الإثنين, مارس 17, 2025
Homeابحاثمرور 193 عاما على فرمان الامير محمد الراوندوزي الاعور لاباده الايزيديين في...

مرور 193 عاما على فرمان الامير محمد الراوندوزي الاعور لاباده الايزيديين في 3/9/ 1832ج 1: ب. د. خالد محمود خدر

نظرة تمهيدية وتحليلية للأسباب والحجج المفتعلة التي استغلها الامير محمد راوندوزي في حمله إبادته للإيزيدية سنة 1832

في سنة 1969 نشر جمال نه به ز كتابا عن امير امارة سوران محمد الراوندوزي او كما يسمى بميري كورا أي الامير الأعور ، وهو بالأصل أطروحة ماجستير باللغة الفرنسية قدمها المؤلف الى احدى الجامعات الفرنسية في نهاية الستينات من القرن الماضي ، تناول فيه سيرة حياته منذ أن اغتصب كرسي الإمارة من والده ، اشار فيه الى ان ميري كوره بعد أن تكهن بأن والده سيعمر طويلا ، قام بالايعاز الى حاشيته بفقء عينيه بقضيبا اي سفودا حديديا حارا إلى درجة الاحمرار، فأعمي الأب في الحال واستلم الابن الحكم ، وكان حكمه قاسيا متشددا أي دكتاتوريا بلغه اليوم.
ولكن الدكتور جمال نه به ز لم يشر في كتابه هذا إلى حملة الامير محمد لإبادة الايزيديين ، الا قليلا جدا وجاء ذلك بشكل غير مباشر لا يتعلق بالابادة ، كما سيرد في هذا المقال ، مع ان هذه الحملة سمع بها القاصي والداني، وكتب عنها العشرات من الكتاب محليا ودوليا

في الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين الإمارات الكردية المتجاورة في زمان الامير محمد جيده جدا مثل العلاقه بين امارتي الايزيدية و امارة بهدينان التي كان مقرها مدينة العمادية بالاضافة الى امارة بابان في السليمانية , فإن علاقة إمارة سوران في فترة أميرها محمد لم تكن كذلك ، مع الإمارات الكردية المجاورة لإمارته مثل امارة بهدينان وامارة الايزيدية و امارة بابان ، والسبب يعود لأطماعه في غزوهم ، بدليل أنه كان يحاول أن يستغل أية فرصة مواتية له للسيطرة على هذه الإمارات ، مثل ما قام بغزو الإماراتيين الأوليتين ومحاولته غزو الثالثة ، مما يؤكد عدم وجود أي طموح قومي لديه ، بخلاف ما يراه مترجم كتابه هذا من الفرنسية إلى اللغة العربية ، بدليل حملته لإبادة الايزيدية الذين ينتمون غالبيتهم للقومية الكردية ، إضافة إلى قبوله تعاون عشيرة الطي العربية معه في غزوا ايزيدية منطقة اسكي كلك القريبين لمنطقه سكناهم ، كما سنرى لاحقا ، في نفس الوقت الذي كانت له علاقة قوية بـ داؤد باشا آخر ولاة بغداد من المماليك. ولم يعرف عن ميري كورا غير تزمته الديني وقسوته البالغة و تعطشه الدموي لإشباع طموحه الفردي على حساب هذه الإمارات وسكانها. يشير المؤرخ محمد امين زكي في كتابه خلاصة تاريخ الكرد وكردستان ، ان الشعور القومي بتاسيس دولة لهم بدأ عند الكرد بعد الحرب العالمية الاولى واعلان الرئيس الأميركي ولسون لمواد مبادئ حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، لشعوب الدولة العثمانية المنهارة ، التي بدأت وفودها او ممثليها بعد نهاية هذه الحرب بالحضور إلى باريس لتقديم طلباتها لمؤتمر فرساي لنيل هذه الحقوق ، ومنها ممثلين عن الشعب الكردي والعربي والارمني.

كان تربط أمير بهدينان محمد سعيد باشا علاقة قوية مع امير الايزيدية علي بك ، بينما كانت علاقته متذبذبة مع رئيس عشيرة المرورية الواقعة ضمن مناطق نفوذه وتحت سيطرته والمجاورة لإمارة الايزيدية ، وكان علي بالتي رئيس فخذ الكوشي من هذه العشيرة كثيرا ما يوجه الى امير بهدينان تهمة التآمر سراً مع امير الايزيدية للإيقاع به . والخلافات القائمه بين الامير البهديناني ورئيس العشيرة المزوري تعود بتاريخها الى سنين سابقه ، ولكن عندما احس رئيس العشيرة بضعف الأمير البهديناني استغل الفرصة واعلن مع الكثير من افخاذها خروجها عن طاعته وامتنع الكثير من أفرادها عن دفع الضرائب للإمارة ومنهم علي اغا البالتى نفسه ، الذي قام بعدها بالاغارة على قرى الشيخان واخذ الاتاوة بقوه السلاح من أهاليها الايزيديين والمزوريين ، فاشتكى هؤلاء إلى أمير بهدينان.

سبق لأمير الايزيدية علي بك وبرفقته حاكم عقره اسماعيل بك ( شقيق أمير بهدينان) أن قاما بزيارة علي اغا البالتي فى قريته بالته وهو محملا بهدايا ثمينة له ، تعبيرا له وتاكيدا منه على حسن نواياه تجاهه.
وبعد فترة طلب اسماعيل بك حاكم عقرة من علي اغا البالتي بأن يرد الزياره للامير الايزيدي تأكيدا للاحترام وفق العرف العشائري السائد . ولكن يبدو ان علي اغا البالتي كان يشك في أن يكون الطلب منه ، بالقيام بهذه الزيارة ، يحمل مكيدة من أمير بهدينان للتخلص منه ، لذلك رفض الزيارة . وبعدها وجه علي بك امير الايزيدية الدعوه الرسميه ل علي بالتي لحضور حفلة ختان ولده ، وأنه ينوي ان يكون ختانه في حجره أي يتخذ منه كريفاً بمعنى اخاً فى الدم وفق العرف الايزيدي السائد في كل زمان ، تعبيرا عن عمق التقدير والاحترام له ، كما هو ذلك مع كل من يتخذوه كريفا. ولما كانت الكرافه موضع قدسية واحترام الايزيدين وهي تمثل في نفس الوقت أداة انسانية واجتماعية ل عقد العهود والمواثيق مع جيرانهم ، لذلك خفت شكوك البالتيى ، ولبى أثر ذلك دعوة الأمير وبصحبته ابنه سنجان آغا وخمسة من رجال حاشيته الموثوق بهم. توجه علي البالتي الى باعذرة مقر الامارة الايزيدية في يوم من أيام شتاء عام 1831 رغم بقاء شكوكه بمكائد أمير راوندوز والنوايا المتوخاة من الدعوة قائمه في اعماقه للعلاقة الوطيدة بين اميري بهدينان والايزيدية ، بدليل وضعه لجميع مرافقيه فى حالة تاْهب قصوى تحسباً لكل طاريء . وعندما وصل الى قصر الامارة الايزيدية في باعذرة ، كانت ايادى رجاله على مقابض الخناجر ، ولكن بعد مضي وقت قصير فاجأ ويسى آغا على اغا البالتي بحقيقة الأمر من الدعوى ، وهي حقيقة من صنع خياله او بالاحرى مكيدة من مكائده كما سيتبين لاحقا ، ونشبت معركة دامية في الحال . تشير المصادر إلى أن ويسى اغا كان هو واسماعيل بك حاكم عقرة وامير بهدينان والبعض من حاشيه علي بالته في تنسيق مسبق بخطوات تنفيذ هذه المكيدة وتحميل مسؤوليتها امير الايزيدية.

وهنا يطرح السؤال التالي نفسه : لماذا فاجأ ويسي اغا علي اغا البالتي بما يعرفه عن حقيقة الأمر من الدعوى وهو في داخل قصر الامير الايزيدي وليس قبلها ليتدارك عقبى نتائج ما يتمخض عنها ، وان حقيقة أمر كهذا ، إن كان فيه مصداقيه ، لم تأتي من معرفة ويسي اغا ذلك فقط قبل لحظات من اعلامه البالتي، مع عدم وجود اي مؤشر على ذلك في دار الأمير الايزيدي (الذي كان تملؤه البهجة والفرح بمناسبة طهور ولدهم ) ، بل ان حقيقة الأمر تأتي من معرفة ويسي اغا لأمر المكيدة قبل ايام او اسابيع من لحظة مفاجئته علي بالتي بذلك ، وبالتالي يمكن القول أنه إذا كان ويسي اغا يريد للبالتي الخير ، فإنه كان الاجدر به ان يجنبه الوقوع في مكيدة لا تسر أحدا ، وإلا فلا يفهم من اعلامه او بالاحرى تضليله، الا الايقاع بينه وبين علي بك واغراق كلاهما في حمام دم ينعكس أثره إيجابا على ويسي اغا ومن يقف ورائه بدأ من أمير بهدينان واسماعيل بك بالخلاص من علي بالتيي ،تبعد الشبهة عنهم.

إن ما يعزز براءة الامير الايزيدي علي بك ان الوضع كان طبيعيا في داره سواء على مستوى افراد عائلته او رجال حاشيته ، و إن مراسيم المناسبة من الاحتفاء فرحا بالحضور كانت تطغى على وجوه جميعهم ، بما فيه رجاله الذين كانوا دون تهيأ لأي شيء غير ما شغلوا به من فرح و تقديم واجب الضيافة لكريف الامير الجديد ورجاله.

ان أمر المكيدة يتعارض مع مبدأ ومفهوما الكرافة عند الايزيديين ، علما بأنه لا يوجد من عداء مسبق بين كلاهما ليتطلب المباغتة وفي موقف ليس في محله ،
خصوصا إن الكرافة كانت ولا تزال تحمل عند الايزيديين معاني كبيرة تصل لحد القدسية مع عقد أي رابطة كرافه او تآخي جديده ، مع ملاحظة انه لا يوجد في ما يتناقله الايزيديين في تراثهم المتناقل شفويا بينهم عبر الأجيال ، ما يشير الى ذلك او ما يشير الى طلب الامير مسبقا منهم بأن يعدوا العدة لحادث كبير ، إذا كان يحمل نية مسبقة للغدر ، وهي صفة أصلا ليست من خصال الايزيدية دينا ومجتمعا ناهيك عن معرفتهم وادراكهم لحدود موقعهم الخاص في علاقات الإمارات مع بعضها مقارنه بالاخرين ، ويبدو ان الكل استغل صغر عمر الامير علي بك وكان حينها شابا يافعا لا يفقه بعد احاييل واحابيل وخطط سياسي زمانه من الجيرة مع بعضهم البعض ، خصوصا ان الايزيدي بطبعه لا يحمل الحقد وﻻ يضمر الشر للاخرين بل يلاحظ كثيرا ان ما يحصل هو العكس ، حيث توقعه نيته الطيبه مرارا بمكر و غدر الاخرين واخرهم الدواعش الأشرار من جيرانهم في سنجار الذين كانوا بالامس كرفانهم المتآخين معهم عندما شاركوا في حملة ابادتهم سنة2014.

وقدر تعلق الأمر بالموضوع أضيف أنه بعد مضي قرابه الخمس والسبعين عاما ،على حملة ابادة ميري كوره للايزيديين ، التقى الأمير اسماعيل بك جول وهو حفيد الامير علي بك مع حفيد الأمير محمد الراوندوزي بالصدفة ، إذ كان الامير اسماعيل لك جول في طريقه الى استنبول لمقابلة السلطان العثماني لاستعادة الرموز الايزيدية (النواشين) التي استولى عليها ﻻحقا الفريق عمر وهبي باشا في حمله ابادته هو اﻻخر على اﻻيزيديه سنه 1892. امضيا الامير اسماعيل بك وحفيد امير راوندوزي فترة غير قصيره في السفر معا وتبادلا الهدايا قبل أن يفترقا كل لغايته ، ولم يدر بينهما من حديث يذكرهما بما دار من حرب إبادة قبل سنين ، كما ورد ذلك في كتاب اسماعيل جول حول الايزيديه.

عندما ادى ويسي اغا مهمته وابلغ علي بالتيي بما سماه بحقيقه المكيدة ، قبل الاخير الامر كحالة واقعه مسلم بها ، دون ان يبدي اي محاولة للتأكد من حقيقة ما سمعه ، كما يقتضي اﻻمر عليه كرئيس لفخذ من عشيرته ، وامين على مستقبلهم ومستقبل جيرانهم وعموم منطقته و يكون لنتائج قراره آثارا قد لا يمحوها التاريخ خصوصا اذا ترجم الموقف إلى لغة الناروسفك الدماء ، ليذهب ضحيتها الالاف المؤلفه من الأبرياء. هكذا و رغم وجود شكوك مسبقه ل علي بالتيي بنوايا امير بهدينان وان ويسي اغا احد رجاله المقربين. ، فإن بادر وعلى الفور بمحاولته لقتل علي بك امير الايزيديه وفي عقر داره ومركز امارته وبين عائلته واقاربه ورجاله ، ولكن محاولته إصابة خادمه ثم استطاع البالتي ان يقتل ويسى اغا احد اكبر المخططين لقتله ( وهذا ما يؤكد للقاريء ان البالتي قتل ويسي اغا بعد ان احس بانه قد خدعه مرتين ، مرة عند افتعال الحدث او على الاقل اعلامه به كوشابه كاذبه وليس كحقيقه مؤكده (أي انه امر دبر بليل) وثانيه عندما جره في لحظه تعصب ورد فعل لقتل الامير الايزيدي فأصاب خادمه ) ، واثر ذلك دخل الكل ممن تواجد في قصر الأمير في معركة دامية اسفرت عن قتل على اغا وابنه والكثير من مرافقيه داخل القصر وخارجه.
هكذا قتل هؤلاء فى قصرالامارة الايزيديه في باعذرة وبتدير (كما يتبين من وقائع الامور) من دابره امير بهدينان محمد سعيد باشا الذي عين لإطلاق ساعة الصفر له ويسي اغا وشاءت المقادير او لنقل اراده مدبريها أن تكون بايدى الايزيدين ومشاركة بعض وجهاء المزورين

وبمناسبة الحديث عن ضرورة التروي من علي بالتي للتأكد من مصداقية ما أسره له ويسي اغا ، اشير الى انه وبعد قرابة الاربعين عاما من حملة الإبادة على الايزيدية من قبل اميرامارة سوران محمد الراوندوزي بحجة الاخذ بثار علي بالتي ، فإن ولاية بغداد كانت بيد مدحت باشا الذي كان ايضا مسوؤلا عن الولايتين العثمانيتين (الموصل والبصره) اضافه الى بغداد باعتباره واليا بثلاث اشرطه أي إنه والي بدرجه وصلاحيات عليا . صادف أن جاء الوالي مدحت باشا ذات يوم من ايام سنه 1870 الى الموصل لتفقد احوالها ، وعند وصوله للمدينة وجد فرقة من الجند على اهبة الاستعداد للتحرك باتجاه منطقة سنجار ، وعندما سئل عن سبب ذلك ، اجابه واليها ونقلا عن رجال من منطقة تلعفر اسروا له بان ثلاثه من تجار او جزاري الموصل أخذوا طريقهم باتجاه الجزيره مرورا بمحاذاة مناطق الايزيديه وذلك لشراء المواشي ، وهنا صادف ان التقى بهم اثنين من ايزيديه سنجار الذين قالوا للجزارين بأننا مستعدين لبيعكم ما تحتاجونه من المواشي بأسعار أقل مما يبيعكم أهل الجزيرة ، فما كان من الجزارين الا التوجه معهم الى حيث توجد مواشي هؤلاء ، وهناك يبدوا ان هذين الاثنين من ايزيديه سنجار قد دخل الغدر والطمع في قلبيهما (وفقا لما اورده السيد وهب محمد يونس السيد عبدالله في كتابه: تاريخ تلعفر قديما وحديثا ، الجزء الاول ،مطبعة الجمهورية ، بغداد ، 1967) ، فقاما بقتل التجار الثلاث والاستيلاء على اموالهم .وعندما علمت سلطات الموصل العثمانيه بذلك الحدث ثارت ثائرتها وقررت الانتقام من جميع أهل سنجار الإيزيدية العزل ونهب اموالهم و ممتلكاتهم وسبي نسائهم واعدت لذلك فرقة عسكرية مع استنفار العشائر المحاذية لسنجار لمعاونتها في ذلك .وبعد أن سمع الوالي المصلح مدحت باشا بتفاصيل القضية ، أمر في الحال من والي الموصل باعادة الجيش الى ثكناته والايعاز للعشائر المعنيه بالرجوع الى مضاربهم. بعدها وجه كلامه لوالي الموصل قائلا: هللا يجوز بمحاسبة وقتل جميع اهالي سنجار من الايزيديه بحجة قيام اثنين من النفر الضال منهم بجريمة قتل إن كانوا قد قاموا بالقتل اصلا ، واضاف بان الأصلح لذلك هو أن يوجه انذار تحدد مدته الى عشائر سنجار الايزيديه بوجوب تسليم الرجلان الإثنان المتهمان بقتل الجزارين الثلاث مع اعطائهم الضمان بمحاكمه عادله لهما وفق القانون، وكذلك منح الضمان بعدم مهاجمة تلك العشائر الايزيديه وعدم تحميلها عواقب ذلك. اما اهالي سنجار، فعند وصول من ابلغهم بذلك وإقناعهم بصدق نوايا الوالي مدحت باشا بادروا بتسليم الرجلان المتهمان بحادث القتل ، و انقذ الوالي مدحت باشا بحكمته اهل سنجار من حمله عسكريه كانت ستطال جميعهم دون مبرر. وبذلك أضاف مدحت باشا مأثرة أخرى إلى مآثره المشهورة التي عرف اثرها بالوالي المصلح ، وهو الذي دفع بعدها وبسببها حياته خنقا بعد عزله ونفيه الى الجزيرة العربية من قبل السلطان العثماني عبد الحميد وذلك لتمسكه بتطبيق الدستور المأخوذ عن دساتير فرنسا والنمسا عندما أصبح صدرا أعظما أي رئيسا للوزراء في الدولة العثمانية.
كم كان علي اغا البالتي بحاجة إلى الصبر والتروي ، مثل الوالي مدحت باشا ، ليتأكد من مصداقية ما سمعه من ويسي اغا كي لا يقع كل ما وقع ، ولكن يبدو أن ذلك حصل منه بعد فوات الاوان.

بعد مقتل علي اغا البالتيى وابنه ، بدأ ابن اخيه الملا يحيى المزوري بالمطالبه بدمه كرئيس فخذهم ، فقصد أمير بهدينان محمد سعيد باشا التي كانت الواقعة مدبرة من قبله ، فلم يستمع إليه وطرده ولجأ بعدها الى أخيه حاكم عقره الذي طرده ايضاً بل والقى اللوم على المقتول ، وزيارات الملا يحيى هذه قطعت الشك باليقين لديه بان قتل رئيسهم كانت مؤامره من امراء بهدينان، لتصل اهداف الامير البهديناني الى كسر شوكة العشيره المزوريه بقتل زعيمها التى لم تعد تخيف احد بعده بدليل قيام احد خدم الأمير البهديناني محمد سعيد باشا بالاعتداء على الملا عبد الرحمن بن الملا يحيى وقتله وهذه الحادثة تحديدا هي التي عجلت في تفاقم الأمور، فقرر الملا يحيى المزوري بعدها استخدام نفوذه ومكانته كرجل دين للانتقام من امراء بهدينان ولكنه بدلا من ان ينتقم من هؤلاء الأمراء صب جام غضبه وسخر كل طاقاته للانتقام من الامارة الايزيدية ثاْراً لولده وعمه ، ويبدو انه وجد فيهم ما قد يسيل له لعاب الطامعين من الولاة والأمراء الكرد طمعا في الدنيا وارضاء لفتاوى رجال الدين او وفقا لها والتي أخفق في بعض محاولاته كما يتبين ، ولكنه وصل الى ما اراده ونفذ كل حقده في آخر الأمر وجعل من الايزيديين كبش فداء لذلك ، كما يتبين في الجزء الثاني من هذا المقال.

