صمت العقلاء من نوادر العرب الجميلة
دخل رجل كبير السنّ رثَّ الثياب في دار القضاء
وجلس حتى أذن الحاجب له بالدخول إلى القاضي
سلم الرجل على القاضي وقال
السلام عليك أيها القاضي العادل الجليل
أنا رجل فقير وليَ سبعة عيال وأمهم أُعيل
ولا أملك في دنياي سوى حصان أصيل
هو كل ثروتي وغناي وما لي عنه بديل
وكذلك عندي دولابين وللضياء قنديل
وأسكن مزرعة يحوطها شجر ظليل
أستمع القاضي لهذه المقدمة من الرجل العجوز
ولكي لا يطيل الرجل قاطعه القاضي وقال له
قد فهمت أيها الشيخ الفاضل الوقور
أنه بدون حصانك العزيز تسوء الأمور
ولست رجلاً فظّاً متكبراً أو مغرور
ولكن أخبرني قصتك دون أن تلف أو تدور؟
وهنا نزلت الدمعة من عين الرجل العجوز
فحزن القاضي وأجلسه وطلب منه أن يكمل كلامه
فقال قبل يومين وثلاثة من الليالي
هجم على مزرعتي جند الوالي
ضربوني وتهجموا على عيالي
وسرقوا ما وجدوه من قليل مالي
وكل ما خفّ وزنه وثمنه غالي
فأنجدني ياقاضي وأرجع لي حلالي
وضع اللصوص في السجن والأغلالِ
أستمع القاضي جيداً إلى الرجل العجوز
وأدرك أنه وقع في ورطة كبيرة!
فمن ناحية يدرك جيداً أن لا سلطة له على جُند الوالي ولن يستطيع أن يفعل معهم شيئاً
وقد يُسجن هو إن تعرض لهم
ومن ناحية أخرى لم يرد أن تهتز صورته گ قاضِ ويخرج الرجل للناس فيخبرهم أن القاضي لم يفعل له شيئاً!
وبعد تفكير رفع القاضي يديه إلى أعلى وقال
إلهي أنت يا رب السماء
أتوجه إليك بخالص الدعاء
أن تذيق حرس الوالي الشقاء
وأن تُنزل بهم عظيم البلاء
ثم نظر القاضي إلى الرجل فوجده مازال ينتظر بلهفة أن يكمل!
فقال القاضي
هؤلاء قوم سفلة وحوش أراذل
لم يتربوا في بيوت أو منازل
وفي الذنوب والمعاصي هم الأوائل
ليس بينهم وبين الحرام أي حائل
ولا يفي سفالتهم مهما قال أي قائل
نحمدالله أنهم معدودون وقلائل
وليس من مطاردتهم أي طائل
وبينما القاضي يدعو ويشتم حرس الوالي
أدار الرجل ظهره وهمَّ بالخروج دون أن يقول شيئاً؟
فاستنكر القاضي هذا الأمر وقال
إلى أين تذهب أيها العجوز ؟
تخرج دون سلام ، هذا لا يجوز !
ألتفت الرجل إلى القاضي وقال
إذا كنت من تمسك زمامنا في القضاء
وما هو بشغل بل هو من الله إبتلاء
ولا تحسن سوى الشتم والرثاء
مثلك مثل بقية عجائز النساء
فسأذهب إلى جارتي الشمطاء
فهي تلعن و تشتم صُبحاً ومساء
ولا يحسب لها مدحاً أو ثناء
وهي تفوقك مهارة يا ابن النبلاء
وما تفعله أنت ليس من شيم الشرفاء
أنصِف الناس حقهم أو اترك القضاء
فإن الظلم والجور والفسق لعنة اللعناء
ولا يفوقها جُرماً إلا صمت العقلاء
راقت ومنقول