الجمعة, مارس 14, 2025
Homeمقالاتكيفما تكونوا يولى عليكم: هل الفساد في العراق نتاج حكام أم انعكاس...

كيفما تكونوا يولى عليكم: هل الفساد في العراق نتاج حكام أم انعكاس لمجتمع فقد بوصلته؟: د. سعيد بير مراد

“كيفما تكونوا يولى عليكم”، مقولة تنسب إلى الخليفة عمر بن الخطاب، تحمل في طياتها جدلية عميقة حول العلاقة بين الشعوب وحكامها. ولكن، هل يمكننا اليوم أن ننظر إلى هذه العبارة كمجرد حكمة تاريخية، أم أنها باتت واقعًا يوميًا يُجسد مأساة العراق السياسية والاجتماعية؟

هل الفساد الذي يعصف بالبلاد مجرد نتاج حكام جشعين ينهبون المال العام بلا رادع، أم أن المجتمع ذاته يعاني من حالة من الانحلال الأخلاقي والقبول الضمني بهذه الظواهر، مما أفرز طبقة سياسية تعكس طبيعة المجتمع ذاته؟

الفساد في العراق: منظومة حكم أم ثقافة شعب؟

لطالما اعتُبر الفساد في العراق سرطانًا ينخر في جسد الدولة، لكن المشكلة لم تعد مجرد قضية سياسية أو اقتصادية، بل تحولت إلى ثقافة سائدة ومتجذرة في مختلف مستويات المجتمع.

ما بعد 2003، لم يُبنَ العراق الجديد على أسس القانون والمواطنة، بل على المحاصصة الطائفية والعرقية، مما جعل الفساد ليس مجرد انحراف، بل قاعدة تُدار بها الدولة. مشاريع وهمية، عقود فاسدة، وزارات تُباع بالملايين، وخدمات تُسرق دون محاسبة، هذه ليست مظاهر عابرة، بل هيكلية حكم متكاملة.

لكن السؤال الأكثر جرأة هنا: هل الحكام وحدهم هم المسؤولون عن هذه الفوضى، أم أن الشعب قد قبل، بل وتورط في هذا النمط من الفساد؟

المجتمع العراقي: شريك في الجريمة أم ضحية للاستبداد؟

لا شك أن الشعب العراقي عانى من أنظمة دكتاتورية، وحروب مدمرة، وعقوبات اقتصادية أثقلت كاهله. لكن هل هذا التاريخ يبرر التحول إلى مجتمع متورط في تكريس الفساد؟

الواقع يقول إن الرشوة أصبحت أسلوب حياة، والوساطة طريقًا للحصول على الحقوق، والطائفية والعشائرية معيارًا للانتماء. بل إن الكثير من المواطنين لم يعودوا يرون الفساد كجريمة، وإنما كوسيلة للبقاء في نظام لا يوفر لهم أي ضمانات.

هل يمكننا أن نلوم القادة فقط، في حين أن المجتمع ذاته يمارس الفساد على مستوى أفراده، من دفع الرشاوى لإنجاز معاملة إلى التحايل على القوانين، إلى انتخاب نفس الفاسدين بدافع المصالح الضيقة؟

انهيار القيم: بين الأخلاق والسياسة

لم يقتصر الفساد على الجانب المالي أو الإداري، بل امتد إلى عمق القيم الاجتماعية والأخلاقية. ارتفاع معدلات العنف، ازدياد نفوذ المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون ، تفشي المخدرات، تراجع التعليم، كلها مؤشرات على أزمة أخلاقية خانقة.

كيف يمكن لمجتمع يسمح بانتشار هذه الظواهر أن يفرز حكامًا نزيهين؟ هل يمكن لشعب يعيد انتخاب الفاسدين مرارًا أن يتحدث عن الإصلاح؟

إذا كان المجتمع العراقي عاجزًا عن إصلاح نفسه من الداخل، فكيف يمكن أن نطالب بحكام مختلفين؟

“كيفما تكونوا يولى عليكم”: هل هي قدر حتمي أم دعوة للتغيير؟

هذه المقولة ليست مجرد حكمًا على الواقع، بل هي فرصة لإعادة التفكير. إذا كان العراق يعيش في حالة من الفوضى، فذلك ليس فقط بسبب سياسيين فاسدين، بل لأن المجتمع نفسه بحاجة إلى ثورة قيمية تعيد له إحساسه بالمواطنة والمسؤولية.

الإصلاح لا يبدأ من قاعات البرلمان، بل من المنزل والمدرسة والشارع. لا يمكن للعراق أن يخرج من دوامة الفساد ما لم يبدأ أفراده بإعادة النظر في دورهم في هذه الكارثة.

خاتمة: هل نحن مستعدون للاعتراف بالحقيقة؟

قد يكون من السهل إلقاء اللوم على الحكومات المتعاقبة، لكن الحقيقة الأكثر إزعاجًا هي أن العراق يعاني من أزمة أخلاقية قبل أن تكون سياسية. الفساد ليس فيروسًا جاء من الخارج، بل هو مرآة للمجتمع ذاته.

إذا كنا نريد عراقًا مختلفًا، فعلينا أن نكون مختلفين. تغيير الواقع لا يبدأ بإسقاط الحكومات فقط، بل بإسقاط ثقافة القبول بالفساد والتواطؤ معه.

فالسؤال الأهم اليوم ليس: “متى ينتهي الفساد؟” بل: “هل نحن مستعدون لإنهائه فعلًا؟”

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular