علمنا ونصحنا كبار السن، من أهلنا، ان لا نجرح مشاعر البعض من الناس، حين يقدمون على فعل ما،
مرفوض من قبلنا، خصوصا حين يكونوا تحت تأثير ظروف ربما تكون قاهرة ومفهومة. علمونا ان لا
نقول لصديق ما بشكل مباشر وحاد :(أنك تكذب)! حتى لا نجرحه ونحرجه، بل نقول له مثلا: (ان كلامك
يبدو غير دقيق)، ونحاول تفهم أسباب سلوكه واقناعه لتغيير قناعته وكلامه. ومثل هذا، نقول لصديق
آخر:(ان هناك سوء فهم في معالجتك للأمر)، حين يحاول خداعك أو استغفالك بشكل واضح ومكشوف
بالنسبة لك. وهكذا!
لكن ـ عزيزي القاريءـ، ماذا عن بعض من سياسي الصدفة في العراق ما بعد سقوط صنم الطاغية صدام
حسين؟ أتنفع معهم الدبلوماسية وأساليب اللياقة الاجتماعية، وأنت تجدهم ـ عينك عينك! ـ ، يكذبون في
احاديثهم مع المواطن، يتحايلون، يسرقون، يفسدون و … الخ!
في عراق ما بعد الديكتاتورية، الذي شقى الشعب العراقي وعانى ما عانى، وقدم الالاف من الضحايا
والشهداء في مواجهة النظام البعثفاشي لاجل الخلاص من طغمة البعث واذنابه، وثم ارتضى بعد ذلك ذل
الاحتلال عندما تدخلت قوى خارجية وأطاحت بخنزيرهم ـ كما كانوا يسمون المجرم صدام حسين ـ ،
وتنفس الناس شيئا من الصعداء، فها هو عصر جديد حلموا به يبدأ بلا ديكتاتورية. انها الفرصة الممكنة
لبناء عراق يسع للجميع، عراق ديمقراطي فيدرالي موحد، ثم تجد ان من تسيد كراسي الحكم، وعبر
صناديق الانتخابات التي وضع بنفسه قوانينها، يستغفلك ويستهين بك في كل يوم، وبكل صلافة، تحت
ستار الديمقراطية، في لعبة كريهة وبغيضة أسمها: المحاصصة الاثنية والطائفية، التي لم تجلب للعراق
سوى الكوارث والمزيد من المصائب .
ها هو مجلس النواب العراقي ، الذي يشكك كثيرون في شرعيته اساسا، وفي جلسة يوم 20/1/2025،
يمرر ثلاثة قوانين مختلف عليها نيابيًا وشعبيًا وسياسياً، بطريقة سموها : (السلة الواحدة)!
وما هذه السلة، في حقيقتها، الا لعبة تواطء بمعنى الكلمة، تحت مسمى التوافق، تتحمل مسؤوليته كل
القوى السياسية المتنفذة. أنها إضافة لكونها عملية غير دستورية، كما بين الكثيرون من المعترضين من
داخل مجلس النواب وخارجه، فهي لا يمكن ان تحمل أي اسم غير انها خداع سافر للشعب العراقي. انها
خيانة للثقة ولآمال الناس الذين ينتظرون عراقا آخر حلموا به، عراق المواطنة والمؤسسات القانونية
والدستورية وليس عراق (شيلني واشيلك) !
ان بعض رجال السياسة النافذين، يؤكدون لنا يوما بعد آخر، انهم لا يختلفون مع شركائهم في السلطة،
أيدلوجيا ولا مذهبيا، بقدر ما أنهم يختلفون في أرقام حساباتهم البنكية خارج العراق، حيث تتسرب الى
هناك بطرق، الله وحده عارف بها، الملايين والمليارات من ثروات الشعب العراقي.
يتناسى رجال السياسة المتنفذين المثل القائل، (لا تضع كل بيضك في سلة واحدة)، فمن يحمل هذه السلة
سيتعثر يوما رغم كل احتياطاته، بأحجار الهبة الجماهيرية، التي ستضع الجميع امام القانون الحقيقي،
لسلطة الشعب الحقيقية، حيث لا رحمة للجناة، فجمر انتفاضة تشرين لا يزال يستعر، يغطيه رماد مئات
الشهداء والضحايا.
يتناسى رجال السياسة هؤلاء، المزهوون بسلتهم السحرية، والمستقوون بدعم إقليمي، صرخة الجواهري
العظيم بأن (جراح الضحايا فم)، وان ثمة يوم آت، يصنعه الشعب المقهور، المظلوم، حيث لا ينفع فيه لا
سلال مال ولا جيران ولا بنون!