يرى مراقبون أن مصير الإدارة الذاتية الكردية في سوريا يكتنفه الغموض بعد سقوط نظام الأسد، ورغم اتفاق وقف إطلاق النار بين الفصائل الموالية لأنقرة ومجلس منبج العسكري التابع لـ”قسد”. فهل يغدر بهم الأعداء ويتخلى عنهم الحلفاء؟
مثلت الاشتباكات التي اندلعت بين الفصائل الموالية لأنقرة ومجلس منبج العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” واحدة من أكبر المشاكل المحتملة التي قد تعرقل الانتقال السلمي في سوريا في مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل وإصابة المئات من الطرفين. وأعلن مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، التوصل إلى هدنة برعاية أمريكية.
وقال في بيان: “هدفنا هو وقف إطلاق النار في كامل الأراضي السورية والدخول في عملية سياسية من أجل مستقبل البلاد“.
وفي بادرة حسن نية، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية قرارها الأسبوع الماضي رفع علم الاستقلال السوري، الذي رفعه السوريون منذ خروجهم في تظاهرات سلمية مناهضة لدمشق في العام 2011، على جميع مقراتها ومؤسساتها، معتبرة أنه “يحق للسوريين الاحتفاء بانتصار إرادتهم في إسقاط هذا النظام الجائر”.
ورغم ذلك، يواجه الأكراد السوريون في الشمال الشرقي ما يمكن اعتباره “أزمة وجود”، بحسب مراقبين.
ماذا يحدث في شمال شرق سوريا؟
تجمد القتال لسنوات؛ إذ كانت ترغب الفصائل المعارضة التي تسيطر على مناطق مختلفة في الشمال في عدم الاشتباك.
بيد أنه خلال الأيام القليلة الماضية، تجدد القتال مرة أخرى. فبعد سقوط نظام الأسد، حاول مقاتلو ما يُعرف بـ “الجيش الوطني السوري” التقدم صوب المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
وتعارض الحكومة التركية تمركز الأكراد على حدودها، حيث تراهم مصدر تهديد في ضوء الصراع الممتد منذ عقود بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني.
ومع تقدم الفصائل المدعومة من تركيا، فقدت قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، بعض مناطق سيطرتها.
يشار إلى أن قوات سوريا الديمقراطية قد خاضت بدعم من التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف أيضا بـ”داعش” بقيادة واشنطن معارك ضارية ضد مسلحي التنظيم في شمال سوريا وشرقها. وتمكنت من إسقاط خلافته المزعومة ودحره من آخر مناطق سيطرته عام 2019
.
ما هي مطالب الأكراد؟
يعتبر الأكراد من إحدى أكبر القوميات التي لا تملك دولة مستقلة. وفي حالة قيام دولة كردية، فسوف تكون في مناطق ذات الأغلبية الكردية في العراق وإيران وسوريا وتركيا.
وقامت حركات كردية تدعو للاستقلال في هذه الدول سواء لنيل الاستقلال أو الحكم الذاتي، فيما حققت بعض النجاحات لا سيما في العراق.
وفي سوريا، وبعد عام من اندلاع الانتفاضة عام 2011، انسحبت قوات النظام السوري من المناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال دون قتال يذكر.
ولم تمر تلك الخطوة مرور الكرام؛ إذ أعرب قادة المعارضة عن رفضهم لمنطق أن يكون الأكراد مستقلين مع التأكيد على ضرورة وحدة سوريا.
تزامن هذا مع إثارة بعض المزاعم التي زعمت – دون سند – أن الأكراد قد “خانوا” الثورة وهدفها الرئيسي المتمثل في إسقاط نظام الأسد عبر الحفاظ على حيادهم في مقابل تحقيق هدف الاستقلال الكردي.
وتسببت مثل هذه المزاعم وعدم انخراط الأكراد في قتال عنيف ضد قوات الأسد، في إثارة توترات بين السوريين العرب من جهة والسوريين الأكراد من جهة أخرى.
ومع اندلاع القتال ضد “داعش”، عمد أكراد سوريا إلى توسيع مناطق سيطرتهم بما في ذلك مناطق ذات أغلبية عربية مثل الرقة ودير الزور، ما أثار احتجاجات من السكان.
يبدو أن قضية استمرار التحالف الأمريكي من بين الأسئلة الملحة في الوقت الراهن خاصة مع عودة الرئيس الامريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى وسط مخاوف أن تقدم الإدارة الامريكية الجديدة على سحب القوات الأمريكية من سوريا بالكامل ما يعني ضمنيا التخلى عن الأكراد.
ويتمركز في الوقت الراهن نحو 900 جندي أمريكي في سوريا.
ماذا بعد؟
يقدر أن حوالي 4.6 مليون شخص يعيشون في منطقة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا التي يسيطر عليها الأكراد وتُعرف بـ “الإدارة الذاتية الديمقراطية” أو “روج آفا” – التسمية الكردية – التي تأسست في يناير/كانون الثاني.
ومنذ تجدد القتال، قدرت الأمم المتحدة نزوح أكثر من مئة ألف شخص من المنطقة جلهم من الأكراد.
وتذخر المناطق التي يسيطر عليها الأكراد بمعظم حقول النفط في سوريا وكانت أيضا منتجا رئيسيا للقمح حيث أطلق عليها اسم “سلة قمح سوريا”.
وفي ضوء ذلك، فإن السيطرة على هذه الحقول سيكون أمرا بالغ الأهمية لحكام سوريا الجدد حيث سيساعد ذلك في تعزيز اقتصاد البلاد المدمر.
ويرى خبراء أن رغبة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا في الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي، يتجاوز أهداف تركيا لإبعاد الأكراد عن الحدود، حيث يتعلق الأمر أيضا بالنفوذ مع تشكيل الحكومة الجديدة.
يُشار إلى أن قوات سوريا الديمقراطية تدير العديد من السجون يقبع داخلها مسلحون سابقون من داعش.
وفي السابق، هدد مقاتلو “قوات سوريا الديمقراطية” بترك هذه السجون دون حراسة إذا تعرضوا لهجوم.
أعده للعربية: محمد فرحان
مسارات الثورة السورية – سقوط نظام بشار الأسد بعد سنوات من سفك الدماء
مع الانهيار المفاجئ لحكم بشار الأسد في سوريا ثم سقوطه يوم الأحد 08/ 12/ 2024 حققت المعارضة السورية أهدافها بعد قرابة 14 عاما، في لحظة حاسمة من حرب أهلية حصدت أرواح مئات الآلاف ونزح بسببها نصف السكان واستقطبت قوى خارجية.
صورة من: Orhan Qereman/REUTERS
2011 – احتجاجات سلمية وقمع
انتشرت الاحتجاجات الأولى سلميا ضد الأسد سريعا في أنحاء البلاد، وواجهتها قوات الأمن بالاعتقالات والرصاص. ثم حمل بعض المتظاهرين السلاح وانشقت وحدات عسكرية بالجيش مع تحول الانتفاضة إلى ثورة مسلحة حظيت بدعم دول غربية وعربية وكذلك تركيا.
صورة من: AP
2012 – تفجير هو الأول من نوعه في دمشق
وقع تفجير بدمشق هو الأول من نوعه نفذته جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الجديد بسوريا والتي اكتسبت قوة وبدأت بسحق جماعات ذات مبادئ قومية. واجتمعت القوى العالمية بجنيف واتفقت على الحاجة لانتقال سياسي لكن انقسمت حول كيفية تحقيق ذلك. الأسد وجه قواته الجوية نحو معاقل المعارضة مع سيطرة المقاتلين على أراضٍ لتتصاعد الحرب مع وقوع مجازر على الجانبين.
صورة من: Reuters
2013 – دعم إيران وحزب الله للأسد واتهام نظامه باستخدام السلاح الكيماوي
ساعد حزب الله اللبناني الأسد على تحقيق النصر في القُصَير ليوقف زخم المعارضة ويظهر الدور المتزايد للجماعة المدعومة من إيران في الصراع. حددت واشنطن استخدام الأسلحة الكيميائية كخط أحمر، لكن هجوما بغاز السارين [كما في الصورة هنا] على الغوطة الشرقية التي سيطرت عليها المعارضة قرب دمشق أودى بحياة عشرات المدنيين دون أن يثير ردا عسكريا أمريكيا.
صورة من: Reuters
2014 – استسلام مقاتلي المعارضة في حمص القديمة
سيطر تنظيم الدولة الإسلامية فجأة على الرقة بالشمال الشرقي وعلى مساحات بسوريا والعراق. استسلم مقاتلو المعارضة [نرى بعضهم في الصورة] بحمص القديمة ووافقوا على المغادرة لمنطقة أخرى بأول هزيمة كبيرة لهم بمنطقة حضرية كبرى وهذا مهد لاتفاقات “إخلاء” بعد ذلك. شكلت واشنطن تحالفا ضد تنظيم الدولة الإسلامية وبدأت بتنفيذ ضربات جوية مما ساعد القوات الكردية على وقف مد التنظيم لكنه تسبب بتوترات مع حليفتها تركيا.
