أهمية ما جرى يوم السبت الماضي المصادف ل 26 كانون الثاني 2019 في شيلادزي، يكمن في نقطتين أساسيتين هما:
النقطة الأولى:
إنها جرت في معقل البرزاني، الذي كان يظن أنه روض المواطن الكردي في مناطق سيطرته، ولم يعد بإمكان أحد الخروج على سلطته، ويقول له كفى. وفي الحقيقة إن ما حد في ذلك اليوم من هبة جماهيرية عفوية، فاجئ الجميع وقضت مضاجعهم، وكانت في أعماقها تمرد على سلطة عائلة البرزاني، الجاثمة على صدر شعبنا الكردي في جنوب كردستان منذ من ثلاثين عامآ ويزيد.
وهذا هو التحرك الأول من نوعه منذ سنين طويلة جدآ، وهذا ما أخاف البرزاني وزبانيته، ولهذا سارع إلى إرسال مليشياته لبسط سيطرتها على الوضع، منعآ لإنتشار التحرك ليشمل مناطق أخرى ضمن إطار مشيخته، ويتحول هذه الهبة الجماهيرية إلى ظاهرة على نمط ثورات الربيع العربي، التي قمعت بوحشية قل نظيرها من قبل أنظمة الإستبداد والإجرام.
أكثر شيئ أخاف البرزاني ورعاته الأتراك، هو كسر حاجز الخوف من قبل المتظاهرين الكرد المسالمين
ومطلبتهم برحيل قوات المحتل التركي الغاصب تقريبآ لثلاثة أجزاء من أراضي كردستان. ولهذا سارع البرزاني وأبواقه إلى إتهام المتظاهرين بالرعاع والعمالة للخارج، وأكدوا بعد الإقتحام بعدة دقائق وقوقف حزب العمال الكردستاني خلف ذلك التمرد والشغب، قبل إجراء أي تحقيق وتقديم أ أدلة دامغة على ذلك، إن كانوا صادقين.
والأمر الهام الأخر، الذي كشفته هذه الحركة الجماهير ضد الوجود العسكري والأمني التركي ضمن أراضي الإقليم، مدى زيف وكذب إدعاءات البرزاني وجماعته، بأن التركي موجود في الإقليم برضى الكرد ومن أجل حمايتهم!!! لا أدري حمايتهم مِن مَن؟؟؟ لقد رأينا كيف التركي أدار ظهره للإقليم، عندما هاجمه جحافل تنظيم داعش الإرهابي المرتبط إرتباطآ مباشرآ مع حكومة أنقرة ورئيسها اردوغان. ورفض اردوغان “حليف” الملا مسعود تقديم رصاصة واحدة لقوات ومليشيات مولانا الملا قدس سره.
وفي المقابل، أكد هذا التحرك بأن المشكلة والمضلة ليس وجود بعض عناصر الغريلا في منطقة شنكال، التي دافعوا عن أهلها كالأسود بدمائهم وصدورهم، ولم يهربوا مثلما هرب مليشيات مولانا الملا، بل قاتلوا حتى حرروها من براثن تنظيم داعش الوحشي. ومن اليوم وصاعدآ على الملا وأبواقه أن يكفوا بالمتاجرة والتحريض على حزب كردستاني كان لهم سندآ في أيام الشدة، ويطالبوا بمغادرة قوات المحتل لأراضي الإقليم.
كيف يمكن أن يستوي مفهوم السيادة والوطنية، بمجيئ قوات عدو تاريخي للكرد والإحتماء به؟ ومِن مَن؟ من شقيقه وشريكه في الوطن؟ وزد على ذلك هذا العدو المجرم يحتل أكبر جزء من كردستان ويستعبد أهلها، ويقمعهم بالحديد والنار، وقام مؤخرآ بإحتلال منطقة عفرين الكردية وتهجير أهلها أمام أنظار العالم، ويهدد كل يوم الكرد في شرق الفرات ويتوعدهم بالويلات.
النقطة الثانية:
المحتل التركي لم يكن يتوقع نهائيآ مثل التحرك، وظل معتقدآ أنه من خلال رجلهم مولانا الملا، روضوا الكرد، ولن يستطيع أحد على فتح فمه ورفع صوته والقول لهم، كفى ظلمآ وقتلآ وقصفآ وتدميرآ وتخريبآ وأخروجوا من أرضنا أيها المحتلين المجرمين وإتركوننا لشأننا. وما حدث شكل صفعة حقيقية للأتراك وجنرلاتهم،وهم يشاهدون كيف يهرب عسكرهم أمام المحتجين السلميين، وخاصة أنها أتت من طرف يتعبرونه تابع لهم.
وأدركوا أيضآ أن خادمهم ليس بتلك القوة التي كانوا يتصورنها، وأن الناس لا تثق به ويكرهون الأتراك أكثر من شيئ أخر على وجه الأرض، وأن وجودهم العسكري والأمني إلى جانب مصالحهم الإقتصادية
داخل الإقليم باتت في خطر. وبعكس الكثيرين من المراقبين، لا أستبعد تكرار ما حدث في شيلادزي بأماكن أخرى من مناطق الإقليم.
ولو إستمر هذا التحرك، لحسب الأتراك ألف حساب قبل أن يفكروا القيام بعدوان على شرق الفرات، أو قصف مناطق داخل أراضي الإقليم.
وحسب الملومات المتوفرة، فإن القواعد العسكرية التركية في جنوب كردستان، موزعة على محافظتي أربيل ودهوك تحديدآ، في إطار اتفاق تمت بين الحكومة التركية وحكومة الإقليم عام 1995، وتقع كبرى القواعد التركية بمنطقة “بامرني” شمالي مدينة دهوك.
وقد طالب العديد من النواب ببرلمان الإقليم في الماضي، بإخراج القوات التركية من أراضيه، حيث أكدوا أن “الجيش التركي قام منذ 15 عاما بانشاء حوالي عشرين قاعدة داخل الاقليم، وهذا مخالف لقوانين الإقليم، ودستور العراق الفدرالي والقوانين الدولية.
وهي مخالفة لقرار برلمان إقليم جنوب كردستان الصادر في 12- 5 – 2003، الذي دعا فيه قوات “حفظ السلام التركية”، بالخروج وإنهاء وجودها في إقليم كردستان. إليكم أسماء بعض أهم القواعد العسكرية والاستخباراتية التركية داخل أراضي الإقليم
1- قاعدة باطوفة في كاني ماسي. 2- قاعدة بامرني وتحتوي على مطار أيضآ.
3- قاعدة سنكي في مجمع بيكوفا. 4- قاعدة زاخو.
5- قاعدة شيلادزي. 6- قاعدة كويكي.
7- قاعدة قمريي برواري. 8- قاعدة كوخي سبي.
9- قاعدة دريي دواتيا. 10- قاعدة جيل سرزيري.
هذا إضافة إلى العديد من مقرات للإستخبارات التركية التي تتجول في أراضي الإقليم كما تشاء، دون حسيبٍ ورقيب، وتتجسس على على من تشاء.
خلاصة القول، الشعوب لا تموت ولا تستكين، وإن صمتت لبعض لفترة من الزمن. ولكن عندما تتحرك تجرف كل شيئ يقف في طريقها، والعاقل من يتعلم من تجارب الأخرين ولا يكرر نفس حمقات الطغاة السابقين من أمثال القذافي وصدام وجاوجيسكو.