الثلاثاء, يناير 7, 2025
Homeمقالاتمفارقات ومقارنات بين سقوط البعث العراقي والبعث السوري (2) : رياض سعد

مفارقات ومقارنات بين سقوط البعث العراقي والبعث السوري (2) : رياض سعد

رياض سعد

 

بعد سقوط نظام بشار الاسد وحزب البعث العربي الاشتراكي ؛  قُطِعت رواتب جميع المنتسبين في الجيش والشرطة وأجهزة الأمن والحزب والإعلام وغيرها من المؤسسات ؛ كما صدرت أوامر بتسليم أنفسهم إلى عصابات الجولاني ، ليتم اعتقالهم فورًا أو منحهم ورقة تسوية مؤقتة (عدم تعرض) إلى حين البت في أوضاعهم والاستفسار عن احوالهم والسؤال عن تاريخهم ثم التحقيق معهم ؛ وقد رصدت كاميرات المواطنين و وثقت اجهزة الموبايل التابعة للإرهابيين والمجرمين وانصارهم من السوريين ؛ مئات المقاطع الفيديوية والمصورة  , والتي تظهر بشاعة الجرائم المرتكبة بحق كل من عمل في الجيش او الشرطة فضلا عن السجون والاجهزة الامنية والمقرات الحزبية التابعة للنظام السوري البائد ؛ وفظاعة المجازر التي ارتكبت بحق الاشخاص والجماعات والطوائف والفئات الاجتماعية والمدن الموالية للنظام السوري البائد , حتى عوائل واطفال المطاردين والمعتقلين والمقتولين والمعارضين للجولاني وعصاباته لم تسلم من التعذيب والتهجير والاعتقال والتصفيات الجسدية ؛ بالإضافة الى مصادرة بيوتهم واملاكهم  .

وقد اظهرت الفيديوهات المسربة من سوريا ؛ العديد من الجرائم والمجازر الرهيبة ؛ اذ احرقت القبور والمقامات والمراقد الدينية ؛ وتمت محاصرة البيوت والقرى والمدن والاشتباك مع اهلها بالأسلحة ؛ والهجوم على العوائل الامنة والناس العزل بحجة التفتيش ؛ واعتقال الاف الشباب والرجال بذريعة الانتماء للجيش او الشرطة او الاجهزة الامنية او الدوائر الحكومية ؛ وتعذيب الناس بالحراب والنار والسكاكين والركل بالأقدام والضرب بالسياط وعلى مختلف اماكن الجسد الحساسة بما فيها الوجه واسالة الدماء من الضحايا وتكسير عظامهم وتمزيق ثيابهم والسير بهم وسط الشوارع شبه عراة ؛ واجبار المعتقلين من المواطنين على الزحف وسط الاوحال وتقليد اصوات الحيوانات وتكديسهم بعضهم فوق بعض في سيارات الحمل ؛ وقتل كل من يشتبه به بكونه من ازلام النظام او من عناصر الجيش والشرطة والامن وذلك من خلال الذبح او الطعن بالسكاكين والحراب او السحل والضرب المبرح بالآلات الحادة او الرمي بالرصاص الحي من دون محاكمات قانونية او إجراءات انسانية … الخ .

وعلى الرغم من البون الشاسع بين البعثين والنظامين ؛ فقد فاق اجرام صدام و نظام البعث العراقي ؛ اجرام كافة الانظمة الدكتاتورية والبوليسية والقمعية بما فيها الانظمة النازية والفاشية والشيوعية الاجرامية ؛ وشهدت بذلك اغلب الشخصيات الموضوعية والمنظمات الدولية فضلا عن مئات الاطنان من الوثائق والمستندات والشكاوى المحلية الموثقة والتي تبين بشاعة جرائم ومجازر نظام البعث الصدامي ؛ اذ بلغت اعداد الضحايا الملايين من الشهداء والمقتولين والمعاقين والسجناء والمعتقلين والمهجرين والمهاجرين والهاربين من اجرام الاجهزة القمعية … الخ ؛ يسعى البعض وبما فيهم الكاتب للمقارنة بين الحدثين والنظامين ( 2003 / 2024 ) ؛ مما يجعل المقارنة مجحفة وغير عادلة ؛ فالاختلاف بين النظامين والحزبين اختلافا كبيرا إن لم يكن كُلياً ؛  اذ يعتبر سجن صيدنايا جنة مقارنة بالسجون الصدامية الرهيبة  والمعتقلات البعثية الكثيرة المرعبة ؛ ومع ذلك ها نحن نتنزل ونقبل بالمقارنة بين النظامين والبعثين .

ففي الوقت الذي ذاق فيه البعثيون السوريون سوء العذاب , وتمت مطاردة ازلام النظام وعناصر الامن تحت كل حجر ومدر ؛ اختبئ البعثيون العراقيون في جحورهم وبيوتهم ولهم في كبيرهم جرذ الحفرة أسوة وقدوة , بينما هرب البعض منهم وبحوزته المال الحرام والسحت الذي سرقه من العراق والعراقيين ليعيش الرفاهية والاستجمام في الدول العربية والغربية ؛ ولم يكتفوا بذلك بل طالبوا بحقوقهم وامتيازاتهم السابقة جراء قمعهم وتعذيبهم وقتلهم للشعب العراقي طوال 40 عام ؛ وقد تم لهم ذلك واستجابت الحكومة الشيعية لهم واعطت منتسبي الأجهزة الأمنية / القمعية ( المخابرات ، الامن العامة ، الامن الخاص ، الحرس الخاص ، الاستخبارات العسكرية ) و منتسبي مكتب أمانة سر القطر لحزب البعث المنحل و منتسبي ديوان الرئاسة المنحل و منتسبي الحرس الجمهوري و ضباط الجيش ؛ الرواتب المجزية واجرت لهم الرواتب التقاعدية العالية ؛  ليصبح المجموع الكلي لهم  550 الف منتسب للأجهزة القمعية المنحلة من فدائي صدام والأمن الخاص والمخابرات وكبار البعثيين المجرمين ؛ بما فيهم حماية السفاح صدام كالمجرم ارشد ياسين التكريتي وبقية ضباع العوجة وذئاب تكريت ، و لا زالت تلك الرواتب الباطلة تكلف ميزانية الحكومة اكثر من 3.5 مليار دينار شهريا … ؛ بل وتم ارجاع الكثير منهم الى وظائفهم السابقة , بالإضافة الى تعيين ابناءهم وذويهم في دوائر الدولة , وعملوا على عرقلة الاصلاحات الحكومية وتشويه سمعة العملية السياسية ومحاربة المواطنين العراقيين في الدوائر الحكومية لاسيما عوائل الشهداء والسجناء وابناء الاغلبية العراقية , وانخرطوا في منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان والمحاماة وادعوا الدفاع عن حقوق الانسان , وشاركوا في الفعاليات والانشطة الثقافية والاعلامية من اجل اسقاط التجربة الديمقراطية وتشويه سمعة الاغلبية العراقية والاساءة الى العراق في المحافل الدولية وفي الدول العربية وغيرها فضلا عن وسائل الاعلام وتأليب المجتمع الدولي والرأي المحلي على العملية السياسية والدعوة للعودة الى مربع الدكتاتورية وحزب البعث وحكم الاقلية … ؛ اذ قامت وسائل الاعلام المنكوسة والبعثية والطائفية والارهابية ؛ بتبييض صفحة مجرمي البعث , والاشادة بزبانية النظام الصدامي , وليت الامر وقف عند هذا الحد ، اذ اسفرت تلك الكتابات والبرامج المنكوسة عن تغيير المعادلة وقلب الأمور وارجاع عقارب الساعة الى الوراء ، وذلك من خلال تكريم رجال العهد الصدامي البائد بل والإغداق عليهم بالرواتب  والمنح المجزية والمشاريع والهدايا  والتي مكنتهم من السفر الى خارج العراق والعيش في البلدان المجاورة والاوربية ، والتمتع والاستجمام والاسترخاء بتلك الأجواء الرائعة ؛ ومع كل تلك الامتيازات ؛ اشتركوا في صناعة الموت والارهاب وتامروا على العراق والاغلبية والامة العراقية مع فلول الارهاب الاجنبية وعصابات التكفير الغريبة والتنظيمات الطائفية الخارجية ؛ اذ فتحوا لهم ابواب العراق وقدموا لهم الدعم اللوجستي والمادي , و أنشؤوا العديد من الاحزاب والحركات والفصائل الارهابية المعادية والمشبوهة للإطاحة بالتجربة الديمقراطية والفتك بالأغلبية العراقية ؛ وتلطخت ايديهم بدماء مئات الالاف من العراقيين الاصلاء والمواطنين الابرياء … .

