هكذا كان الاعتقاد الإسرائيلي السائد في الستينات، بحسب ما أفادت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في إطار تقرير لها عن ضابط نازي جنّده الموساد لإجهاض مشروع صواريخ مصري في عهد عبد الناصر، والضابط النازي هو أوتوسكورتسيني، الذي تطوع في «الإس إس»، وهي وحدة عسكرية خاصة لحماية هتلر، تابعة للحزب النازي، وليس جزءً من الجيش النظامي. يمكن تسميتها وحدة الحرس النازي.
ولُقب أوتو بـ«رجل هتلر المُفضل» و«أخطر رجل في أوروبا»، وقد حصل من هتلر على ميدالية «صليب معقوف»: (أعلى ميدالية عسكرية نازية)، من بين 14 ميدالية عسكرية نازية حصل عليها أوتو خلال مسيرته النازية؛ ليكون بذلك أهلًا لثقة العالم الألماني هاينز كروج، الذي عمل مع مجموعة من العلماء النازيين الألمانيين على برنامج سري لتطوير الصواريخ لصالح الحكومة المصرية، وقد عيّن كروج أوتو حارسًا شخصيًا له، بعدما عَلت موجة الاغتيالات من الموساد للعلماء النازيين عقب الحرب العالمية الثانية، وزادت تهديدات الموساد تجاه كروج بالاغتيال، إذا لم يتوقف عن العمل لصالح مشروع الصواريخ المصري.
هتلر يُكرم الضابط النازي أوتوسكورتسيني الذي جنده الموساد لاحقًا لاغتيال العلماء النازيين
ما كان يجهله كروج أن أوتو الذي وثق به قد جنّده الموساد لاغتياله، بعدما وعد الموساد أوتو بحذفه من قائمة «فيزنتال»، وهي قائمة مُعدة لملاحقة مجرمي الحرب النازيين، وفي مساء يوم 12 سبتمبر 1962 ركب كروج مع أوتو سيارته المرسيدس الحديثة، قاصدين غابة ميونيخ. وتبعتهم سيارة لم ينتبه إليها كروج، بداخلها ثلاثة عملاء للموساد. عند الوصول لمكان آمن في الغابة قَتَل أوتو كروج، وجاء الثلاثة، وألقوا على جثة كروج ماء النار؛ ليخفوا ملامح جسده، قبل أن يدفنوه هناك. وتمر جريمة القتل حينها دون اتهام رسمي، أو حكم بالإعدام ضد منفذيها، واكتفاء باختفاء «غامض» للعالم الألماني كروج.
ولم تتوقف إسهامات أوتو في تحقيق أهداف الموساد عند هذا الحد، بل أظهر أوتو ولاءً كبيرًا لأهداف الموساد، وسافر بالفعل إلى مصر، قبل أن يذهب إلى ألمانيا؛ ووفر للموساد قائمة مُفصلة بأسماء العلماء الألمان وعناوينهم، وقدم العديد من أسماء الشركات في أوروبا التي تشحن وتبيع المعدات العسكرية لمصر.
وأرسل أوتو رسائل متفجرة، تسببت في مقتل خمسة مصريين في مصنع الصواريخ العسكرية، بموقع رقم 333، حيث كان يعمل علماء ألمان. وقد نجحت تلك الحملة في دفع العلماء الألمان إلى مغادرة مصر، والعودة لألمانيا، ليتوقف برنامج تطوير الصواريخ المصري بعد عامين من اغتيال كروج.
وفي عام 1975 توفي أوتو في إسبانيا بعد صراع مع مرض السرطان عن عمر يُناهز 67 عامًا. المُدهش أن عددًا من الضباط النازيين حضروا جنازته وألقوا له التحية النازية مُرددين بعض الأناشيد النازية؛ إذ لم يكونوا على علمٍ بعمالته للموساد الإسرائيلي الذي حضر منه مُشرفه مراسم دفنه!