التجاْ الملا يحيى المزوري بداية الى والى الموصل الذي طرده ايضا . وهنا يطرح السؤال التالي نفسه: لماذا لم يشفع للملا يحيى جميع من طرق بابهم للانتقام من مقتل عمه ولماذا لم يبادروا الى محاربة علي بك! الا يعني هذا أنهم كانوا على معرفه مسبقه بتفاصيل الحادث وأسبابه الحقيقية ومن افتعله والغاية من افتعاله ، لينتهوا أخيرا بتيجة مفادها انه ليس من السهل إلقاء التهمه بالكامل على الامير الايزيدي علي بك وتحميله مسؤولية كل ما حدث وبالتالي أعفوا أنفسهم من مهمة لم يجدوا فيها ضما يبرر قيامهم بالانتقام من امير ايزيدي لمقتل ثلاث او اربعه اشخاص وجر المنطقه كلها الى خلاف تعرف نهاياته بإطلاق سعير حرب لا ينتفع منها الا الشرير .

اما الملا يحيى ، و بعد رفض والي الموصل ايضا تلبية طلبه ، قد أخذ طريقه الى بغداد ليلجاْ الى واليها داؤد باشا وبث اليه شكواه من قتل امير الايزيدية لعمه بطريقة يصفها بالخيانه دون الإشارة إلى التفاصيل والحيثيات ، و كي يحرضه على محاربة امير الايزيديه ،نقل اليه زورا وبهتانا جمله ما يعانيه المسلمون من الظلم (!!) على ايدي الايزيديين ، ووقتها كان الوالي داؤد باشا مشغولا بمشاكله مع منافسيه على كرسي باشويه بغداد من المماليك وغيرهم، وتم على اثرها بعد فتره قليله عزله من منصبه من قبل السلطان العثماني لينهي به فتره حكم المماليك لها ،ومن جمله اسباب العزل بالمناسبه ،كان فساد ادارته لولايه بغداد وتقصيره في فتره فيضان دجله واباده ثلثي سكانها بتفشي الطاعون بينهم ( كما يرد ذلك في احد اجزاء كتاب لمحات اجتماعيه من تاريخ العراق للدكتور علي الوردي ) . وفي ما يخص الملا يحيى المزوري فقد اكتفى داود باشا بتزويده بكتاب إلى أمير راوندوز محمد باشا ( الذي كان على علاقة قوية معه) يطلب فيها مساعدة الملا يحيى و تحقيق مطلبه وانصاف المسلمين من الايزيديين !!!.

شد الملا يحيى رحاله بعدها الى راوندوز واستقبله اميرها محمد باشا بصحبة مفتيه محمد ختي (نسبه الى قريه قريبه من راوندوز) بكل ترحاب. ومما ساعد على زيادة النار لهيبا انه فى هذا الفترة تحديدا حصل خلاف بين كل من امير اماره بهدينان محمد سعيد باشا وعمه موسى بك ، الامر الذي دفع بالاخير الى اللجوء الى الامير الراوندوزي ميري كوره نفسه طالباً منه اعانته على اولاد اخيه.
فوجد ميري كوره ضالته في الملايحيى المزوري وموسى بك البهديناني وهو الذي كان يبحث مع نفسه مسبقا على مبررات لغزو امارتي الايزيدية وبهدينان ، فكان ان لبى الأمير طلب الأخيرين ووعدهم بتحقيقها وهي المطالب التي تتماشى مع طموحاته الجنونيه وتزمته الديني ، ونزعته العدوانية تجاه كل الإمارات الكردية المجاورة له وقتها.

اما تفاصيل حملة امير راوندوز لإبادة الايزيديين التي أدت الى استشهاد مائه الف ايزيدي بدم بارد وسبي اضعاف هذا العدد من النساء ، فستكون في الجزء الثاني.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular