الخميس, ديسمبر 19, 2024
Homeاراءبعض النخب الكردية وعقدة الإيزيدية : د. سعيد بير مراد

بعض النخب الكردية وعقدة الإيزيدية : د. سعيد بير مراد

في خضم التطورات الاجتماعية والسياسية، برزت خلال السنوات الأخيرة نقاشات حادة حول العلاقات بين الأكراد والإيزيديين، خاصة مع تزايد حدة الخطاب الذي ظهر في بعض وسائل التواصل الاجتماعي. آخر تلك الأمثلة كان التسريب الصوتي للناشط الحقوقي مكي أميدي وامرأة كردية أخرى، حيث تحدثا بلغة مليئة بالكراهية والازدراء تجاه الإيزيديين، الأمر الذي كشف عن ظاهرة أعمق تعكس موقف بعض النخب الكردية تجاه الإيزيدية وتاريخهم.

الإيزيدية ضحايا التاريخ والصراعات

إن الإيزيديين، رغم كونهم مكوّنًا أصيلًا من المجتمع الكردي الأوسع، قد تعرضوا عبر التاريخ لمآسٍ واضطهادات لا تعد ولا تحصى. كانت تلك الاضطهادات جزءًا من حملات الفرمانات التي قادتها الإمبراطوريات والحكومات المتعاقبة من العرب، والأتراك، والفرس، والتي دفعت معظم الأكراد نحو اعتناق الإسلام تحت حد السيف. أما ما تبقى من الإيزيديين، فقد أصبحوا ضحية للاتهامات والشبهات التي ألقيت عليهم من قبل بعض الأكراد، نتيجة لعقد نفسية متجذرة في تاريخ المنطقة.

ما يزيد من مأساوية الوضع أن 70% من حملات الإبادة الجماعية التي تعرض لها الإيزيديون كانت بقيادة بعض من الأكراد، رغم أنهم أبناء شعب واحد، تجمعهم روابط الدم والجغرافيا والتاريخ. ومع ذلك، لم يكن الإيزيديون يومًا حاقدين على الأكراد كشعب، بل وقفوا معهم في جميع محطات النضال القومي والحركات التحررية سواء في العراق أو تركيا.

جذور العقدة النفسية

هذه العقدة النفسية التي يحملها البعض تجاه الإيزيديين تعود إلى قرون مضت، حين تحول الكثير من الأكراد إلى الإسلام عن طريق العنف والقوة، ضمن سياسات طمس الهويات والديانات القديمة. وبما أن الإيزيدية صمدوا أمام حملات الإبادة وتمسكوا بدينهم وثقافتهم، باتوا يُنظر إليهم من قبل بعض النخب كرمز لـ”الماضي الذي يريد البعض نسيانه”.

هذا التصور الخاطئ يغذيه خطاب تحريضي يجعل من الإيزيديين “أعداءً” وهميين، في حين أن العدو الحقيقي هو التخلف الفكري، التعصب الديني، والجهل المتفشي الذي يجعل المجتمع عرضة للاستغلال من قبل القوى الخارجية والأجندات السياسية. إن الكراهية التي يكنّها البعض للإيزيديين تعكس أزمة هوية وثقافة أعمق، وتؤكد الحاجة إلى مراجعة تاريخية وفكرية لوقف هذا الانحدار نحو الانقسام والكراهية.

الإيزيديون والكفاءة رغم الظلم

ورغم المعاناة التي مر بها الإيزيديون، إلا أنهم استطاعوا أن يحققوا إنجازات كبيرة في مختلف المجالات، وبرزت منهم نخب علمية وثقافية تفوقت على النخب الكردية المسلمة من حيث النسبة إلى عدد السكان. ولكن للأسف، يتم استهداف هذه الكفاءات ومحاربتها من قبل بعض المتعصبين، خوفًا من أن تسطع الحقيقة التي تقول إن الإيزيديين ليسوا “كفارًا” أو “أعداء”، بل هم جزء من النسيج الكردي الأصيل الذي حافظ على إرثه ووجوده رغم كل المحاولات لطمسه.

التسامح والبحث عن العدو الحقيقي

إن مواجهة هذه العقد النفسية تبدأ بالاعتراف بأن الإيزيديين ليسوا مسؤولين عن ماضي الأكراد أو مآسيهم، ولا يمكن تحميلهم وزر تحوّل الأكراد إلى الإسلام قبل مئات السنين. الإيزيديون هم ضحايا كما كان الأكراد ضحايا، وأعداؤهم مشتركون: التخلف الفكري، الاستبداد السياسي، والتطرف الديني.

على الأكراد اليوم، خاصة النخب المثقفة، أن يعوا حقيقة أن استهداف الإيزيديين ومحاربتهم لا يخدم سوى أعداء الشعب الكردي بأكمله. فبدلًا من تسليط الجهد والعداء على هذا المكوّن المسالم، يجب توجيه الأنظار نحو أعداء الهوية الكردية الحقيقيين الذين سعوا عبر التاريخ إلى تفكيكهم واستغلالهم.

الخاتمة: نحو مصالحة مجتمعية حقيقية

إن أي خطاب كراهية أو تحريض ضد الإيزيديين هو انعكاس لأزمة نفسية وثقافية تحتاج إلى علاج. الإيزيديون لم يختاروا مصيرهم، ولم يكونوا يومًا أعداءً لإخوانهم الأكراد، بل كانوا ولا يزالون جزءًا فاعلًا في مجتمعاتهم. على النخب الكردية، بدلاً من إذكاء نار الانقسام، أن تدعو إلى التسامح والتعايش وتعيد بناء الجسور مع الإيزيديين باعتبارهم شركاء في الأرض والتاريخ والمستقبل.

كفى كراهية، وكفى حقدًا، فقد آن الأوان لبناء مجتمع قائم على العدالة والمساواة، حيث يُحترم الجميع بغض النظر عن ديانتهم أو معتقدهم.

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular