.
عمر بن الخطاب والقرطبي ونسخ آية من القرآن:
حول دعوة أبا ذرفي موضوع الكنز والذي اُعتبرت حسب ما ورد عن الوردي الشرارة التي اشعلت الثورة/الانتفاضة/ الفتنة/المؤامرة/المعركة التي راح ضحيتها الخليفة الراشد الثالث الشيخ عثمان بن عفان…قال القرطبي في تفسيره لدعوة أبا ذرٍ الغفاري حسب ما كتبه الراحل الوردي في ص93 وعاظ السلاطين: [يقول الامام القرطبي في تفسيره: إن أبا ذر انفرد وحده بمذهبه الخاص في تحريم الكنز. والقرطبي يعتقد ان مذهب ابي ذر هذا من المذاهب الشديدة التي لا يُلزم المسلمون بأتباعها. ويتطرق القرطبي بعد ذلك الى امر تحريم “الكنز” الذي جاء في القرآن فيأخذ في تأويله تأويلاً يجعله منافياً لمصلحة المسلمين في أيام عثمان يقول القرطبي: “ويُحتمل ان يكون مجمل ما روي عن ابي ذر في هذا ما روي أن الآية نزلت وقت شدة الحاجة وضعف المهاجرين و قصر يد رسول الله(ص) عن كفايتهم، ولم يكن في بيت المال ما يشبعهم و كانت السنون الجوائح هاجمة عليهم، فنهوا عن إمساك شيء من المال إلا على قدر الحاجة، ولا يجوز ادخار الذهب و الفضة في مثل ذلك الوقت، فلما فتح الله المسلمين ووسع عليهم اوجب (ص) في مائتي درهم خمسة دراهم وفي عشرين دينار نصف دينار ولم يوجب الكل واعتبر مدة الاستنماء فكان ذلك منه بياناً(ص)] ثم يضيف الوردي الى هذه الاستعارة: [يتضح من هذا ان الامام القرطبي يرى ان الكنز كان محرما في بدء الدعوة الإسلامية وذلك لما كان عليه المسلمون آنذاك من عوز وفاقة، أما بعد استغناء المسلمين واستنماء أموالهم فالكنز في نظره جائز] انتهى
ويُكمل الراحل الوردي في ص 94: [ونحن نستغرب على كل حال من رأي الامام القرطبي حيث نسخ آية محكمة من القران وجَوَّزَ إبطالها وعدم العمل بها بحجة تَغَيَّرْ الظروف. اننا لندهش حقا من هذا الراي فالقرطبي يجَّوز به اهمال الاحكام القرآنية والسنة النبوية إذا كانت غير ملائمة لمقتضيات الظروف المستجدة….] انتهى
تعليق: هنا يندهش الراحل الوردي من رأي وتفسير القرطبي الذي أجاز فيه حسب فهم الوردي اهمال/نسخ آية قرآنية وجَّوز إبطالها وعدم العمل بها بحجة تغيًّر الظروف.
لكن الوردي بعد حوالي (32) صفحة من نفس الكتاب أي في ص126 وعاظ السلاطين كتب التالي: [لم يكتف عمر بهذه الاهانات التي وجهها الى قريش اذ سلط عليها عبيدها السابقين. إنه فَعَلَ شيئاً اخر أدهى منه، ذلك انه أبطل نصيب “المؤلفة قلوبهم” من الفيء وحرم قريش بهذا من عطاء كانت تتنعم به في أيام النبي وأيام خليفته أبو بكر. إن نصيب المؤلفة قلوبهم مذكور في القرآن ومفروض فيه حيث لا يجوز ان يعبث به عابث لكن عمر لا يبال بهذا فلقد نسخ امراً صريحا جاء به القرآن احتقاراً لقريش وإضْراراً بها وقال عمر تبريراً لعمله هذا: ان رسول الله كان يعطيهم يوم كان الدين ضعيفا محتاجا الى نصرهم اما اليوم فقد أصبح الدين قويا لا يحتاج الى تأليف قلوبهم او استرضاهم. ومن الغريب ان نجد عمر ينسخ اية من القرآن ولا يبالي… ان عمر نظر في ذلك الى مصلحة الإسلام فهو لم يتقيد بالشكليات او يتمسك بحرفية الدين كما يفعل اصحابنا من رجال الدين في هذه الأيام.] انتهى
تعليق: هنا الوردي يعتبر التَّقَيُدْ بالنص القرآني والسنة النبوية من قبل الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب هو تَّقَيُدْ بالشكليات ومدح الخليفة على عمله ذاك وأثنى عليه واعتبره في مصلحة المسلمين وأكد على ذلك حيث كتب فيص 192 وعاظ السلاطين التالي: [فقد وجدنا عمر اثناء خلافته من أحرص الناس على مصلحة المسلمين وكثيرا ما كان يخالف أمرا صريحا جاء به القران او قال به النبي اجتهادا منه في سبيل الصالح العام] … ثم أكمل الوردي في نفس الصفحة: [وهذه عبرة لنا نحن المسلمين في عهودنا الحاضرة حيث يجب علينا ان ننظر في مصالحنا العامة نظراً موضوعياً ونكون بذلك مجتهدين لا نتقيد بما ورد في القران او الحديث من احكام قد تنافي مقتضيات ظروفنا الراهنة] انتهى
لكن بالمقابل فأنه اعتبر تفسير القرطبي لدعوة ابا ذر في موضوع الكنز على زمن الخليفة الراشد الثالث الشيخ عثمان بن عفان هي دعوة للخروج على/عن النص القرآني وهي مستنكرة رغم ان سبب تجاوز الراشد الثاني ودعوة القرطبي للتجاوز كما فسرها الوردي كان واحد هو حاجة الرسول…في الأولى حاجته للمؤلفة قلوبهم عندما كان الدين ضعيفاً وفي الثانية حاجته الى المال /عدم الكنز عندما كان الدين فقيراً.
فكيف يمكن تفسير هذا؟
اعتقد ان من يريد تفسير ذلك او التعليق عليه ان يأخذ بنظر الاعتبار الامور التالية:
1.إن التجاوز على النص القرآني والسُنة النبوية غير مسموح به مهما كانت الاسباب وبالذات في بداية التشكيل لأن النص موحى به والسُنة لا تنطق عن الهوى.
2.ان التجاوز الاول “الحالة الاولى” على النص القرآني والسنة النبوية كانت من طرف الخليفة أي انه جرى/نُفِذْ /عُمِلَ به على أرض الواقع حيث كان الحال في بداية ظهور دولة الاسلام وكان القرآن والسنة هما دستور وقانون المجتمع الاسلامي وكانا محل اختبار ومقارنة مع ما حاربه الاسلام ونهى عنه فالتجاوز في تلك الفترة يمكن اعتباره هزة كبيرة تضعضع الثقة بالنص القرآني والسنة وتُنزله من السماء الى الارض وتشكك بقدسيته و بالذات كونها وقعت في موضوع يهم معيشة/اقتصاد المجتمع وافراده وحصلت بعد وفاة النبي محمد بفترة قصيرة جداً أي لم يكن هناك هذا الكم من المنسوب للسُنة النبوية و المُختلف على البعض او الكثير منه كما هو الحال اليوم وكانت حالة يمكن ان تُشكك بأصل الرسالة و صحة النبوة.
اما تفسير القرطبي لتصرف أبا ذر الذي جاء بعد اكثر من ستة قرون على وفاة النبي محمد فلم، يُنَفَذْ بل كان مجرد تفسير لا غير، أي أنه لم يُطبق عملياً ولم يؤخذ به وإن اُخذ به في زمن القرطبي فربما ذلك لم/لا يتعدى المحيطين بالقرطبي او المتتلمذين على يديه.
3.ان تجاوز الخليفة الراشد الثاني الشيخ عمر بن الخطاب فسح المجال لتجاوزات لاحقة حيث اعتبر من سنن الاولين “السلف او أصحاب السابقة” وفتح باباً للتجاوز على النص القرآني والسُنة النبوية أدى الى /وَّلَدَ تجاوزات كبيرة كان من بينها تجاوز او رأي القرطبي في تجاوز النص وإجازته ذلك.
4.اننا نتكلم عن تأثير حالة تاريخية على المجتمع وليس تسجيل حالة تاريخية. كانت الحالة الاولى قد اوجدت شرخ في المجتمع الاسلامي أمكن او تمكن من جاء من معالجته أو كان يمكن ذلك، والحالة الثانية هزت المجتمع الاسلامي هزاً عنيفاً فتحول الشرخ الى شق لم يُرْتًقْ لليوم حيث سالت فيه دماء وتمزق فيه “قميص” أصبح راية خفقت في سماء الاسلام و مستمرة لليوم و ستستمر.
………………………….
الى اللقاء في التالي/غرائب 3