الأربعاء, ديسمبر 4, 2024
Homeمقالاتمام شليمون رابما (قائد المئة) : وردا البيلاتي

مام شليمون رابما (قائد المئة) : وردا البيلاتي

وردا البيلاتي

 

تعود معرفتي بالشخصية شليمون صليو مرخايل البيلاتي إلى ما يزيد عن خمسة عقود، حين كان يُعرف بقائد المئة (رابما)، وهي رتبة عسكرية تعادل النقيب في الجيش البريطاني. انضم شليمون إلى الجيش الليفي، الذي أسسته القوات البريطانية في العراق بعد الحرب العالمية الأولى. كان هذا الجيش يتكون في غالبيته من أبناء الأقليات العراقية، وأدى دورًا مهمًا في تعزيز النفوذ البريطاني في المنطقة.

شاءت الصدف أن نلتقي في محل الحلاقة الذي كنت أملكه آنذاك. كان يأتي لقص شعره، ودائمًا ما كان بيننا حديث شيق. ولكنني كنت ألاحظ أحيانًا أنه يتضايق من الذكريات المؤلمة، فأتعمد تأخير الحلاقة لإطالة الحوار.

مام شليمون اين تقيم الأن؟

أجاب بصوت يحمل حزنًا دفينًا:

“كنا نعيش مع ابني يوخنا، ولكن بعد رحيله المفاجئ، أصبحنا أنا وزوجتي نهتم برعاية حفيدتي الوحيدة. مرضت والدتها وتوفيت بعد عام، تاركة عبء المسؤولية على عاتقنا. لم يكن لدينا أي مصدر دخل، لكن الهيئة الإدارية للنادي الآثوري وقفت إلى جانبنا. وفرت لي عملاً بسيطًا كشغيل، وبنت لنا غرفة صغيرة لنعيش فيها، مع تقديم دعم كامل لعائلتنا. كان موقفهم نبيلًا وإنسانيًا إلى أبعد الحدود”.

سألته مستغربًا: “ألم يكن لك راتب تقاعدي؟”

صمت طويلًا قبل أن ينظر إليّ بنظرة عميقة وقال: “ابني وردا، في شبابي انضممت إلى صفوف الجيش الليفي الذي أسسته بريطانيا. تدرجتُ إلى رتبة رابما (نقيب). بعد حل الجيش الليفي في 2 ايار 1955، تسرحت من الخدمة. منحوني بندقية وشهادة تؤكد رتبتي وسنوات خدمتي. سألت القائد العسكري حينها: “ماذا أفعل بهذه الوثيقة؟” ابتسم وقال: ‘لقد خدمتَ التاج البريطاني، هذه الوثيقة ستفتح لك أبوابًا كثيرة”

رجعت إلى كركوك وقدمت أوراقي لإدارة شركة النفط. استقبلني المدير استقبالاً حارًا، وعندما قدّمت الوثيقة، وقف مستعدًا وأدى التحية قائلاً: “تفضل، سيدي النقيب، اجلس على مقعدي”. “كان استقباله مذهلًا. بعد ضيافة كريمة، تحدث عن تأسيس قسم خاص ليكون تعييني كمدير فيه. طلب مني الانتظار أسبوعًا لاستكمال الإجراءات”

سألته: “وهل قبلت العرض؟”

ضحك بمرارة وقال: “لا، وردا. العقل الشرقي ، لا يصبر ، لا ينتظر . قلت لنفسي، كيف أنتظر أسبوعًا؟ غلقت الباب بقوة ورحلت. عدتُ إلى سهل نهلة حيث أملك أرضًا وأعيش مع أخي وقبيلتي.

ثم أضاف بصوت متحشرج: ” ولا زالت تلك اللحظة تؤلمني. لم أدرك حجم الفرصة التي ضيعتها، ولم أستمع لتوسلات المدير.

اليوم، أدفع ثمن قراراتي. بعد عودتي إلى القرية، تذكرت كلام المدير البريطاني. لا مدارس، لا كهرباء، الطبخ على الحطب. أصيبت زوجتي بمرض العيون بسبب الدخان. اختلفت مع أخي وقطعت علاقتي به. وبعد وفاته، عندما جاء الأقرباء للتعزية، قلت لهم: ‘لا أستقبل أحدًا. ما الفائدة بعد موته؟”

في ذلك اليوم، شعرت أنني أمام رجل يحمل أثقال عقود من القرارات والألم. قصة مام شليمون ليست مجرد حكاية شخصية، بل هي انعكاس لصراع الإنسان مع نفسه، بين الوفاء للتقاليد والطموح للعيش الأفضل. وبين هذا وذاك، تبقى آثار الماضي جرحًا لا يندمل.21

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular