هذا أنا….
آتٍ من ذاكرة الجلجلة الأولى
حاملا على كتفيّ غبار الأزمان
وحيداً تسربلني الأحزان على طريق [سيميل]
أسمع صهيل أفراس أسلافي الغابرين يتأجج في دمي
تعتريني رعشة الحنين إلى مرابع الزمن العتيق
فأرتمي على عتبات من رحلوا
أكرع من صهباء الأرض حتى الثمالة
أسبح في نهر الخابور
لتعود إليّ طفولتي النضرة
المجبولة برحيق الشمس
وصهيل الأمطار
أستنشق أريج أزاهير مروج السموات من مسامات الضوء
أتوضأ بالسحاب
وأصلي في معبد [الإيساكيلا]
أرسم صور القبرات الجذلى على وجنات الثلج
ألملم فراشات الأنوار من تحت أجنحة االغروب
وأسوق قطيع ذكرياتي إلى مراعي الأحلام المضيئة.
******
عيناها نجمتان يتلألآن في شرفة الليل
شفتاها وردتا بنفسج مشعشعتان برحيق العسل
ابتساماتها قطرات ندى على شفاه الزهر
كلماتها أشبه بهديل الحمام يترقرق في ارتجاج الصدى
تتهادى كملاك على سندس الماء.
*****
أسمع وقع خطى [إنانا] تومض بين أدغال الكون
وتجلجل في سراديب الغيم
وحشرجات [دوموزي] تتماوج في طمي الموت
بينما ينثر [أنليل] سنابل الأمطار في شوارع أوروك
ليسير گلگامش مزهواٌ في موكب عرائس الفجر
على هامته ريش النصر
حاملا سلالا من زنابق دير [مار متى]
يبعثرها تحت أقدام [الأنوناكي] الأنقياء.
******
أنا نجم هداية تسمّر فوق برج بابل
في ليلة ليلاء
استدرجُ الرعاة إلى المراعي اليانعة
والينابيع الصادحة في سفوح الجبال
ليحطوا رحالهم على الكلأ المتناسل تحت ظلال الماء
ليروا [آشور] في غيهب الظلماء
يتجلى فوق زقورة أور
في عليقة نار
ويضيء الكون
2
يشعل قناديل الكلمات المجنحة
ويجعل الأجنة تصهل في الأرحام
باسمه تُتلى الصلوات في كل حين.
******
أيتها المتجليّة في شهقات الزهر
وصدى أنغام النايات في شعاب الجبال
المتجلببة بالألق الصاعد من الوهج القدسي في عينيك
أيتها المغمورة بفيض النشوة والأحلام
تتأبطين ذكرياتك وترحلين صوب الغروب
لتوقظي الشمس من غفوتها
يا امرأة من رحيق الياسمين
وعبق الجلنار
تمتطي هودج الريح
وتحلق في الآفاق مع أسراب الحمام
ضفائرهاِ تتلألأ في مرايا الشمس
خطواتها تبرق كالشهب في عتمة الليل
وتسبغ ما تيسّر من ألقها على مفاتن الحقول.
******
عندما أسريتُ من فوق زقورة أور الشماء
نحو بوابات الآلهة العصماء
تكللتُ برؤيا الأنبياء
تجولت فوق الغمام
رأيت كما يرى النبي في المنام
أرضاً بلا ماء
رجالا تائهين في مجاهل الدروب
أطفالا بلا أسمال
نساء يأتيهن المخاض في العراء
كلما اشتعل البرق في السحاب
وصعقت لمرأى الفقراء
يلتقطون الفتات من تحت أقدام الأثرياء.
******
تحت أسوار نينوى
ينتفض الثور السماوي من بين أصفاد الصمت
ينطح الشمس بقرنيه
يمنح رحم أرض الفراتين النطفة الأبدية
لتتناسل فيها أجيال الأحلام والأمجاد
يضفي على الشرق هالة العزة والكرامة
والعنفوان
يمسح الأحزان من على نوافذ النجوم
يزيح الغيوم عن شرفات القمر
ويدع الصحراء تنتشي تحت رنين المطر.
******
تشمّر عصفورة النار عن ساقيها
في أوج بكارتها
ترقص محمومة فوق صفيح الجليد
جسدها يشتعل كالتنور المسجور
3
تترقرق النشوة في عينيها
تتوهج الشهوة بين فخذيها
وتذوب خيوط الشمس على إيقاع فحيح أنفاسها
مكتوبٌ على شفتيها منهاج أنوثتها
تتأجج خلاياها بسعير الشبق
تمتص رحيق الأزهار اليانعة
تستحم في نهر الكوثر الطهور
وتتمرى في جدار الشمس
ما أجمل الأرض حين تمشي عليها
مزهوة كطاووس السماء
كغزالة تخطر على ضفة السرير.
******
adamhomeh@hotmail.com