ربما يمتعض الكثير من مريدي (الرسالة الخالدة والامة الواحدة ) كما سوف يمتعض مريدي الحشود الشيعية بسبب الغيرة من حديثي في هذا المقال الذي يتضمن احداث حصلت للمكونات العرقية والدينية والمذهبية الغير مسلمة في العراق الاتحادي منذ تشكيل الدولة العراقية الى يومنا هذا وربما يتهمني البعض بالانحياز لكوردستان كوني من المدافعين بقوة عن حقوق الشعوب المغبونة في العراق .
لنبدأ مع اليهود العراقيين الذين كانوا من الاصول العراقية دخلوا منطقة وادي الرافدين في 1900 قبل الميلاد ، يهود العراق هم عراقيين اصلاء عاشوا في وادي الرافدين منذ القدم وقد هاجر أغلبهم من العراق سنة 1948، وصودرت أملاكهم وأموالهم فيما بعد، وأسقطت عنهم الجنسية العراقية وكان اليهود يشكلون 2.6 % من مجموع سكان العراق في عام 1947 وقبلها كان تعدادهم اكثر بكثير واليوم لايوجد يهود في العراق رسميا ، اما في كوردستان فاليهود كانوا يعيشون مع شعب كوردستان بروح أخوية واحدة وتوجد الآن مناطق عديدة في كوردستان تحفظ وتحمل أسماءهم وألقابهم ، وأيضاً جاءت موجة أخرى من يهود وسط وجنوب العراق نحو كوردستان بعد عمليات ماتسمى (الفرهود) عام 1941 والتي طالتهم في بغداد والمحافظات الاخرى حيث نكل بهم أبشع تنكيل من قتل علنى وسبيت نساءهم وفتياتهم في وضح النهار.
وقد رحب بهم الشعب الكوردستاني وبقوا لفترة ليست بقليلة في كوردستان وعاشوا مع بقية اليهود الذين كانوا مواطنين كوردستانين، الا ان الحكومة العراقية لاحقتهم في كوردستان واجبرتهم على الرحيل، لكنهم استطاعوا ان يبيعوا املاكهم في كوردستان وتم الحفاظ على نسائهم كون الشعب الكوردي في كوردستان منذ القدم كان شعبا متعايشا متسامحا يحب الحياة يؤمن بالاخر ولم يقبل بعمليات الفرهود على اي مكون .
اما بالنسبة للمكون المسيحي الكلداني والسرياني والاشوري فتعود هجرته من العراق إلى الثلث الاول من القرن العشرين بسبب عدد من المجازر بحق المسيحيين فمجزرة سميل ومجزرة صوريا ومجازر اخرى كثيرة بحق المسيحيين دفعتهم الى الهروب من الدولة العراقية.
نبدأها ب مذبحة سميل( مجزرة سميل) وهي مذبحة قامت بها الحكومة العراقية بحق أبناء المسيحيين في كوردستان في عمليات تصفية منظمة بعهد حكومة رشيد عالي الكيلاني ازدادت حدتها بين 8 من اب الى -11 آب 1933.
يستخدم المصطلح (المذبحة) لوصف ما حدث من مجازر وإبادة عرقية في بلدة سميل بالإضافة إلى حوالي 63 قرية مسيحية في لواء الموصل آنذاك (محافظتي دهوك ونينوى حاليا)، والتي أدت إلى موت حوالي 600 شخص بحسب مصادر بريطانية، وأكثر من 3,000 مسيحي بحسب مصادر أخرى.
وكانت هذه المذبحة من السبب الاساسي لهروب المسيحيين من موطنهم الاصلي العراق ، وفي تاريخ 16/9/1969 الموافق في صباح يوم الثلاثاء وقعت مذبحة اخرى بقرية صوريا المسيحية والشخص المسؤول عنها كان الملازم الثاني عبد الكريم الجحيشي أحد أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان في ذلك الوقت مفرزة تمر لتفتيش قرى تلك المناطق وكانت منها قرية صوريا بعد أن أكملت المفرزة تفتيش القرية كانت في طريقها لمغادرة المدينة الا ان لغما ارضيا انفجر على إحدى مدرعات المفرزة فتوجهت انظار الملازم الجحيشي نحو أهالي صوريا واتهمهم بانهم هم من وضعوا الالغام فداهم القرية واخذ سكانها ووضعهم في إحدى الحظائر فقام بقتلهم وقتل في ذلك اليوم 38 شخصا بينهم اطفال ونساء وجرح 22 ودفنوا هناك وثم قامت المفرزة باحراق القرية وبذلك زادت هجرة المسيحيين من موطنهم الاصلي.
ولكن في غالبية حالات الهجرة كان المسيحيين يلجأون الى منطقة كوردستان وكان الشعب الكوردي والكوردستاني يرحب بهم ويعاملهم بلطف وخصوصا بعد تسعينيات القرن الماضي وظهور الحملة الايمانية والتطرف في العراق ، وفي المقابل في عام 1991 أنشئت في كوردستان منطقة حظر الطيران بعد حرب الخليج الثانية، مما اصبحت كوردستان ملاذًا آمنًا للجميع، وغدت المنطقة مستقلة ذاتيًا بحكم الواقع وقد لجأ اليها الكثير من المسيحيين .
ثم عادت ظاهرة الهجرة بوتيرة متسارعة بشكل كبير بعد عام 2003 من داخل محافظات العراق وما رافقه من انتشار لمنظمات متطرفة شيعية وسنيّة ، وعلى سبيل المثال في الاول من آب 2004 تعرضت خمس كنائس للتفجير في ان واحد، وقد استمر مسلسل تفجير الكنائس ولم يتوقف وتطور بحيث شمل كل ما هو مختلف عن من كان يقود عصابات التطرف الديني، وكذلك تعرضت النساء المسيحيات إلى التهديد إذا لم يقمن بتغطية رؤوسهن على الطريقة الإسلامية، وحدثت عمليات اغتيالٍ لعدد من المسيحيين بشكل عشوائي .
وفي سنة 2014 تزايدت الهجرة بشكل كبير مع دخول داعش الارهابي المجرم الى المناطق التي كان يسكنها المكون المسيحي في سهل نينوى ومدينة الموصل حيث تناقصت نسبة المسيحيين في العراق الى بضعة مئات من العوائل والباقين اما لجأوا الى كوردستان او هاجروا الى خارج العراق ، وما زال العدد الكبير من مسيحيي الموصل وبغداد وجنوب العراق يعيشون في اقليم كوردستان معززين مكرمين مواطنين من الدرجة الاولى ، واقولها ( كشهادة لله ) لولا اقليم كوردستان وعائلة البارزاني لما بقي مسيحيي في العراق وخصوصا في مناطق سهل نينوى موطن الاباء والاجداد للمسيحيين، كون داعش احتل جميع المناطق المسيحية في سهل نينوى لكن قوات البيشمركة البطلة اعادتها واعادت اليها الحياة لكن بعد احداث تشرين الاول 2017 عادت الكرة مرة اخرى لتهجير المسيحيين من مناطق سهل نينوى ولكن ضمن ظروف سياسية مختلفة حيث دخلت الحشود الشيعية الى عدد مناطق سهل نينوى والتي اضطر اهلها المسيحيين الى الهجرة مرة اخرى الى كوردستان بسبب التصرفات الغير مسؤولة التي كانوا يقومون بها افراد تلك الحشود، وانضمام اعداد مِن مَن كانوا سابقا مؤيدين لداعش في فترة احتلاله لتلك المناطق الى صفوف تلك الحشود والتي قدمت بدبابات برامز الامريكية وحصل انفلات امني وجمع اتوات مما اضطر اهلها للبقاء في اقليم كوردستان وعدم العودة الى يومنا هذا.
اما بالنسبة للايزدية والكاكئية فهم كورد ومصيرهم مرتبط بمصير كوردستان وهي ملاذهم الامن .
في الختام رسالتي الى اهلي واخوتي المسيحيين والايزدية والكاكئية والصابئة المندائيين والشبك وابناء الزردشتية
( لقد كنتم منذ القدم بناة حضارة في العراق ومنذ تاسيس الدولة العراقية كان لكم فضل كبير في بناء العراق كونه بلدكم ، لكن هذا البلد تخلى عنكم وترككم فريسة سهلة للمتطرفين والشوفينيين وبعض السياسات المنفردة لاشخاص تسنموا مناصب عالية في الدولة العراقية الاتحادية ولم يبقى منكم في العراق الا العدد القليل ولتكن وجهتكم (كوردستان الخير) التي حمتكم من تطرف داعش الارهابي وتحميكم من جميع السياسات الاحادية الموجهة ضدكم …)
فكوردستان ملاذكم الامن جاهدوا مع اخوتكم الكورد لتطويرها وازدهارها كونها دولتكم المستقبلية اذا اردتم البقاء والعيش الكريم .
والله من وراء القصد
لؤي فرنسيس
في التاسع والعشرين من كانون الثاني 2019