التفلة، ومرادفها البصاق، لفظة التفلة أكثر انتشارا في الأوساط الشعبية، والبصاق أكثر انتشارا في الأوساط الأكاديمية ونحوها.
بصق، يبصق. بصق الرجل، أي تفل: وهو المخاط أو ريقُ الفَم ونحوه إذا لُفِظَ. أي إذا خرج من الفم بفعل. لذلك قد ترى في بعض الأماكن العامة (وخاصة مدن الشرق) قطعة مكتوب عليها: (ممنوع البصاق)، ولكنك لو دققت النظر جيدا سترى بصاقا على بصاق في نفس ذلك المكان، وهذا يذكرنا بالكتابة على بعض الحيطان والزوايا مكتوب عليها بخط كبير وعادة بالأحمر للأيغال في التحذير: (البول للحمير)، ومع ذلك رائحة النشادر تفوح من المكان ليل نهار، الحلول سهلة وبسيطة لو حركت بلديات المدن عجيزاتها! وطبعا هذا الفعل ومثيله مثل: رمي العلكة، أو قطوف السجائر، ينطوي على مسائل نفسية واجتماعية يجب ألا يستهان بها.
صوت التفلة هو: (تف). دون أخراج شيء من الفم، أو ثلاث مرات: (تف، تف، تف) وهي محاكات صوتية نجدها في مختلف اللغات.
نستخدم هذا الفعل عندما ننهض من النوم مرعوبين وقد شاهدنا للتو حلما مزعجا أو انتابنا كابوس، فنتفل ثلاث مرات عبر الكتف الأيسر، ربمّا لأنه جهة القلب. وما زال البعض يتعاطونها عند ذهابهم الى مكان بعيد، أو الدخول في مكان ما، أو الى دائرة مسؤول ما لجلب الحظ الطيب.
أعتقد أن الكلمة بالأصل سحرية ولهذا نراها تتكرر ثلاث مرات، يقول الكاتب والباحث اللغوي الأستاذ جمشيد أبراهيم:
“… يعتقد بانها دخلت اللغات الاوربية عن طريق اليدية (لغة يهود اوربا خاصة في المانيا وروسيا) – كانت التفلة او البصق ثلاث مرات عبر الكتف تستعمل خاصة من قبل ممثلي المسرح لتمني حسن الحظ ومن هنا جاءت الكلمة الالمانية toi, toi, toi لتعني اتمنى حسن الحظ”.
توجد كلمة (تف) ايضا في مختلف اللغات الشرقية، ولكنها تستعمل للاحتقار والسبّ، وهي أول ما يبادر اليها الشرقي عند السبّ والشتم، ولا يكتفي بها بل يعقبها بـ (عليك وعلى…).
يؤكد الأستاذ جمشيد أيضا:
“البصق أو التفل يعني اخراج كميات صغيرة مبعثرة من اللعاب لتكتسب بعدها معنى رائحة كريهة كما كانت توصف بصورة خاصة المرأة (تفلت) اي بدى منها رائحة كريهة لأنها اهملت نفسها وظهرت بدون عطر”.
يقول كاتب المقال مراد سليمان علو، طرح الأستاذ جمشيد غريب بعض الشيء لدى الرجل الشرقي، وخاصة العربي فهو يستشهد بأغنية (رباعيات الخيام) بصوت أم كلثوم وهي تشدو: أطفئ لَظى القلب بشهد الرّضاب، وما شهد الرضاب حسب الأستاذ جمشيد الا تفلا.
ولا أدري ما هو رأي الأستاذ جمشيد بفلم (أبي فوق الشجرة) المليء بالقبل، ناهيك عن بعض الأفلام الفرنسية التي تكون القبل فيها كزخات المطر.
تطو دور المصطلح من كونه كلمة سحرية لها وقع معين، الى مصطلح يحتوي على الكثير من المزاح والدعابة، فقد يجيبك صديقك المقرب جوابا على اقتراح ما لك قائلا: أنت، تف، تف، تفتهم. وفي الحالين تكون قد فهمت القصد.
في اللغة العربية أضيف اللام الى (تف) فأصبح (تفل) فعل ثلاثي. أما نحن في الكرمانجية الشنكالية، وفي قريتنا حين كنا صغارا، كنا نضيف، وما نزال الياء والكاف الى (تف) فتصبح: تفيك، بسكون جميع الأحرف. وتخرج من فم الطفل الغاضب وكأنها ستلتصق بالمقابل. وكما قلت لا يكتفي الطفل بذلك بل يقول بعدها: (لك، ولجميع من هم دارجين من أسماء في بطاقتكم التموينية).
وعلى ذكر التفلة. كانت ممنوعة على الأيزيدي وحرمة عليه، ولكن هناك تفلة بعض رجال الدين عندنا مع الأسف التي يعتبرها البعض مقدسة، تستخدم لتطبيب المحموم والمريض، وقد يوهم بها بعض رجال الدين الدجالين بأن تفلتهم تخثر الحليب وتحيله الى لبن رائب، وحين يفعل هذا تقوم الولائم وتذبح الذبائح وتهلهل النسوة ويصيح الرجال (هولا، هولا). ولا يعلمون أن لعاب الفم يحتوي على بكتريا نافعة، وعند أضافتها الى حليب دافئ تجد هذه البكتريا بيئة آمنة فتتكاثر ويتحول الحليب الى لبن، وليس في الأمر أية معجزة، ولا هم يحزنون.
هذا الفعل ليس فقط عند بعض رجال الدين الأيزيديين، بل نجده عند بعض رجال الدين المسلمين أيضا، يخدعون بها الناس منذ مئات السنين.