مستعمرة الجذام
…………
التوتر العالي التي تعيشه المنطقة او الظروف الصعبة التي تمر بها او الخطر الصهيوني او الاستعماري او الامبريالي (سمه ما شئت) و الذي يهدد الوجود العربي من اكبر راس الى اصغر راس في جميع ارجائها.
العرب يعزونه الى وجود اسرائيل و اسرائيل تعزوه الى الاستعدادات العربية لإزالتها من الوجود و أمريكا تعزوه الى رغبة روسيا في الهيمنة على المنطقة أوروبا تعزوه الى التواجد الفلسطيني على ارض لبنان و الفلسطينيون يعزونه الى طردهم من لبنان و الأمم المتحدة تعزوها الى عدم التحلي بالصبر و ضبط النفس و مصر تعزيه الى تجميد اتفاقيات كامل ديفيد و مفاوضات الحكم الذاتي. وايران تعزيه الى حرب الخليج والدول الثورية تعزوه الى عدم التمسك بأهداف الجماهير
و الدول المحافظة تعزوه الى عدم التمسك بحبال الإسلام والاقتصاديون يعزونه الى الفائض النفطي والخبراء يعزونه الى أطماع اسرائيل التاريخية في المياه العربية و العسكريون يعزونه الى زيادة التسلح في المنطقة و الغربيون يعزونه الى صواريخ “سام6” و الشرقيون الى “اف 16” و الأقمار الاصطناعية تعزوه الى إلى تزايد الاساطيل الأجنبية في المنطقة
وقد يذهب البعض و يلف و يدور ليصل الى تلوث البيئة و الغواصات في أعماق البحار و القمر و الزهرة و عطارد في أعماق الفضاء لطمس السبب الحقيقي و التاريخي الا وهو الإرهاب العربي و انعدام حرية الراي و التعبير في المنطقة
و لذلك فكل هذه الاتصالات و المشاورات التي تجري هنا و هناك و هذه الحيرة التي تعم العواصم العربية و الأجنبية حول هذه القضايا الأكثر الحاحاً للبدء بحلها ،قضية الجنوب ، قضية الجبل، وهل القضية البنانية مرتبطة بحل قضية الشرق الأوسط اولاً ام ان حل قضية الشرق الأوسط مرتبطة بحل القضية اللبنانية، لا تثير في النفس الا الاسى و الحزن لأن العرب يعرفون و أمريكا تعرف و روسيا تعرف و جزر القمر تعرف و اسرائيل اول العارفين انه لا يمكن حل لا ازمة الجنوب و لا ازمة الشمال و لا ازمة المقاومة و لا ازمة المستوطنات و لا ازمة الحكم الذاتي و لا ازمة الحرب العراقية الإيرانية و لا حتى ازمة بقعة الزيت الطافية في بحار الخليج قبل حل ازمة الانسان العربي مع السلطة و انهاء احكام المقاطعة العربية المطبقة عليه بنجاح منذ عام 1948 قبل الميلاد حتى الان.
اليس من العار بعد كل هذا التطور العلمي و الحضاري الذي حققته البشرية و بعد مئات الجامعات و الاف المدارس التربوية و الفنية و الأدبية و المسرحية و الفندقية التي تغطي ارض الوطن العربي ان تظل لغة الحوار الوحيدة بين السلطة و المواطن هي الرفس و اللبط و شد الشعر؟
ترى لو ان إسرائيل منذ نشأتها و زرعها في قلب الوطن العربي بدأت بكم الافواه و بناء السجون و تجويع العمال و سرقة الفلاحين و كلما احتج طبيب اعتقلته او ارتفع صوت اخرسته ثم انصرفت الى الاصطياف و الاستجمام و تنقيط الراقصات في ربوع اوروبا…هل كانت تحتل الضفة الغربية و سيناء و الجولان و تدمر المفاعل النووي العراقي و تعزل مصر و تجتاح لبنان و تتطلع الى الهند و باكستان؟
من تنشق زهرة برية او طارد فراشة او سمع سعال عصفور عند الفجر منذ سنوات؟
من تامل القمر او الغروب او شرب الماء براحتيه من ساقية منذ قرون؟
من سمع ضحكة عربية من القلب منذ بدء التاريخ؟
لا شيء غير القتل و النهب و سفك الدماء، لا احد يفكر ان هناك طفولة يجب ان تنمو، شفاها يجب ان تقبل
عيونا يجب ان تتلاقى، اصابع يجب ان تتشابك ، خصوراً يجب ان تطّوق بغير القنابل و المدي و المتفجرات
أيها العرب، استحلفكم بما تبقى في هذه الامة من طفولة و حب و صداقة و أشجار و طيور و سحب و انهار و فراشات
استحلفكم بتحية اعلامها عند الصباح و إطراقة جبينها عند المساء، لقد جربتم الإرهاب سنين و قروناً طويلة وها انتم ترون الى اين اودى بشعوبكم.
جربوا الحرية يوما واحدا لتروا كم هي شعوبكم كبيرة و كم هي إسرائيل صغيرة.
………………………… …….
التالية (18) أنا الحاوي
عبد الرضا حمد جاسم
من كتاب سأخون بلدي لمحمد الماغوط