صورة من: Salah Al-Ashkar/AFP/Getty Images
2015 – اكتساب المعارضة أراضيَ في إدلب ودعم روسيا للأسد
بفضل تحسين التعاون والحصول على الأسلحة من الخارج تمكنت الجماعات المعارضة من كسب المزيد من الأراضي والسيطرة على شمال غرب إدلب، لكن بات للمسلحين الإسلاميين دور أكبر. انضمت روسيا إلى الحرب لدعم الأسد بشن غارات جوية حولت دفة الصراع لصالح رئيس النظام السوري لسنوات لاحقة.
صورة من: Reuters/K. Ashawi
2016 – هزيمة المعارضة في حلب على أيدي قوات الأسد وحلفائه
مع قلقها من تقدم الأكراد على الحدود شنت تركيا عملية توغل مع جماعات معارضة متحالفة معها مما أدى لإقامة منطقة جديدة تحت السيطرة التركية. تمكن الجيش السوري وحلفاؤه من هزيمة المعارضة في حلب، وهو ما اعتبر آنذاك أكبر انتصار للأسد في الحرب. انفصلت جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وبدأت محاولة تقديم نفسها في صورة معتدلة، فأطلقت على نفسها سلسلة من الأسماء الجديدة قبل أن تستقر في النهاية على هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AA/E. Leys
2017 – هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة
تمكنت قوات مدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الأكراد [هنا في الصورة] من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة. وانتهى هذا الهجوم وهجوم آخر شنه الجيش السوري بطرد هذا التنظيم المتطرف من كل الأراضي تقريبا التي استولى عليها.
صورة من: Reuters/G. Tomasevic
2018 – استعادة الأسد للغوطة الشرقية ودرعا
استعاد الجيش السوري الغوطة الشرقية قبل أن يستعيد سريعا جيوبا أخرى للمعارضة في وسط سوريا ثم درعا معقلها الجنوبي. وأعلن الجيش الحكومي خروج جميع فصائل المعارضة من منطقة الغوطة الشرقية بعد نحو شهرين من هجوم عنيف على هذه المنطقة التي كانت معقلاً للمعارضة.
صورة من: Getty Images/AFP/L. Beshara
2019 – فقدان تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا
فقد تنظيم الدولة الإسلامية آخر معاقله في سوريا. وقررت الولايات المتحدة إبقاء بعض قواتها في البلاد لدعم حلفائها الأكراد. وبإعلانها السيطرة على آخر معاقله في سوريا طوت قوات سوريا الديمقراطية نحو خمس سنوات من “الخلافة” المزعومة لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). ورحب زعماء العالم بـ”تحرير” منطقة الباغوز مؤكدين على مواصلة “اليقظة” تجاه خطر التنظيم.
ساندت روسيا هجوما لقوات النظام السوري انتهى بتفاهمات روسية تركية ايرانية ليتجمد القتال عند معظم خطوط المواجهة. وسيطر الأسد على جل الأراضي وجميع المدن الرئيسية ليبدو أنه قد رسخ حكمه. وسيطر المعارضون على الشمال الغربي فيما سيطرت قوة مدعومة من تركيا على شريط حدودي. وسيطرت القوات التي يقودها الأكراد على الشمال الشرقي.
2023 – تقليص وجود إيران وحزب الله في سوريا وتقويض سيطرة الأسد
وقع هجوم حركة حماس الارهابي غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر / تشرين الأول ليندلع قتال بين إسرائيل وحزب الله اللبناني أدى في نهاية المطاف إلى تقليص وجود الجماعة في سوريا وتقويض سيطرة الأسد. في الصورة: قصف مبنى بالقرب من السفارة الإيرانية في دمشق منسوب لإسرائيل عام 2024.
صورة من: Firas Makdesi/REUTERS
2024 – سقوط نظام الأسد وحكم حزب البعث في سوريا 08 / 12 / 2024
شنت المعارضة هجوما جديدا على حلب. ومع تركيز حلفاء الأسد على مناطق أخرى، ينهار الجيش سريعا. وبعد ثمانية أيام من سقوط حلب استولى المعارضون على معظم المدن الكبرى من بينها دمشق ليسقط حكم الأسد في تاريخ الثامن من ديسمبر / كانون الأول 2024. الصورة من دمشق في تاريخ 08 / 12 / 2024 من الاحتفالات الشعبية بالإطاحة بنظام الأسد. إعداد: علي المخلافي