ماذا لو سار الشيعة  المظلومين في الوسط والجنوب والاكراد المضطهدين في الشمال بسيرة حكومة الجولاني وعصاباته وجماهيره من الطائفة السنية السورية ؛ وقاموا بقتل وتصفية وتعذيب كل عناصر الجيش والشرطة والاجهزة الامنية وموظفي وجلادي السجون والمعتقلات واعضاء حزب البعث في الشعب والفرق والمقرات , ومصادرة اموالهم وبيوتهم وممتلكاتهم , وطردهم من الدوائر والقرى والمدن …؟!

وماذا لو فعل العراقيون الشيعة والكرد كما فعل السوريون من ابناء الطائفة السنية الذين حملوا الطائفة العلوية جرائم نظام الاسد وحزب البعث ؛ بحيث حاسب العراقيون الاقلية السنية التي تتحدث بالعربية والتركية  على حكمهم المطلق للعراق طوال 83 عام مليئة بالجرائم والمجازر والنكبات والازمات والحروب والاعدامات والاعتقالات والمقابر الجماعية ؛ وحاصروهم في مناطقهم وهجروهم من اغلب المناطق , وقتلوهم على الهوية , وطالبوا بتهجيرهم ومحاسبتهم ومصادرة اموالهم …؟!

كل شيء من ذلك لم يحصل ؛ مع العلم ان اغلب ابناء الاقلية السنية الكريمة ان لم نقل كلهم شاركوا في الحكومات الهجينة والطائفية والدموية والاجرامية المتعاقبة ( 1920 / 2003 ) ؛ ونسبة كبيرة منهم شاركوا في العمليات الارهابية والاعمال التخريبية والمؤامرات السياسية والمرتبطة بالجهات الخارجية والدوائر المعادية الاجنبية , وجلهم عارض العملية السياسية والتجربة الديمقراطية والتطورات الايجابية في العراق ولم يباركوا الانجازات وسلطوا الاضواء على السلبيات التي تعتبر نتائج طبيعية لمقدمات تاريخية هم السبب الرئيسي فيها فقد سلموا العراق عام 2003 عبارة عن خرائب و زرائب ومدارس طينية وبنى تحتية متهالكة ومدن وقرى بائسة فضلا عن تشويه وتدجين وتدمير الشخصية العراقية ؛ والى هذه اللحظة لا زالت الاغلبية المطلقة ان لم نقل كل ابناء الطائفة السنية العراقية الكريمة تترحم على السفاح صدام وازلامه وتشيد بالجلادين والمجرمين والمنكوسين من عناصر النظام البائد ورجالات حزب البعث الحاقد , فمن النادر ان تجد مواطنا سنيا او عنصرا بعثيا  يشجب جرائم النظام البائد او يعترف بمجازره وانتهاكاته لحقوق الانسان .

كانت ردة فعل الاغلبية العراقية الاصيلة  ولا زالت على كل هذه الجرائم البشعة والمجازر الرهيبة , والرؤى الظلامية والطائفية والتكفيرية , والعقد والامراض الطائفية والعنصرية والمناطقية والسلوكية الشاذة , والحملات الاعلامية الصفراء المعادية ؛ الدعوة الى المصالحة الوطنية والوحدة الاسلامية ( اخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه … ؛ السنة انفسنا واخوتنا … الخ ) ؛ وكذلك دعوتهم الى المشاركة الفاعلة في العملية السياسية , واتباع الاجراءات الانسانية والطرق القانونية والمحاكمات القضائية العادلة في محاسبة الجلادين والمجرمين والذباحين والارهابين والقتلة الصداميين والبعثيين ؛ ومع كل هذا الكرم الحاتمي والبذخ البرمكي من قبل حكومة الشيعة تجاه ابناء الاقلية والبعثية ؛ حتى ان احدهم صرح قائلا : (( انهم حصلوا على اموال طائلة لم يحلموا بالحصول عليها في عهد صدم ) ؛ لم يحمدوا الله ولم يشكروا الحكومات العراقية المنتخبة والنخب والاحزاب السياسية الشيعية ؛ بل لا زالت حثالة البعثية والطائفية تتهجم على الشيعة والتجربة الديمقراطية وتتوعد العراقيين الاصلاء بأيام الحديد والنار والقتل والارهاب والجور والفقر والعوز والظلام والتهجير والتطهير العرقي والطائفي والتكفير  …!!

مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً *** فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ

وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما *** غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح

فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا *** وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ

 

 

 

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular