياسي وبخاصة الشيعي حتى بدأ العمل بالمحاصصة الطائفية والحزبية والاعتماد على تشكيل مافيات ومنظمات طائفية مسلحة، إضافة لوجود البعض منها سابقاً وبرعاية دولية، والبعض منها أعلن بشكل صريح تبعيته للنظام الإيراني، وحسب ما نشر تقرير من قبل كالة “كلكامش برس”* وكذبته وزارة الداخلية العراقية (و نشرته جريدة طريق الشعب في 27/1/2019 أن “هذه المعلومات عارية تماما عن الصحة لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل البيانات بشكل خارجي”*.. وذكر التقرير المنشور في وكالة كلكامش نيوز ” قيام كتائب حزب الله في العراق تسريب بيانات البطاقة الوطنية الموحدة ل( 9 ملايين عراقي) إلى إيران ويشير التقرير أن هذا الخرق يشير إلى “مخطط جديد لإخضاع العراقيين لسلطة إيران ” ونضيف أن هناك البعض من الفصائل المسلحة تعتبر نفسها إيرانية حسب تصريحات قادتها وتصرفاتهم كما ذكر التقرير” ويستهدف هذا التوجه المجتمع العراقي لتجنيد العراقيين لخدمة مصالح إيران”.
. فضلاً عن ظهور منظمة القاعدة الإرهابية ثم داعش بشكل ملموس،وأيقن أكثرية المواطنين مدى تحكم الميليشيات الطائفية المسلحة بحياتهم والهيمنة على الشارع وتقاسم ليس المدن والمحافظات فحسب بل حتى المناطق داخل المدن فضلاً عن المجوعات الإرهابية ومافيا القتل والخطف، حتى بات الأمر وكأن ما يحيط بهم عبارة عن قوى منظمة ومسلحة تستعمل آليات نقل حكومية تمثل الدولة بدلاً من المؤسسات الأمنية مثل الجيش والشرطة ، أكثرية القوى المتنفذة وغيرها بدأت تتطاحن في بداية الأمر بشكل مخفي لوجود خلافات المصالح، وبقت الخلافات مستترة بعض الشيء لكنها سرعان ما بدأت تظهر في هذا المكان أو ذلك أو هذه المدينة أو تلك في بعض الأحيان تصل الخلافات إلى استخدام السلاح لكن سرعان ما تتدخل بعض القوى المتنفذة لإيقاف هذه التداعيات والعمل من اجل تخفيف الاحتقان وعدم استعمال السلاح، في هذا الصدد فقد تابعنا العديد من الحوادث التي استخدم فيها السلاح والاقتتال فتارة تحت حجج الخلافات العشائرية وأخرى حول المصالح والهيمنة على بعض المناطق بينما نجد الاعتداءات على القوى الأمنية التي تحافظ على النظام أو الاعتداءات والاغتيالات ضد المرافق الصحية من مستشفيات ومستوصفات وعلى الأطباء والعاملين في هذا المجال، ونالت شرطة المرور القسط غير القليل من اعتداءات وتجاوزات من قبل منتسبي الميليشيات أو جهات تابعة للحمايات ثم استمرار الاغتيالات ضد النساء العاملات في مجالات الصحة الجمالية أو في مجال عملهن النسائي، كما هناك العديد من الاتهامات والاعترافات بوجود اتوات مادية تفرض على الأطباء والتجار والأغنياء أو غيرهم للحفاظ على حياتهم أو حمايتهم من مافيات أخرى تعمل بأسماء دينية وطائفية وانضم البعض منها للحشد الشعبي كغطاء لتحركاته وجرائمه بما فيها تأجيج الطائفية وخلق الفتن واستمرار الفوضى، إلا أن سكوت البعض من القوى المتنفذة صاحبة القرار أدى إلى تسويف كل الأدلة والبراهين وعمل المستحيل للتغطية والتمويه إلى جانب سعيها ممارسة ضغوطات متنوعة لكي يبقى النهج الطائفي سائداً في العملية السياسية..
على ما يظهر أن الخلافات والتشنجات والاحتقانات لم تعد محصورة وأخذت تتسع بشكل يهدد أمن المواطنين وينذر بصراع مسلح واسع النطاق لا تحمد عقباه، وخلال الأيام السابقة وضع المواطنين أيديهم على قلوبهم بسبب الصراع بين تنظيمين متنفذين يملكان قوى بشرية كبيرة وأسلحة متطورة ومتنوعة وقد اشتدت الخلافات واحتدمت الحرب الكلامية بين عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي وتيار الحكمة بقيادة عمار الحكيم وأثناء ذلك كل واحدة على حدة قامت بدعوات علنية لأنصارهم بالاحتشاد والنزول إلى الشارع يوم السبت 12 / 1 / 2019 وطالبت عصائب الحق جمهورها بالتجمع والتظاهر يوم السبت عصرا أمام مقر تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم والذي تعتبر منطقة الجادرية مكان نفوذه وسيطرته” وبالمقابل فقد أعلن أحمد سالم الساعدي، الذي يدير قناة الفرات، “عن انطلاق تظاهرة حاشدة في ساحة الحسنين ببغداد تشارك فيها الجماهير” كما وجه عضو المكتب التنفيذي لحركة الحكمة الساعدي انتقاداً لقيس الخزعلي بالقول ” من بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة.واتهامكم الشخصي لتيار الحكمة الذي أطلقه الخزعلي من على موقع التواصل الاجتماعي الأمريكي “تويتر”، وتطاول قناتكم التي خانت عهدا كان مقطوعا يعد استهدافا ممنهجا فجاً ظالما وسافرا لمشروعنا وقياداتنا “، الحرب الكلامية والتهديدات المستمرة بين الطرفين دفعت المشكلة إلى أمام، حيث كانت الأصابع على الزناد وأي تطور أو خطأ كان بالامكان أن يحرق الأخضر واليابس، لكن الأمور سارت بشكل آخر بعدما تدخلت أطراف متنفذة وأخرى من قيادة الحشد الشعبي، وكالعادة فقد خفف الاحتقان وتأجل إطلاق الرصاص لحين تأتي الفرصة وهي باعتقادنا لن تتأخر إذا لم تحل قضية السلاح والميليشيات المستقلة عن المؤسسة الأمنية الحكومية وسيدفع المواطنين الأبرياء ثمناً من حياتهم وحياة عائلات ومن معيشتهم.
هذه هي حياة الشعب العراقي ومأساته التي تصاحبه بسبب المحاصصة الطائفية والفساد ولعل ما ذكر حول الفصائل المسلحة هو عبارة عن القليل من الواقع وهي تطالب ” بأجور حماية وإتاوات من أصحاب أعمال تجارية صغيرة وكبيرة”و بخاصة بعد تحرير المدن الغربية من داعش الإرهاب، ونتيجة السياسة الاستحواذ وهيمنة البعض من الفصائل المسلحة في الحشد الشعبي وعدم السماح لعائلات نازحة بالعودة إلى ديارهم ومدنهم إلا وفق سياسة هذه الفصائل وظهور استياء شعبي في المدن والمناطق التي تحررت من داعش الإرهاب وهذا الاستياء في بدايته عبارة عن شرارة قد تتحول إلى لهيب مستعراذا لم يجر إيجاد الحلول الصحيحة وإحلال الشرطة الاتحادية والجيش بدلاً من الفصائل الشيعية المسلحة المنظوية تحت راية الحشد الشعبي، والعمل على تدارك المشاكل وإيجاد الحلول الملموسة وإعادة جميع النازحين بدون استثناء ولا سياسة طائفية، وتعمير المناطق وحل مشاكل الخدمات الصحية والتعليمية والسعي لإيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل ومساعدة العائلات المتضررة وتقديم الدعم المادي والمعونات العينية، إضافة إلى إتباع سياسة وطنية وجعل المواطنة هي المعيار للتعامل مع جميع مكونات الشعب بجانب الحذر والتدقيق بعدم عودة داعش أو أية منظمة إرهابية واستغلال النواقص والأخطاء كما حدث خلال عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي أدت تلك السياسة الطائفية لانتشار وتوسع داعش والاستيلاء على المنطقة الغربية وحتى مناطق من العاصمة والإقليم، وليس اعتباطاً ما صرح به هشام الهاشمي عندما قال ” مع استمرار وجود 1.8 مليون نازح من المناطق السنية يعيشون في معسكرات نازحين مكتظة بهم، فإن محاولات الفصائل المسلحة لمنعهم من الرجوع إلى ديارهم تساهم في نشوء تطرف محتمل” وهو قول حكيم وإنذار وطني لا يمكن التقليل من أهميته.. ولكن
ــــ هل من يسمع بما فيهم السادة رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس مجلس النواب الحلبوسي وقادة ومسؤولي الكتل والأحزاب الحريصة وطنياً على إعادة بناء العراق وإنهاء مرحلة المحاصصة والتطرف وجعل السلاح في يد الدولة ؟!
ونبقى ننتظركما في السابق ولكن لا مجيب!!
———-
*ــــ احمد الجبوري النائب عن محافظ نينوى كشف يوم الجمعة 26/1/2019 عبر حسابه في موقع “تويتر” “منذ التحرير ولحد الان، الحكومة الحالية والسابقة تعلم بأن جهات مسلحة نافذة محسوبة على فصائل الحشد الشعبي تسرق يوميا ١٠٠ صهريج من النفط الخام”
* ــــ للعلم كذبت وزارة الداخلية العراقية أن “هذه المعلومات عارية تماما عن الصحة لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل البيانات بشكل خارجي”.. و نشرته جريدة طريق الشعب في 27/1/2019