الخميس, يناير 9, 2025
Homeمقالاتالشيعة العرب بين خيارين احلاهما مر(1) : رياض سعد

الشيعة العرب بين خيارين احلاهما مر(1) : رياض سعد

رياض سعد

 

منذ القدم لم تتعامل قوى الاستعمار والاستكبار والاحتلال مع الشيعة العرب , ولا سيما الاستعمار الغربي وبالتحديد بريطانيا العظمى وقتذاك ؛ فقد ادارت لهم ظهر المجن , وكشرت عن انيابها تجاههم ؛ وحرمتهم من الحكم والسلطة , بل وسلطت عليهم من لا يرحمهم ؛ وحدث ذلك على مرأى ومسمع من العالم اجمع , ولعل الاسباب التي دفعت البريطانيين لانتهاج تلك السياسة الغاشمة , كثيرة ومتعددة وغامضة الا انني استطيع الجزم بذكر بعضها وعلى شكل نقاط تالية :

  • القوى العالمية تفضل التحاور مع القوي , لأنها تؤمن بمنطق القوة اولا , ولان الفئات والجهات والجماعات والاقوام والشخصيات الضعيفة لا يوثق فيها فيما يخص تحقيق الاهداف الاستعمارية ؛ وتنفيذ الاجندات الخارجية حتى لو اضطر الامر الى استخدام القوة والعنف وعلى حساب مصالح الشعوب والجماعات ؛ وبما ان الشيعي الايراني ادعى ولا زال بكونه الممثل الرسمي للطائفة الشيعية , وبكونه الاغزر انتاجا فيما يتعلق بالموروث الاسلامي الشيعي – لا اقل في القرون المتأخرة – , والاكثر تصديا للزعامات الدينية والاعمق خبرة ودراية فيها , فضلا عن انه يمتلك ايران الدولة الكبيرة المترامية الاطراف فهو يشكل النسبة السكانية الاعلى فيها بل ويمثل الهوية الايرانية الرسمية كذلك ؛ بالإضافة الى ان الشيعي الايراني حكم ايران وباسم التشيع بعدة دول وحكومات تاريخية ومنذ القدم ؛ فهو لم يعاني من الاضطهاد والتهميش والاقصاء , مثلما يعاني الشيعي العربي ؛ لذلك لجأ البريطانيون وغيرهم للتحاور مع الشيعي الايراني باعتباره الممثل الرسمي والزعيم الاوحد لكافة شيعة العالم , وبهذا الاجراء تم اختزال الهويات الشيعية المختلفة والمتعددة في الشخصية الشيعية الايرانية بالرغم من اختلاف الثقافات والمصالح والهويات الوطنية والقومية فيما بين شيعة العالم والشيعة العرب وبين شيعة ايران , واجاد الشيعي الايراني الدور بجدارة , اذ لم يدخر جهدا في سبيل اخضاع شيعة العالم وبما فيهم الشيعة العرب لسلطته الدينية وهمينته المرجعية واراءه الفقهية والعقائدية ؛ مما أثر على الثقافة العامة فضلا عن الثقافة الدينية والمذهبية الخاصة لشيعة العالم بما يعكس الرؤية الايرانية والايديولوجية المحلية الفارسية فحسب ؛ فالشيعة العرب كانوا وما زالوا متفرقين متشرذمين , سطحيين الى حد السذاجة , طيبين الى حد البلاهة , لا يملكون مشروعا خاصا بهم , يسقط بعضهم بعضا , ويلعن بعضهم بعضا , ولا يقفون عند حد معين في الخصومة اذ يبالغون في العداوات والخصومات والمشاجرات الى حد اللعنة والفناء , فضلا عن انتشار الجهل والتخلف والسذاجة فيما بينهم ؛ بالإضافة الى العوامل السياسية المهمة فهم كانوا ولا زالوا معرضين للاضطهاد والتهميش والاقصاء والابادة والتطهير العرقي والطائفي ؛ ومستهدفين من قبل الانظمة الحاكمة والمنظمات والتنظيمات والقواعد الشعبية السنية في البلدان العربية … الخ  ,  كل هذه العوامل وغيرها الكثير سهلت من تدجينهم واخصاءهم وابعادهم عن ساحة التأثير الثقافي والقرار الديني والنفوذ السياسي ؛ بل وصل الامر الى محاربتهم اقتصاديا وحرمانهم من حقوقهم وثرواتهم وخيراتهم التي وهباها الله لهم …!!
  • القوى الدولية لا تحبذ تقسيم ( كعكعة ) الغنائم والحصانات والامتيازات مع أكثر من واحد ؛ فهي تفضل التعامل مع جهة واحدة الا انها في نفس الوقت لها القدرة على اختزال مصالح عدة جهات مختلفة فيها ؛ ومنذ ذلك الوقت صار المغنم للشيعي الايراني والوزر والعذاب والخسارة على الشيعي العربي وغيره ؛ ولعل نظرة خاطفة في احوال الشيعة العرب والشيعة الافغان والباكستان والهنود والافارقة وغيرهم توضح لنا حقيقة الامر والواقع المأساوي المر ؛ بل ان بريطانيا تدخلت حتى في الترشيح لمنصب المرجعية الشيعية العالمية العليا ؛ فهي لم ولن تسمح بوصول مرجع ديني عربي لهذا المنصب , حتى وان كان يمتلك من المؤهلات الدينية والعلمية والاجتماعية الشيء الكثير , نعم قد تضطر احيانا الى زج مرجع ديني او اكثر الى المشاركة النسبية في النشاط الديني المرجعي العام ؛ الا ان هؤلاء الذين يتكلمون اللغة العربية ويدعون النسب الهاشمي عندما تراجع انسابهم وتحقق في هجرات البعض منهم ؛ تجدهم يرجعون الى الجذور الايرانية او غير العربية , او توكل لهم مهام بسيطة لا تتناسب مع حجمهم الديني والاجتماعي , او تحرك الجماعات الشيعية التي تدور في فلك المرجعيات الايرانية ضد رجال الدين العرب من خلال تسقطيهم اجتماعيا وبث الدعايات حولهم والتقليل من اهميتهم وتسفيه آرائهم ومواقفهم كما حصل مع الكثير من الفقهاء والخطباء ورجال الدين العرب وغيرهم من غير الايرانيين .
  • الشيعي العربي وكذلك غيره من السهل جدا اقناعه بتقليد واتباع المرجع الديني الايراني او الشيعي الايراني والتعاطف معه ؛ بينما من الصعب جدا اقناع الشيعي الايراني بضرورة تقليد المرجع الديني العربي او الافغاني ؛ ولو من باب ان اكرمكم عند الله اتقاكم , فالعقلية والتربية الشيعية الايرانية تختلف اختلافا جذريا عن العقلية الشيعية العربية ؛ اذ كان الايرانيون يرسلون رجالهم للتعلم والتفقه والاجتهاد في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة وغيرهما ؛ فقد كانت ترسل كل مدينة من مدن ايران رجلا منها , فطهران ترسل رجلا طهرانيا , ويزد يزديا , وشيراز شيرازيا , ومشهد مشهديا , وقم قميا , واراك اراكيا , وبروجرد بروجرديا , ونيشابور نيشابوريا … وهكذا دواليك ؛ و في تلك الاثناء ترسل كل مدينة وقرية خمسها واموالها وصدقاتها لأبنائها فقط ؛ وبعد اكمالهم للمهمة وعودتهم لمدنهم وقراهم ؛ يتم تقليدهم وحصر المرجعية الدينية بهم ودفع الاموال والحقوق والخمس لهم , اذ يصبح لطهران مرجعا طهرانيا ولمدينة قم مرجعا قميا … الخ ؛ نعم كانت العشائر الجنوبية والقبائل العربية الشيعية العراقية وغيرها من المناطق العربية كالبحرين والقطيف والاحساء ترسل ابناءها للدراسة الدينية , فقبيلة السواعد ترسل رجلا ساعديا , وعشيرة السودان ترسل سودانيا , والبحرين ترسل بحرينيا , والاحساء احسائيا … الخ ؛ الا ان اغلبهم لا يحصلون على الاجتهاد – ( مجرد خطباء او ملالي جمع ملة او قراء تعزية اي روزخونية)  – , والذين يحصلون على الاجتهاد يمكثون في المدن الدينية ولا يرجعون الى اهاليهم ومدنهم , ولا تتاح لهم فرصة تسنم منصب المرجعية بسبب الهيمنة الايرانية على مقاليد الامور , وارتباط من هم في المدن الدينية بالداخل الايراني الذي يمدهم بالمدد اللازم , على خلاف رجال الدين العرب الذين يفتقرون للبيئة الحاضنة بسبب تفشي الجهل والتخلف وانتشار الفقر والعوز وسيادة الشيوخ والاقطاع وغيرهما … ؛ هذا الامر دفع البريطانيون وغيرهم على حصر التعامل فيما يخص الشيعة والتشيع بالإيرانيين فقط ؛ لان الواقع لا يشجع على غير ذلك ؛ وقد شاع بين الايرانيين :   ( ان المرجعية ثوب قصير على العربي , طويل على الافغاني ) اي ان المرجعية الدينية الشيعية لا تليق بغير الايرانيين فهي على مقاسهم …!!
  • بريطانيا والقوى الكبرى كانت تحبذ سيطرة الاقليات على الاكثريات , او لا اقل سيطرة العملاء والخونة والمرتبطين بالأجندات الخارجية على زمام الامور , فايران وعلى الرغم من كون حكامها شيعة الا ان رضا بلهوي , قد جاء به الانكليز وهو يأتمر بأوامرهم , و قد اضطهد الشيعة الملتزمين دينيا في ايران ومنع الحجاب … الخ ؛ اما فيما يخص الاغلبية الشيعية الساحقة في العراق والبحرين ؛ فقد اتخذت بريطانيا عدة اجراءات منكوسة ومعادية وبعضها جاء مكملا للمخطط العثماني الطائفي ؛ اذ كانت المنطقة الشرقية من السعودية والتي بقطنها الشيعة العرب وفيها توجد الثروات النفطية وغيرها كانت تابعة للعراق وهذا الامر معروف و واضح للعيان , وكذلك الكويت النفطية عراقية شيعية عربية لأنها تتبع البصرة الشيعية العربية , فضلا عن الاهواز العربية الشيعية العراقية او لا اقل عبادان والمحمرة من المدن العراقية القديمة والمعروفة ؛ ولكي تحطم بريطانيا قوة الشيعة العرب في العراق وكما فعلها من قبل المحتلين الاتراك ؛ قامت باقتطاع الكويت وفصلها عن العراق , وبدمج المنطقة الشرقية الشيعية مع الدولة السعودية الوليدة حديثا , بينما تنازلت لإيران عن الاحواز وامارة كعب العربية الشيعية ؛ فهي تثق بالإيراني البهلوي والشيعي الايراني وال الصباح وال سعود الا انها لا تثق بالشيعة العرب مطلقا والعراقيين على وجه التحديد ؛ هل لانهم متقلبون مزاجيون ام لانهم مرتبطون بالقرار السياسي الايراني والفتوى الدينية الايرانية  …؟!

ولم تكتف بريطانيا بهذا بل سلطت الفئة الهجينة والتي لا تمت بأية صلة للعراق والعراقيين على ابناء الاغلبية العراقية الشيعية العربية , و عملت تلك الحكومات الهجينة والطائفية العميلة ومنذ العام 1920 والى عام 2003 ؛ على تمدد محافظات ومدن الاقليات على حساب محافظات ومدن الاغلبية الشيعية , اذ قضمت محافظة الانبار الاراضي الكثيرة والكبيرة من محافظة كربلاء , وقامت بتجنيس الغرباء والاجانب والدخلاء , واسقاط الجنسية عن العراقيين الشيعة بحجة التبعية الايرانية , ولو كانوا منصفين و وطنيين كما يدعون , لأسقطوا الجنسية العراقية عنهم اولا ؛ فهم لا يختلفون عن بعض الافراد والجماعات والعوائل التي هاجرت من ايران الى العراق خلال العقود الماضية ؛ فهم كذلك قد جاؤا مع الاتراك العثمانيين والانكليز البريطانيين وكذلك جاء المتسولون والمهاجرون من اعراب نجد والحجاز والبلدان الناطقة بالعربية ؛ فكل هؤلاء لا يرتبطون بالعراق والعراقيين الاصلاء والهوية الوطنية ؛ فلماذا يهجر المواطن الشيعي بينما يبقى المواطن الارمني والداغستاني والشيشاني والهندي السني والفلسطيني والمصري والسوري والنجدي … الخ ؟!

ومع كل تلك الاجراءات المنكوسة والتغييرات الديموغرافية المشبوهة ؛ بقت الاغلبية العراقية هي الاغلبية ؛ فقامت السلطات الطائفية لاسيما في حكومة المجرم الطائفي عبد السلام عارف وحكومة التكارتة بتنفيذ اشرس حملات الابادة والتصفيات الجسدية والتطهير العرقي والطائفي , اذ زجت تلك الانظمة الهجينة الحاقدة بملايين الشيعة العرب وغيرهم من الفيلية والتركمان الشيعة ايضا في الحروب الخاسرة ومعارك النيابة عن الاستعمار والدول العربية الرهيبة ؛ وملئت بهم السجون والمعتقلات والمقابر الجماعية , وسقط ابناء الاغلبية وحدانا و زرافات وخضبت الارض بدمائهم , واستمرت وتيرة التصفيات والاعدامات الى اخر يوم من سقوط النظام الاجرامي الصدامي عام 2003 , فضلا عن الاحوال الاقتصادية المتردية والظروف المعيشية القاهرة وسياسات الافقار والتجويع التي مارستها تلك الانظمة الغاشمة بحث الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ حيث هرب الكثيرون وهاجر العراقيون الاصلاء الى المنافي وماتوا في الغربة , وعزف الشباب عن الزواج في ايام الحصار وغيرها , بسبب ظروف الحرب والفقر والعوز ونقص الغذاء والدواء … الخ ؛ ومع كل تلك الحقائق المؤلمة لم تقم الحكومات العراقية المنتخبة بإسقاط الجنسية العراقية عن أولئك الذين تجنسوا في العراق لأسباب طائفية حاقدة وسياسية مشبوهة طوال العقود الماضية , بل انها فتحت ابواب التجنيس امام كل من هب ودب ؛ لإكمال المخطط الاستعماري المشبوه والذي يمكن الاقليات والشخصيات الاجنبية والغريبة من التحكم بمصير العراق والاغلبية والامة العراقية ؛ بينما يحرم ابناء الاغلبية الشيعية العربية العراقية من حقوقهم واستحقاقاتهم وثرواتهم الوطنية ومقدراتهم الدينية التاريخية, ويصيرهم اداة طيعة بيد الاجانب والدخلاء والغرباء والعوائل ذات الاصول الاجنبية والجذور غير العراقية , والتي لا يهمها أمر الاغلبية الا بمقدار ما يتعلق الامر بمصالحها العائلية والفئوية والقومية الضيقة وارتباطاتها الخارجية المشبوهة ؛ والبعيدة كل البعد عن القيم الدينية والثوابت المذهبية والمصالح الوطنية للشيعة العرب .

وللحديث بقية …

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular