الأربعاء, مارس 26, 2025
Homeاخبار عامةبغداد عاصمة السياحة العربية 2025.. فرص وتحديات!

بغداد عاصمة السياحة العربية 2025.. فرص وتحديات!

قطاع مهمل لعقود، ولم يتم الاهتمام به من قبل الأنظمة الحاكمة. قد تكون السياحة مصدرا لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط. السياح الغربيون تصدّروا العناوين في العراق، لكن العرب على الأرجح من سيُسهمون في انتعاش القطاع.

بوابة عشتار
ستة مواقع مُدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وسكان يشتهرون بكرم ضيافتهم الاستثنائي، فضلًا عن معالم طبيعية وآثار تاريخية تعود إلى آلاف السنين.صورة من: Anmar Khalil/AP/picture alliance

في  وسط بغداد ، ألقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني  كلمة حول السياحة. تحيط بالمكان مبان تاريخية يرغب السياح في رؤيتها عند زيارتهم: مسجدان يعودان إلى قرون مضت، وإحدى أقدم الجامعات في العالم العربي، وقلعة عمرها ثمانمائة عام، وأقدم كنيسة في المدينة، والمقر السابق لحكومة بغداد خلال العهد العثماني.

لكن المنطقة المحيطة بشارع السراي تحمل أيضًا آثار التاريخ الحديث للعراق، وهو ما أبقى السياح بعيدين لسنوات. فعلى بعد مسافة قصيرة من الشارع يقع شارع المتنبي، حيث انفجرت سيارة مفخخة في عام ألفين وسبعة، مما أدى إلى مقتل ثلاثين شخصًا وتدمير جزء كبير من هذا الشارع الشهير بباعة الكتب. وفي عام ألفين وتسعة عشر، تحوّل شارع الرشيد القريب إلى خط مواجهة خطير، حيث اندلعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

لكن الأمور تغيّرت كثيرًا خلال السنوات الخمس الماضية؛ إذ شهد  العراق فترة طويلة من الهدوء والأمن النسبي. ولهذا السبب، يحتفل المسؤولون العراقيون في هذه الأمسية من أواخر شهر شباط/ فبراير بانطلاق عام بغداد كعاصمة السياحة العربية لعام ألفين وخمسة وعشرين، وهو لقب تمنحه سنويًا منظمة السياحة العربية، التابعة لجامعة الدول العربية.

رتبت صفوف من الكراسي البيضاء المخصصة للشخصيات الأجنبية أمام شاشة كبيرة، بينما تضيء الكشّافات سماء المكان، وتحلّق الطائرات المُسيّرة فوق الحضور، وفي وقت لاحق، تؤدّي فرقة موسيقية على المسرح أغانٍ فلكلورية عراقية.

وقال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، خلال تسلّمه مفتاحًا رمزيًا كبيرًا من شخصيات تمثل سلطنة عُمان، التي كانت عاصمة السياحة العربية لعام ألفين وأربعة وعشرين: “بفضل تضحيات شعبه، استعاد العراق مكانته المستحقة كدولة مؤثرة، تجذب السياح من جميع أنحاء العالم لاكتشاف حضاراته العريقة”.

تنويع مصادر الدخل

كما هو الحال في العديد من الدول المنتجة للنفط في المنطقة، التي تشعر بالقلق من تحوّل العالم بعيدًا عن الوقود الأحفوري، يسعى العراق إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتشجيع المزيد من الوظائف في القطاع الخاص بدلًا من الاعتماد على صناعة النفط أو القطاع العام.

ويساهم قطاع السياحة وخاصة السياحة الدينية بشكل مباشر بنحو ثلاثة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للعراق. لكن الحكومة العراقية تقول إنها تسعى إلى رفع هذه النسبة إلى عشرة بالمئة من خلال التركيز على عوامل جذب أخرى يمتلكها العراق.

وتشكل السياحة في الدول التي تمتلك قطاعًا سياحيًا متطورًا مثل مصر وتونس والمغرب والإمارات العربية المتحدة ما بين سبعة إلى تسعة بالمئة من الدخل الوطني. ويستقبل العراق بالفعل بين ستة وعشرة ملايين زائر ديني سنويًا معظمهم من إيران وتركيا نظرًا لكونه موطنًا لبعض من أهم المزارات الإسلامية وخاصة الشيعية في العالم.

لكن منذ أن خففت الحكومة العراقية متطلبات التأشيرة للأجانب في عام ألفين وواحد وعشرين، وأتاحت تأشيرة عند الوصول للمطارات والمعابر البرية لمواطني أكثر من ثلاثين دولة، بدأت الأمور تتغيّر.

غير أنه من الصعب الحصول على أرقام دقيقة بسبب طرق جمع بيانات الزوار المختلفة في العراق، لكن في العام الماضي، قالت السلطات السياحية إن أربعمائة ألف سائح دولي قد زاروا البلاد لأغراض ثقافية أو ترفيهية.

شارع المتنبي الشهير في بغداد
شارع المتنبي الشهير في بغداد، يعرض الباعة طاولات ممتلئة بالقطع التذكارية والتماثيل الصغيرة والأعلام العراقية، لكن في بعض أبرز المعالم السياحية، لا يوجد الكثير لشرائه.صورة من: Cathrin Schaer/DW

خطط لجذب السياح العرب والغربيين

هذا ممكن بنسبة مئة بالمئة،” يقول علي المخزومي عن طموحات العراق السياحية. المخزومي هو مؤسس ورئيس وكالة “بل ويكند”، وهي شركة سياحية محلية تعمل على جذب السياح المحليين والدوليين. ويضيف بحماس: يمكن أن تغطي السياحة حتى ثلاثين بالمئة من ميزانية العراق”، لكنه يستدرك قائلًا: “لكن ليس دون تحقيق بعض الشروط، بالطبع”.

لا شك أن العراق يمتلك كل المقومات اللازمة : ستة مواقع مُدرجة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وسكان يشتهرون بكرم ضيافتهم الاستثنائي، فضلًا عن معالم طبيعية وآثار تاريخية تعود إلى آلاف السنين.

غالبًا ما تتصدر  مجموعات السياح الغربيين والمؤثرين  في مجال السفر الذين يزورون العراق عناوين الأخبار الدولية، نظرًا إلى أن البلاد لا تزال تُعتبر وجهة خطيرة لدى البعض. لكن السياح من الدول العربية قد يكون لهم التأثير الاقتصادي الأكبر والأسرع.

ورغم أن الزيارة الرسمية التي قام بها البابا فرنسيس للعراق عام ألفين وواحد وعشرين أسهمت في تغيير صورة البلاد في الخارج، إلا أن بعض السكان المحليين قالوا لـ DW إن السياح العرب لم يبدأوا فعليًا في زيارة العراق بغرض السياحة الثقافية إلا بعد استضافة بطولة كأس الخليج في البصرة أوائل عام ألفين وثلاثة وعشرين. “بطولة الخليج في البصرة كانت اللحظة التي فتح فيها العراق أبوابه فعلًا للزوار العرب”، يوضح ديار طلال، أحد مؤسسي منتدى “مقهى المسافر العراقي” (ITC)، وهو تجمع غير ربحي يضم حوالي مئة ألف عضو على وسائل التواصل الاجتماعي. ويضيف: “بدأنا نرى أشخاصًا من دول الخليج السعودية، البحرين، الكويت، وغيره ميأتون إلى هنا بغرض السياحة، وليس فقط لأسباب دينية”.

مرقد العباس بن علي ابن أبي طالب في مدينة كربلاء
السياحة الدينية في العراق هي الأكثر حضوراصورة من: Hadi Mizban/AP/picture alliance

ازدهار السياحة الداخلية

أسس علي المخزومي شركته في عام ألفين وستة عشر في الأصل لخدمة السوق المحلية، بعد أن لاحظ ازدياد اهتمام العراقيين بتاريخهم، رغم أنهم لم يكونوا دائمًا على دراية بكيفية استكشافه. ويضيف ضاحكًا: “ناهيك عن أن الكثير من المواقع التاريخية في العراق كانت تُغلق خلال عطلة نهاية الأسبوع!” واليوم، يقدّر المخزومي أن حوالي عشرين ألف عراقي يزورون  أماكن مثل موقع بابل القديمة كل شهر . ويشير إلى الفرص الكبيرة المتاحة قائلًا: ” هناك إمكانيات هائلة، بدءًا من تجارب الطهي المرتبطة بالمواقع التراثية، وصولًا إلى توفير مزيد من السائقين والمرشدين السياحيين. إذا كنت شابًا تعيش بالقرب من موقع أثري وبدأت في صنع الهدايا التذكارية، فستحقق تجارة ناجحة”.

تلك الفرص موجودة لأن السوق المحلي غير مشبع بعد. فعلى شارع المتنبي الشهير في بغداد، يعرض الباعة طاولات ممتلئة بالقطع التذكارية والتماثيل الصغيرة والأعلام العراقية، لكن في بعض أبرز المعالم السياحية، لا يوجد الكثير لشرائه.

على سبيل المثال، في  المتحف الوطني العراقي في بغداد، يمكن للزوار مشاهدة بعض أعظم القطع الأثرية في العالم، بما في ذلك نموذج أدبي عمره ثلاثة آلاف وستمائة عام يُعدّ أقدم نص أدبي معروف في التاريخ. ومع ذلك، فإن بطاقة بريدية مغبرّة في متجر هدايا مهمل هي الشيء الوحيد الذي يمكن إنفاق المال عليه هناك.

كما أوضح أحد السكان المحليين مفضّلًا عدم الكشف عن هويته خوفًا من فقدان وظيفته، فإن هذا هو الفرق بين المرافق التي تديرها الحكومة، حيث يقول: “لا أحد يهتم فعلًا، فهم يتقاضون رواتبهم على أي حال”،  وبين القطاع الخاص، حيث يدير رواد الأعمال المحليون مشاريعهم الخاصة بدافع الربح والجودة.

الحاجة إلى “رؤية واضحة”

بالطبع، هناك عقبات أكبر تعترض طريق السياحة في العراق. فلا تزال العديد من  الدول الغربية تحذّر مواطنيها من السفر إليه،  ورغم أن مواطني دول الخليج حصلوا على إعفاء من التأشيرة لحضور مباريات كرة القدم في البصرة، إلا أن مواطني الدول العربية الأخرى قد يجدون صعوبة أكبر في دخول العراق مقارنة بالأوروبيين. إلى جانب ذلك، هناك صراعات إقليمية مثل الحرب في غزة، بالإضافة إلى تغير المناخ، الذي يجعل الصيف العراقي أكثر قسوة وأقل ملاءمة للسفر.

وبينما تبدو بعض هذه المشكلات غير قابلة للحل بسهولة، يرى العاملون في قطاع السياحة أن هناك الكثير مما يمكن القيام به. يقول ديار طلال من “مقهى المسافر العراقي” (ITC): “أعتقد أن بلدنا بحاجة إلى رؤية واضحة للسياحة. انظر إلى السعودية، لديهم رؤية 2030 التي تشمل أهدافًا سياحية. نحن لا نملك شيئًا مماثلًا، وأعتقد أنه لا يمكننا إحداث تغيير حقيقي من دون ذلك”.

أما علي المخزومي من “بل ويكند”، فيختم حديثه قائلًا: “نحن بحاجة إلى خطة حقيقية من الحكومة، واستثمارات ضخمة لدفع القطاع إلى الأمام. السياحة لا تعني فقط الإرشاد السياحي، بل تشمل الضيافة والفنادق، والمطاعم، وغيرها. إنها صناعة متكاملة”.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular