كاتب فلسطيني
أعلنت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في فترة رئاسته الأولى ، في 28 كانون الثاني/ يناير 2020، تفاصيل «صفقة القرن» في إطار خطة ترامب لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بعد ثلاث سنوات من الحديث الغامض عن مضمون هذه الصفقة، التي تطرح رؤية ترامب لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي تحت عنوان: «السلام من أجل الازدهار».
ربما ترامب يقصد أن صفقته قد أقرت حق التعويض دون حق العودة، لكي ينعم اللاجئون بهذا الخير الوفير، عوضاً عن العون والمساعدة المحدودة التي تقدمها الاونروا للاجئين الفلسطينيين، فيحاول تعطيل دورها أو شطبها من خلال اتهامها بالفساد، واتهام بعض موظفيها بالإرهاب، ووقف التمويل الأميركي للوكالة، تمهيداً لإلغاء دورها السياسي كشاهد على نكبة الشعب الفلسطيني، ودورها الهام في تأكيد الحقوق الثابتة للاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الديار التي أخرجوا منها العام 1948، وفق القرار 194الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948.
تؤكد خطة ترامب أنه لن يكون هناك أي حق في العودة، ولا استيعاب لأي لاجئ فلسطيني في دولة إسرائيل، وأن توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية ينبغي أن يتضمن إنهاء أي مزاعم تاريخية أو حقوقية للفلسطينيين، مثل «حق العودة».
تتفق خطة صفقة القرن مع ادعاء صهيوني يعتبر أن ثمة مشكلة لجوء يهودية تقابل قضية اللجوء الفلسطينية، وتضع الحلول على أساس واحدة بواحدة، في مساومة للتبادل، المال مقابل رطل من اللحم البشري الحي، يظهر تاجر البندقية شطارته وحقده ولؤمه في هذه المساومة، حسب صفقة ترامب تتمثل المشكلة في اليهود الذين طردوا من الدول العربية بعد وقت قصير من إقامة دولة إسرائيل، وبأنهم يستحقون حلاً منصفاً ينبغي أن يتم تطبيقه في إطار آلية دولية مناسبة منفصلة عن اتفاقية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية. السؤال الذي يخطر على البال، هل كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين غافلة عن مشكلة لجوء يهودي؟.
هجرة اليهود من البلدان العربية تأتي في إطار هجرة يهودية شاملة ممنهجة من كل أنحاء العالم إلى فلسطين ضمن مشروع واضح عبّر عنه وعد بلفور المشؤوم إقامة وطن قومي لليهود، ولا قصة للجوء يهودي نتيجة طرد، على العكس الدول العربية فرضت حظراً على مغادرة اليهود، كما كان الحال في الاتحاد السوفيتي قبل تفككه، ولما فُتحت لهم أبواب الهجرة غادروا طوعاً، وكشفت أحداث دور المخابرات الإسرائيلية – كـ«فضيحة لافون» في مصر – في اصطناع عداء مختلق بين اليهود وباقي الطوائف، وإشاعة احتمال تعرضهم لكارثة إبادة لدفعهم إلى الهجرة.
وما دام يعتمد الدبلوماسية القسرية، لماذا لم يفرض ترامب في صفقته مفهومه الخاص للجوء أن يهود أوروبا أيضاً لاجئون في فلسطين؟. وليسوا مهاجرين تركوا ديارهم بإرادتهم ارتباطاً بمشروع صهيوني استعماري، تنكروا لقوميتهم الأصلية، وغادروها بحثاً عن قومية مصطنعة اختلقتها الحركة الصهيونية، ليقيموا كياناً على حساب شعب طرد من أرضه تحت تهديد السلاح.
«53» قرية هدمتها إسرائيل، وطردت أهلها منها، ثم ادعت أن أهالي هذه القرى هم الذين غادروها، فما هي القرى اليهودية التي دمرها الفلسطينيون وأوجدت مشكلة لجوء يهودي؟. ثمة فوارق بين لجوء ولجوء، ما تسميه صفقة ترامب مشكلة لجوء لليهود العرب هو هجرة طوعية، لم تحدث في البلدان العربية مجزرة واحدة كالتي حصل العديد منها بحق الفلسطينيين، هل طرد الفلسطينيون يهودياً واحداً من دولة عربية ما؟. لا أحد يستطيع القول إن الفلسطينيين الذين لجأوا إلى الدول العربية تركوا بيوت اليهود المهجورة لرحيل أصحابها، وذهبوا ليقموا في الخيام التي غصت باللاجئين حتى أن خيمة واحدة شاركها أكثر من عائلة. خلال شهر أيار من العام 1948 فقط كان نحو مليون فلسطيني دفعة واحدة خارج ديارهم مشردين، بينما الهجرة اليهودية إلى فلسطين من دول العالم ومن الدول العربية استمرت وبشكل متواصل نحو نصف قرن من الزمان قبل حرب 1948، لأكثر من ثلاث أرباع القرن بعدها، ولشهور خلالها، هل في التاريخ مشكلة لجوء دامت كل هذه المدة وبهذا الشكل؟. مع ملاحظة أن معظم اليهود المقيمين فيما يسمى إسرائيل هم من اليهود الأوربيين وليس العرب، ثم إن حقوق اللاجئ هي في العودة إلى المكان الذي أخرج منه، وليس الإقامة على أرض انتزعت من أصحابها بالعنف والإرهاب، اتجه اليهود إلى فلسطين تحديداً بقصد استعمارها وطرد سكانها، بينما تشرد الفلسطينيون، وتحولوا إلى شتات في عدة دول مختلفة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، عانى فيها اللاجئون من حالة الضعف التي تسببها عدم الانتماء إلى وطن، أو كما يقال له «STATELESS»، اللاجئ غير محسوب كمواطن له الحقوق التي يتمتع بها سكان بلد اللجوء.
ترى هل عاش اليهود في مخيمات البؤس وخيام لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء؟. هل عاشوا في عوز وفقر بعد أن دمرت حياتهم ونسفت قراهم ودمرت بيوتهم وتقطعت بهم سبل العيش؟. هذه حارات اليهود وبعض بيوتهم فيها التي تركوها طوعاً، ليعودوا إليها، ونعود نحن إلى بيوتنا وبيوت آبائنا وأجدادنا، بكل البساطة التي تتم فيها استقبال المهاجر اليهودي بمنحه الجنسية الإسرائيلية خلال يوم واحد فقط، وتأمين فرصة عمل، ومبلغ من المال وبيت في مستوطنة، وقد يمنح بيت كان صاحبه لاجئ فلسطيني غادره تحت تهديد السلاح وتم الاستيلاء عليه ووفق قانون أملاك الغائبين.
في هذا الموضوع إن من يعرّف اللاجئ ويميزه عن غير اللاجئ هو الأمم المتحدة وليس ترامب، عرَّفت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» اللاجئ الفلسطيني هو الشخص الذي كان يقيم في فلسطين الانتدابية خلال الفترة من أول يونيو/ حزيران 1946 حتى 15 مايو/ أيار 1948 والذي فقد بيته ومورد رزقه نتيجة للصراع العربي -الإسرائيلي في حرب 1948، وكذلك أبنائهم وأحفادهم من نسبهم الأبوي. وعليه فإن اللاجئين الفلسطينيين الذين يحق لهم تلقي المساعدات من الأونروا هم الذين ينطبق عليهم هذا التعريف.
تعريف الأونروا ثابت لا يتغير وفق مزاج أو مصالح ترامب التجارية، اللاجئ سيبقى لاجئ إلى أن يعود إلى داره التي هجر منها، وحق العودة كذلك مثبت في القانون الدولي وفق قرار الأمم المتحدة 194، يتم تجديد إقراره في كل عام من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ما الحدث الذي أملى على لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ الأمريكي لتوافق اعتباراً من أيار 2012، على تعريف جديد للاجئ الفلسطيني ليشمل فقط لاجئي فلسطين الأصليين الذين نزحوا فعلياً بين حزيران 1946 وأيار 1948، مما أدى إلى خفض عددهم إلى نحو 30000 لاجئ. في الحقيقة هذه محاولة لإلغاء حق العودة وهو جوهر القضية الفلسطينية.
خطة صفقة القرن الغبية تؤكد أن الإخوة العربية تفرض أن يتحمل العرب المسؤولية الأخلاقية عن إدماج اللاجئين في بلادهم، كما دمجت إسرائيل اللاجئين اليهود، إذا كان هذا من هذا، فإن دمج «اللاجئين اليهود» في مجتمع يهودي عنصري، كمن يقول دمج الألمان في مجتمعهم الألماني، الدمج بهذه الصورة هي تأهيل أو هي عصرنة اليهود الشرقيين ليتلاءموا مع نمط الحياة الحديثة التي جلبها معهم يهود أوروبا وفرضت نفسها في الكيان المصطنع. ولعلنا بعد هذا نتساءل عن المسؤولية الأخلاقية للأمريكان والإسرائيليين والبريطانيين، في انكار الحقوق ورفض إعادتها إلى أصحابها تحت ما يسمونه إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني.
تطالب صفقة ترامب الدول العربية باسم الإخوة العربية أن تدمج اللاجئين الفلسطينيين في مجتمعاتها، لبنان بالتأكيد لن يوافق، بذريعة الإخلال بالتوازن الطائفي، وقبل ذلك الفلسطينيون في لبنان لن يوافقوا على التوطين، وهذا صار واضحاً ومعروفاً، هل يرمي ترامب فلسطينيّ لبنان في البحر؟. أم يشن عليهم بالتعاون مع إسرائيل حرب إبادة؟. كما هو الحال الآن في غزة، و70% من سكان القطاع من اللاجئين، لاجئو غزة مندمجون تماماً في مجتمعهم لأنه مجتمع فلسطيني بالأصل، لكنهم يطالبون بالعودة إلى بيوتهم وقراهم ومدنهم التي هجروا منها، وكذلك حال اللاجئين في الضفة الغربية، في أي تصنيف يضعهم خطة ترامب؟. حين تقسم خطة صفقة القرن اللاجئين الفلسطينيين إلى قسمين: الأول: اللاجئون المستقرون في أماكن دائمة، هؤلاء لن يسمح لهم بالعودة والتوطين، بما في ذلك الانتقال إلى الدولة الفلسطينية، مع بقاء حق التعويض لهم ضمن آلية دولية خاصة.
القسم الثاني: اللاجئون الفلسطينيون الذين لا يحظون بإقامة دائمة في أي مكان، تعرض الخطة عليهم ثلاثة خيارات، هي:
– أن يتم استيعابهم ضمن الدولة الفلسطينية المقبلة، ولكن ضمن قيود مشددة، مثل ضرورة وجود اتفاق بين إسرائيل والدولة الفلسطينية على معدل حركة اللاجئين من خارج الضفة الغربية وقطاع غزة إلى دولة فلسطين. ويتحدد ذلك بناء على القدرات الاستيعابية الاقتصادية للدولة الفلسطينية، وبما لا يشكل عبئاً على البنى التحتية، ولا يضاعف من التهديدات الأمنية لدولة إسرائيل.
– أن يتم إدماجهم في البلدان المضيفة التي يقيمون بها حالياً، وذلك مرهون بموافقة تلك الدول.
– أن تقبل كل دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بتوطين 5 آلاف لاجئ كل عام على مدى عشر سنوات (بإجمالي 50 ألف لاجئ).
وتشدد الخطة على أنه مع توقيع اتفاقية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية فإن وضعية اللاجئ الفلسطيني سوف تنتهي كصفة قانونية دولية، وبأن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «الأونروا» ستنحل، كما أن الشق الاقتصادي من الخطة سيعمل على استبدال مخيمات اللجوء في الدولة الفلسطينية وتفكيكها لبناء مناطق سكنية جديدة.
يدخل ترامب البيت الأبيض لا كما دخلها في المرة السابقة، يدخله في ظل طوفان الأقصى وتداعياته الإقليمية والدولية، من النواحي كافة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، لذا يتوقع أن يغير ترامب صفقته أو يعدل عليها، فقد تقادمت صفقة القرن، وتحتاج إما إلى تجديد، أو البناء على القديم، ذلك لأن الصفقة تركت آثارها ونتائجها على الحالتين الفلسطينية والعربية، وأهمها الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، والذي يعتبر أحد مسببات معركة طوفان الأقصى، ومن جهة أخرى متابعة خطوات التطبيع التي تعطلت إلى حد ما ليس بسبب الإدارة السابقة التي حرصت على الاستمرار بمحاولات توسيع دائرة التطبيع، بل لأن طوفان الأقصى وجه لها ضربة، وصعّدت من العداء الشعبي للتطبيع.
أما بخصوص قضية اللاجئين فقد أحدث العدوان الإسرائيلي أزمة لاجئين جديدة، يصر نتنياهو على إفراغ شمال قطاع غزة من سكانه بوحشية، ويرفض بشدة عودتهم، وتلح قضيتهم على الضمير الإنساني إجراءات عاجلة لتلبية احتياجات المهجّرين من غذاء ودواء وتأمين المأوى المناسب، فإعادة الإعمار تحتاج لوقت طويل، كيف سيتصرف الرئيس القادم لحل هذه القضايا؟. فهو لا يستطيع علناً، وأمام الرأي العام العالمي، أن يوافق على سياسة نتنياهو العنصرية المتطرفة في الاستمرار بحرب الإبادة في قطاع غزة، حيث نُقل عنه أنه سيعطي نتنياهو وقتاً محدوداً لإنهاء ما بدأه.