تطورات الأحداث في الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر 2023 في غزة ومن ثمة الضربات الموجعة لحزب الله في لبنان
والسقوط المدوي لنظام البعث في سوريا, غير مأسوف عليه, و هروب رئيسه, وتهشم " وحدة الساحات " وتشرذم "
محور المقاومة "رسمت خارطة جديدة للمنطقة وتوازنات القوى فيها ووجهة الصراعات القادمة.
حيث نشهد إنكفاء دراماتيكي لدور جمهورية ايران الاسلامية بعد تصفية أبرز حلفائها من قوى المقاومة والممانعة, سوريا
وحزب الله اللبناني, والدهشة من تخليها, كطرف قائد, عن نجدة أخلص حلفائها والدفاع عنهم, و خيبة الأمل بعيون اتباعها
و انثلام مصداقيتها لديهم… ثم صعود نجم الكيان المحتل بكل غطرسته وعدوانيته وهمجيته لفرض أجندته وإعادة
الإعتبار لجيشه في المنطقة.
هل ستأتي الأحداث بالسلام والهدوء للمنطقة ؟
يمكن الجزم باستحالة ذلك, وإنما العكس, لأن طبيعة القوى البديلة التي سيطرت على الوضع ليست بأفضل من سابقاتها
أن لم تكن أسوأ… فالبديل للدكتاتور العلماني في سوريا, تنظيم سلفي إرهابي وحشي مدان ويعرفه القاصي والداني.
وتراجع نفوذ دولة ايران الاسلامية, بكل تجلياته العسكرية والفكرية الطائفية والاقتصادية, لصالح هيمنة عسكرية
إسرائيلية غاشمة ونهج فكري اقصائي أداته الصهيونية ومبدئه يهودية الدولة ونقاء عنصرها مدعمة بالإبادة الجماعية
والتطهير العرقي والتهجير الجماعي واستعمار الأرض…
بمعنى استبدلنا دكتاتور بآخر أشد همجية, سورياً, وطائفية مقيتة بعنصرية متغطرسة إقليمياً.
وكلاهما جلب الويلات للمنطقة بصراعهما لتحقيق أهدافهم الخاصة.
رغم ذلك فإن فشل مشروع " الهلال الشيعي " سوف لا يعني, بالضرورة, نجاح مشروع " الشرق الأوسط الجديد "
بنسخته الاسرائيلية, لأنه ببساطة لم ينجح مع الدول التي طبعت مع إسرائيل تحت مظلة أمريكية, وبقيت حبيسة إطارها
الحكومي ولم يصبح التطبيع شعبياً وحقيقياً على أرض الواقع, كما في مصر والأردن بل حتى في دول غير عربية مثل
تركيا واذربيجان.
داخلياً وانعكاساً لتوازنات القوى في المنطقة, تبرز استحقاقات ملزمة على الواقع السياسي العراقي, ليست بعيدة عن
تهديدات امريكية واسرائيلية لحل الفصائل المسلحة التابعة لإيران, مما استدعى تدخل المرجع الشيعي الأعلى السيد علي
السيستاني بنقاطه الخمس والتي أشار فيها إلى ضرورة حصر السلاح بيد الدولة, لتلافي ما قد يحدث من صدام يدفع
فاتورته العراقيون دماً ومعاناة وتدمير.
احزاب السلطة الحاكمة قلقة وهمها الأكبر تأخير حدوث تغيير, يضعف من هيمنتها ويفقدها أدواتها المسلحة, وامتيازاتها
ومكاسبها السياسية والاقتصادية… ولم تعد تتحمل أي نقد لسياسات الحكومة او بعض شخوصها على وسائل التواصل
الاجتماعي او على شاشات الفضائيات وإقامة الدعاوى على الصحفيين لاسكاتهم واشغالهم في جلسات المحاكم. بل ذهب
بعض مروجي خطابها و للتقليل من تأثير دعوة المرجع الأعلى بانه لم يكن يقصد سلاح الحشد الشعبي وإنما سلاح
الأمريكان, ولكنه لم يوضح تسليمهم السلاح لمن, ثم من له القدرة على إجبارهم على ذلك ؟
كان لدينا امل بأن يكون العراق صاعدة للتغيير الايجابي في المنطقة كبديل لما يحدث باستجابة القوى المسلحة للإرادة
الشعبية بحصر السلاح بيد الدولة والبدء بنهج نهضوي جديد يقطع الصلة بما جرى وكان من نهج محاصصي وغياب
العدالة الاجتماعية ومصادرة الرأي الآخر والحريات… ولكن التصريحات النارية الرافضة لنزع السلاح وضم أفراد
التشكيلات المسلحة إلى مؤسستي الجيش والشرطة, تصاعدت بعد زيارة السيد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع
السوداني إلى طهران ولقائه بالمرشد الأعلى ورئيس جمهورية إيران الاسلامية ورفضه لحل الحشد وتسليم سلاحهم
للسلطات الحكومية, والذي اعتبر بمثابة فتوى من ولي الفقيه السيد خامنئي بالمواجهة للقوات الأمريكية على أرض الوطن
وبافراد عراقيين… وهو كرجل دولة يسعى بالطبع تجنيب بلاده ويلات الحرب ويحفظ دماء مواطنيه والحفاظ على
مقدراته.
لابد هنا من ان يكون التعويل على الإرادة الشعبية وطموحاتها في السلام والتقدم.
عراقياً يجب على أصحاب القرار في الدولة العراقية, إعمال العقل والشعور العالي بالمسؤولية لتجنب أي تهديد محتمل,
بتقديم مصلحة الوطن وشعبه على أي ارادة اخرى داخلية او خارجية, بنبذ نهج المحاصصة الطائفية – العرقية وسلاح
التشكيلات العسكرية التابعة لأحزاب السلطة وتبني مبدأ دولة المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الفكر
والعدالة الاجتماعية…
أما اقليمياً, فيجب حل مشاكل شعوب المنطقة الاقتصادية وحرياتهم بالأساس وحل القضية الفلسطينية على مبدأ تطمين
حقوق الشعب الفلسطيني كاملة وبعدها لكل حادث حديث عن أي تطبيع ممكن.