ولد كريم بدر الحمداني في مدينة الناصرية عام 1959 ثم سكن في النجف الاشرف ؛ فهو أبن ارض السواد المعطاء , وربيب المحنة الوطنية , وسليل المجد السومري العريق والحسب الجنوبي الاصيل ؛ وقد تربى على الاخلاق الحميدة والعادات والتقاليد العراقية النبيلة والقيم الوطنية ؛ ونشأ في وسط المعارضة والكبرياء والاباء , ونهل من ماء الفرات العذب حتى اشتد عوده , و اكمل دراسته في جامعة البصرة ؛ وقيل : تخرج من جامعة الموصل / قسم الفيزياء , ثم التحق بالجيش العراقي , وقد التحق بالجماهير الثائرة ضد الطاغية صدام عام 1991 وشارك في الانتفاضة العراقية الخالدة , وبعد ان اجهز النظام الوحشي على الانتفاضة وارتكب مجازر التطهير العرقي والطائفي والمقابر الجماعية ؛ ذهب المناضل المجاهد كريم بدر الى رفحاء في السعودية ؛ هروبا من بطش النظام الدموي , وكان مُترجماً في مُخيم رفحاء للاجئين العراقيين ، ثم هاجر الى هولندا عام 1995 واستقر فيها , وقد انخرط في صفوف المعارضة العراقية , وجهر بمعارضته للنظام الدكتاتوري الطائفي المقيت , اذ كان معارضا شجاعا عنيدا صلبا لأزلام النظام و زبانية البعث فضلا عن المجرم صدام ؛ وساهم وشارك في انطلاقة الكثير من المشاريع والانشطة الاسلامية والسياسية والوطنية والثقافية بين اوساط العراقيين في هولندا ؛ وقد صدح بصوته الجنوبي العراقي الهادر في الدفاع عن مظلومية الشعب العراقي وتسليط الاضواء على جرائم عصابة البعث وطغمة العوجة عبر وسائل الاعلام المختلفة ؛ اذ عُرف بمواقفه المناهضة لنظام صدام ومداخلاته التلفزيونية الجريئة أيام عقد التسعينات من القرن المنصرم ؛ وعمل على اسقاط النظام الصدامي الاجرامي ومواجهته بمختلف الطرق والوسائل ؛ فاضحا جرائمه أمام العالم دون خوف أو وجل ؛ وبعد سقوط الصنم عام 2003 , وانطلاق الحملات الاعلامية العربية الشعواء والخارجية الصفراء والتي تستهدف التجربة الديمقراطية والعملية السياسية والاغلبية العراقية ؛ برز الاستاذ الشجاع والاعلامي الشريف والكاتب الوطني كريم بدر الحمداني لمواجهة فلول البعثية وشراذم القومجية والطائفية والتكفيرية ؛ فكان مُحللاً سياسيّاً ومُعلقاً على الأحداث السياسية ومدافعا عن العراق والاغلبية والامة العراقية , ورافعا للواء الوطنية الحقة , ومحاربا للدعوات البعثية والقومجية والطائفية و العنصرية والانفصالية والتخريبية ؛ وطالما افحم الطائفي المرتزق الهجين فيصل القاسم وجوقته الطائفية المأجورة في قناة الجزيرة المعادية , فقد كانت القنوات العربية كالجزيرة والعربية والمستقلة وغيرها تبث سمومها الطائفية وتعمل على اسقاط العملية السياسية وعرقلة التجربة الديمقراطية وتشويه سمعة الشيعة والتشيع الاسلامي , وكان كريم بدر من القلة القليلة الواعية التي تصدت لتلك القنوات المشبوهة والحاقدة وفندت ادعاءاتها وابطلت دعواتها وبينت للناس زيفها وطائفيتها وحقدها .
وقد رشح كريم بدر نفسه للانتخابات البرلمانية في عام 2010 ضمن قائمة الائتلاف العراقي الموحد عن محافظة ذي قار، لكنه لم يحقق الفوز، وعلى الرغم من ذلك استمر في نشاطاته السياسية، وبرز بشكل خاص في مجال قضايا النقل والموانئ، وكان من أبرز الداعين لإكمال مشروع ميناء الفاو الكبير، وربط العراق بطريق الحرير بالتعاون مع الصين، سعيًا لتعزيز البنية التحتية والاقتصاد العراقي ؛ وقد بح صوته دفاعا عن مصالح العراق الاقتصادية , وطالما ندد بالمشاريع الوهمية وصفقات الفساد , وسلط الاضواء على الفاسدين والمخربين والفاشلين ؛ وقد كشف كريم بدر الصفقات المشبوهة والاتفاقيات الباطلة التي رهنت الموانئ العراقية بالإرادة الخارجية ؛ وتسليم الموانئ للإمارات والكويت وغيرهما وارتهان خيرات البلاد بالخارج ومنع العراق من الاستقلال الاقتصادي والتنمية … ؛ ولان اخطأ كريم بدر في تبنيه لبعض الافكار والاطروحات الاقتصادية والمشاريع الاستثمارية كما يدعي البعض ؛ الا ان نية كريم بدر الوطنية تبقى خير من اخطاءه وهفواته ان وجدت كما يدعي البعض ؛ فقد اجتهد الرجل في طرح المشاريع التي يرى انها تصب في مصلحة العراق والاغلبية والامة العراقية .
كما كان مدافعا عن العملية السياسية والتجربة الديمقراطية والمصالح العراقية ؛ وناقدا مسدِّدا لها، ووطنيا حريصا على مصالح وطنه، وعزته، وحرية شعبه، وحقوقه المشروعة ؛ ولم يُفرّطْ بأهلهِ و وطنهِ يومًا ؛ فهو مع العملية السياسية الا انه قد يقف ضد الساسة احيانا ؛ اذ قضى آخر أيام حياته في نشر الوعي وشحذ الهمم للوقوف في وجه المؤامرات الخطيرة التي يتعرض لها العراق وفي مقدمتها مشروع أنبوب العقبة وغيره من المشاريع المشبوهة .
لم ينتم كريم بدر للأحزاب , ولم تتلوث يداه بالسحت الحرام , وكان بإمكانه العيش مطمئن البال وسعيد الحال في اوربا وترك العراق واهله , والنأي بنفسه عن الاتهامات والخصومات والعداوات السياسية التي قد تكلف المرء حياته فضلا عن سمعته ومستقبله , فقد تعرض لحملات التسقيط الاعلامية الجائرة ومن قبل الاعداء والاصدقاء احيانا – اي المحسوبين على الاغلبية – , و قامت جيوش الذباب الالكتروني بسبه وشتمه والاساءة اليه وتسفيه اراءه … ؛ نعم كانت وطنيته ودفاعه عن ابناء جلدته ومواطني بلده وحرصه على ثروات وخيرات وطنه ؛ السبب الرئيسي في الهجوم عليه وتوجيه سهام النقد اللاذع والهدام اليه ؛ حتى في وسائل التواصل الاجتماعي كان محاربا ومحاصرا , فقد اغلقت صفحاته على الفيس بوك و غيره ولأكثر من مرة بسبب نشاطه الاعلامي الوطني , وقد رفض كل المساومات على حساب العراق ، و فضل العيش من كد يده على ان يكون مخادعاً سياسيا او مرتزقا مأجورا اعلاميا .
لم التق بصديقي كريم بدر الا انني كنت دائم الاتصال به عبر وسائل الاتصال ؛ فقد عرفني عليه الاخ السيد محمد الكوفي , وطالما تحدثت معه طويلا ؛ فوجدته صوتا جنوبيا غيورا هادرا , وطيبا و ودودا واجتماعيا منفتحا , صادحا بالحق وناطقا بالصدق , ومواطنا نزيها يحب شعبه وابناء جلدته ويحرص على ثروات وطنه وخيرات بلده , ومحاميا عن اهله وناسه ومدافعا عن قضيته العادلة ومعبرا عن آمال وتطلعات وطموحات العراقيين الاصلاء ؛ ومحاربا للغرباء والاجانب والدخلاء من الاعداء , ومفندا للدعوات الطائفية والتخريبية والمشبوهة والانفصالية ؛ ومتفانيا في حب الوطن واهله , وسدا منيعا امام تحركات الفاسدين والمشبوهين والفاشلين ؛ لا يجامل على حساب الحق ، ولا يهادن الباطل من اجل المصلحة .
رحل كريم وترجل من فرسه وسقط سيفه ولم تزل نيران الحرب مستعرة , رحل البدر الحمداني وفي دياجير الظلام يفتقد البدر السومري ؛ كان وطنيا اصيلا وشريفا نزيها وثابتا على المبادئ الوطنية والقيم العراقية ؛ في وقت انقلب الاعلاميون والكتاب على اعقابهم , واستشرت بين النخب والشخصيات الدونية والرشوة والارتزاق والعمالة والخيانة والرخص والدناءة , ولكثرة المتحولين والمخصيين والمرتزقة والمنسلخين عن هوياتهم الوطنية ؛ صار الاعلامي النبيل والعراقي الاصيل يخاف او يخجل او يتردد من التصريح بالصدق والدفاع عن الحق وتبني القضايا الوطنية …!!
نعم مات كريم بدر الا ان كلماته لا زالت حية في ذاكرتنا الوطنية ومواقفه النبيلة حاضرة امام ابصارنا ؛ وكأنه حي يرزق بيننا ؛
يموتُ الرسولُ جسماً و لكن *** في الرسالاتِ لن يموتَ الرسول .
برحيل القامة الوطنية والشخصية الجنوبية الغيورة كريم بدر ؛ ثلمت ثلمة كبيرة في جدار الممانعة العراقية والهوية الوطنية والساحة السياسية والثقافية والاعلامية , ومنيت الاغلبية العراقية الاصيلة بخسارة فادحة لا تعوض .
ولأنه صوت الارض وابن المحنة ؛ حزن الناس عليه , وانتشر خبر وفاته عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي , والجميع نشر التعازي وقدم اسمى آيات الرثاء بحقه ؛ وتفاعل الناس مع الخبر بعواطف جياشة ؛ بينما يموت البعض ولا أحد يكترث .
عمت عين المنايا وهجم بيت الموت *** يتخطى الرعيع وياخذ الماجد