القمم تعلو ولا تندثر
اصحاب الهمم يضيفون للجبال قمما تشمخ بهم ويشمخون بها
مام قاسم وجبل سنجار نموذجا
البطل مام قاسم كرمز في ذمة الخلود:
رغم ان الاسود لا تودع لأنها حاضرة ابدا ببطولاتها ومواقفها الشريفة لكن نقول وداعا للبطل مام قاسم كرمزالذي توفي يوم امس الثلاثاء 2025/3/25 كٓرمٔز من رموز المقاومة الايزيدية في سنجار ضد الاشرار الدواعش ايام غزوتهم لموطنه ، ولكنه لن يودع جبل سنجار بعد ان أضاف إليه قمة جديدة بصفته قامة من قامات المجد ببطولاته على سفوحه وصولاته في أطرافه المترامية ، قمة ستحكي عنه بما تشع من ضياء مجده على الاجيال من أهله وغير اهله عندما رفض مغادرة جبله وارض سنجاره هذه تاركا إياها بايادي من لا يستحقون الحياة عليها ولا يستحقون ان يشربوا من مياه عيونها ، وابى الا ان يكون مدافعا عنه كصخرة صلدة من صخوره التي احتوته مقاوما واحتواها كقطعة من جسده مدافعا عنها وعن أهلها يوم كان الدفاع عنها مقياسا لشيمة الرجال وعزيمة الشجعان.
هذا الرمز مام قاسم بطل من أبطال سنجار الأشاوس الذي تصدى ببندقيته الشخصية البرنو لجحافل الدواعش الاشرار اثناء حملة ابادتهم لاهله الايزيديين في 2014/8/3.
الرحمة لمن فدى بروحه اهله جميعا حين دافع وهو في عمر متقدم عنهم ، دفاع كان فيه أسد بين أسود جبل سنجار المقاومين للدواعش منذ الايام الاولى لاحتلال ضباعة دورهم وديارهم غدرا وخيانة ونكرانا لكل الأعراف والقيم المتعارف عليها بين بني البشر واولهم الجيرة .
رحل رجل الرجال بعدما ادى واجبه البطولي مقاوما للدواعش الاشرار دون ان يبالي بعٓددِهم وعِدتهم الجهنمية التي كانت كل قوى الشر والرذيلة في المنطقة تجهزهم بها ليحاربوا الشرفاء على الهوية الدينية.
رحل اسدا مغوار تاركًا إرثًا خالدًا من الشجاعة والمقاومة في وجه الإرهاب الداعشي ، إرثا ستحكي عنه الاجيال من اهله وغير اهله.
لم يكن مام قاسم كرمز في حساب البعض مجرد رجل مسنّ من قرية كرمز الواقعة في زاوية بعيدة على السفح الشمالي لجبل سنجار ، بل كان رمزا للصمود والتصدي وعنوانا من عناوين مقاومة ايزيدي سنجار في أحلك لحظات التاريخ التي مروا بها.
انتفض مام قاسم لكرامته وكرامة اهله وعفيفات اهله ا انتفض مام قاسم لارضه وارض اجداده عندما اجتاح تنظيم داعش الإرهابي مدينة سنجار والقرى والمجمعات التابعة لها ، وارتكب أبشع الجرائم بحق أبنائها الإيزيديين، من قتل وتهجير وأسر او سبي بلغة الاوباش الدواعش للنساء والأطفال وافتخر بما سماه بالغنائم مع ان كلمة غنائم لغويا تعني استيلاء الشخص والسيطرة على ما ليس هو ملكه .
لكن وسط هذه المأساة وظروفها المفاجئة و المباغتة ، برز رجال رفضوا الاستسلام والخضوع للدواعش واوامرهم وطلباتهم المشينة ووقفوا سدًا منيعًا أمام مدهم الإرهابي ، في وقت تراجعت بداية إمامهم فرق عسكرية.
وكان مام قاسم كرمز أحد هؤلاء الرجال الأبطال الايزيديين المقاومين رغم عمره المتقدم في السن ، دون ان يتردد لحظة في حمل سلاحه الشخصي (البرنو) للدفاع عن أرضه ومقدساته لستة أيام متواصلة، خاض فيها معارك بطولية ضد فيها مع إخوته المقاومين اشرس إرهابيين عرفهم التاريخ المعاصر، مكبدا إياهم خسائر فادحة.
في مقابلة صحفية معه كما كتب السيد خدر ديرو خانصوري في منشور له ، روى هذا البطل كيف ألحق هو ورفاقه الهزيمة بارهابيي هذا التنظيم المسخ ثلاث مرات، وكيف أجبرهم على التراجع مرارا، رغم قلة البنادق والعتاد للمقاتلين المقاومين معه وضعف التجهيزات القتالية والإمدادات الاخرى المطلوبة لادامة المعركة بالشكل المفترض. ولكن هذا البطل لم يكن يهاب الموت، بل كان يرى في الدفاع عن الأرض والعرض واجبا مقدسا لا يقبل المساومة ، وهو يقاتل على سفوح جبله جبل سنجار ، في تلك الايام الصعبة بظروفها وحرارة جوها دون غذاء او ماء او دواء ، متحملا كبقية المقاتلين السنجاريين تلك الظروف وهم يواجهون عدوا جبانا مجهز باحدث الاجهزه والمعدات العسكرية.
ان المقاومة الفردية بأسلحة خفيفة غير كافية أمام تعزيزات داعش هذه من مدرعات وهمرات ومصفحات، وهو ما مكّن الاشرار بداية غزوهم لسنجار من التقدم واحتلال مركز المدينة ومجمعاتها وقراها السكنية التي بوغتت في ليلة سوداء لم يحسبوا فيها إن هناك من يُحسبوا على خانة الرجال والجيرة وهم في اعماقهم صعاليك جبناء وجمع من شذاذ الآفاق الناكرين لكل القيم والاعراف الدينية و الانسانيه وحقوق الجيرة وحرمة العرض والشرف . ومع كل ذاك لم يكن احتلال ارض سنجار وقتل الآلاف من الرجال وسبي الآلاف من النساء والاطفال نهاية المطاف، بل كانت بداية لمرحلة جديدة من الصراع والمقاومة التي بدأها رجال ايزيديو سنجار ، التي استمرت حتى استعادة سنجار ومجمعاتها وتحريرها بالكامل لاحقا حين تقدمت جحافل الجيش العراقي وكل المقاتلين الابطال الآخرين بعد قرابة السنتين بالتازر مع مقاتلي سنجار الايزيديين ليلقنوا الاشرار الدواعش شر هزيمة ليبانوهم على حقيقة انهم ليسوا سوى ضباع ماكرة ولصوص امتهنوا النهب والقتل مفتقرين إلى كل القيم ومعاني الشرف وحرمة الجيرة والديار وشرف الاحرار ، وسرعان ما هربوا إلى الوديان خائفين خائبين مدحورين ، ليتخفوا او ينفقوا كالجرذان في جحورها في اعماق الصحراء.
لم يكن استشهاد المقاتلين أو نهب الأموال والممتلكات أكثر ما يؤلم مام قاسم، بل كان المشهد الأكثر وجعًا في حياته هو اختطاف النساء والفتيات الإيزيديات على يد هؤلاء النكرة الدواعش الذين سبوهن في ليله سوداء لم يتوقعوا فيه ان الدناءة وانعدام الشرف والمروءة قد وصلت عند الاشرار الدواعش ومن والاهم وقادهم دليلا على الديار الايزيدية من بعض ابناء الجيرة النكرة.
نعم كان هذا الجرح النازف في قلبه سببا لاستمرار نضال وكفاح مام قاسم كرمز حتى آخر يوم في حياته، حالما في سره بأن يتحقق العدل وأن تعود المختطفات إلى أهلهن سالمات.
برحيل مام قاسم كرمز، تفقد شنكال أحد رموزها الوطنية، لكنه يترك وراءه إرثا خالدا من البطولة سيظل حيًا في ذاكرة الأجيال القادمة. لقد بقي مام كرمز شامخًا حتى آخر لحظة، كشموخ جبل شنكال، جبل المقاومة والصمود.
الرحمه لأسد سنجار ، الذي ستروي حكايته البطولية للأجيال القادمة، لتبقى مصدر فخر واعتزاز لكل من يؤمن بالحرية والكرامة أينما كان.
يقول جلال الدين الرومي انه إذا كان كلّ شيء من حولك يبدُو مُظلمًا ، أنظر مُجددًا فقد تكون أنت النّور. هكذا كان مام قاسم احد الانوار التي اضاءت جبل سنجار في عتمة ليالي مظلمة غطت سهول سنجار يوم العار على جيرة السوء و غربان النفاق والدجل ، ولكن لو أطفأ هذا العالم أضواءه كلها في وجه الرجل الرجل المقدام الذي حمل هم اهله و صراخ عفيفاته لن يضره ذلك ولن يقلل من عزيمته ، مادام النور في قلبه بقي متوهجا ، وما دام الاصرار على النيل من الغزاة بقي يضيء طريقه للوصول إليهن وانقاذهن.
مااروع الإنسان
الذي لايتكلم كثيرا
لكنه اذا تكلم اسكت الجميع
ومام قاسم تكلم بفوهة بندقيته التي أعطت الغربان درسا مفاده انه مهما تعالى نباحهم في الوديان ، فإنه لن يخيف الاسود الشجعان ولن يحيدهم عن تحقيق مبتغاهم بالذود عن اهلهم وموطنهم وديارهم.
هكذا علًم مام قاسم الرجال انه يمكن بعزيمتهم حتى آخر يوم من اعمارهم ان يضيفوا موقفا يصنع البهجة والامل بالحياة وقيمة لها.
لقد اضاف بعزيمته وبطولاته قمة اخرى لقمم جبل سنجار يشار إليها من بعيد كرمز شامخ من رموز المقاومة ودالة للرجل الذي يبحث عن مكانه بين الرجال ايام الشدائد ، وعنوانا للتصدي للاشرار الدواعش ، ومن تقاسم الهم ووضع دمه قربانا لاهله مع المقاومين الشجعان يستحق ان يكون قمة من قمم جبال سنجار ، قمة ستشير ابدا الى ان سنجار لن تستسلم لاحد طالما فيها رجال ميامين حملوا هموم اهلهم قبل همهم الشخصي.
ويبدو ان للاقدار حكمتها يوم كان اكثر قادة المقاومة الايزيديين على قمم جبلهم ضد الدواعش ، يحملون اسما واحدا هو قاسم ، فكان قاسم ششو وقاسم دربو وقاسم اسمير وقاسم كرمز وقاسم …….، ولا عجب في هذا فكلهم تقاسموا المواقف المشرفة وكلهم تقاسموا هموم اهلهم ، وكلهم تقاسموا حد المنافسة الشريفة نبل المقاومة وصد العدوان الذي اريد به ان يكون حملة إبادة لكل اهلهم في سنجار وغير سنجار .
المجد والخلود لروح مام قاسم الطاهرة.
المجد والخلود لمام قاسم الذي حمل عنوان المقاومة بروح الشباب وعزيمة الرجال وهو في سن متقدمة.
المجد والخلود للشهداء الذين حملوا مع مام قاسم عناوين المقاومة والصمود مقاومين الاشرار الدواعش.