دهوك – فرّ العديد من سكان محافظة نينوى، خلال فترة احتلالها من قبل ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية، باتجاه جبال كردستان العراق للحفاظ على حياتهم. كان بعضهم من الأيزيديين، وهي أقلية عرقية ودينية في البلاد عانت أسوأ أشكال الاضطهاد على يد ميليشيات التنظيم، حيث تم سبي النساء على وجه الخصوص من قبل الإرهابيين لاستعبادهم جنسيًا.
وفي محاولة لمساعدة بعض من هؤلاء الناجيات على التعافي، لجأ دلدار مراد، الباحث في الصحة العامة في كلية التمريض بجامعة دهوك، إلى الفن.
يقدم مراد دورة فنية لمجموعة تضم 14 امرأة أيزيديّة كنوع من العلاج. تعرضت جميع النساء لعنفٍ شديد ترك آثارًا ذهنية شديدة نتيجة لذلك. كما كانت أربعة منهن في قبضة التنظيم وتعرضن لاعتداء جنسي، قبل أن يتمكّن من الفرار بعد ذلك.
يقدّم مراد الدورة بالتعاون مع فنان محلي. قال “نحن ندرب الناجيات على تعلم الرسم والتلوين وغيرها من الأشكال الفنية لاستكشاف مشاعرهن والتعبير عنها.”
في بداية البرنامج، حاول ما يقرب من نصف النساء الانتحار أو فكّرن في ذلك.
قال مراد “في غضون شهرين تقلصت أفكارهم الانتحارية. وبالنسبة لبعض النساء، اختفت هذه الأفكار تماماً، فيما أصبحت نادرة بالنسبة للأخريات.”
عانى العديد من لاجئي المنطقة – من العراق واليمن وليبيا وسوريا وأماكن أخرى – من الصدمات أو الصراعات التي شهدوها – مما يزيد من خطر تعرضهم لمشاكل عقلية. ففي سوريا لوحدها هناك ما يقدر بنحو 6.6 مليون نازح، بالإضافة إلى 5.6 مليون شخص غادروا البلاد، بحسب الأمم المتحدة.
كما تزداد المشكلة سوءً مع عدم توفر الأطباء النفسيين المدربين لتقديم المساعدة. (اقرأ التقرير ذو الصلة: الصدمات النفسية بين اللاجئين: حالة شائعة ومنسية).
نتيجة لذلك، يعتقد الخبراء بأن هناك حاجة إلى نهج مختلف لعلاج اللاجئين لا يعتمد إلى حد كبير على الأطباء النفسيين حيث غالباً ما يشار إلى نقل المسؤوليات من الأطباء النفسيين إلى أشخاص آخرين يمكنهم تقديم الدعم والعلاج النفسي باسم “تغيير المهام”.
قال فادي معلوف، رئيس قسم الطب النفسي للأطفال والمراهقين في المركز الطبي بالجامعة الأميركية في بيروت، “لا نريد أن نجعل الأمر يبدو كما لو أن بإمكان أي شخص أن يعالج [الناس]، لكننا نحتاج أيضًا إلى الاستجابة للنقص في أعداد المتخصصين في مجال الصحة العقلية.”
يشير معلوف إلى وجود بعض العلاجات المتخصصة التي تتطلب تواجد طبيب نفسي مدرب بشكل كامل. قال “لكن الناس غير المدربين لا يزال في إمكانهم تقديم الدعم.”
يعتبر برنامج مراد في جامعة دهوك أحد الأمثلة على تغيير المهام.
يقرّ مراد بذلك بسهولة، قال ” لسنا أطباء نفسيين. نحن فنانون ومتخصصون في مجال الصحة العامة.”
وبينما يركز العلاج الفني في دهوك على 14 امرأة عانين من صدمة نفسية شديدة، يؤكد معلوف أنه من المهم ألا ننسى أن اللاجئين يمكن أن تكون لديهم اضطرابات عقلية أخرى.
قال معلوف “قد تكون لديهم اضطرابات عقلية خاصة بهم مثل نقص الانتباه أو التوحد والذي كان يمكن أن يحدث بغض النظر عن صدمة اللجوء.”
لا تعتبر دورة العلاج بالفن في دهوك جزءاً من برنامج علاجي منسق يشمل تقييمًا نفسيًا شاملاً وعلاجات تكميلية. يعتقد العديد من خبراء الصحة العقلية المدربين تدريبًا تقليديًا أن العلاج بالفن يجب أن يكون مكملاً للعلاج النفسي المنتظم وليس بديلاً عنه.
في الظروف المواتية، وجد الباحثون أن العلاج بالفن مفيد للمشاكل النفسية، بحسب سوزان هوغان، أستاذة الدراسات الثقافية والعلاج الفني في جامعة ديربي، في المملكة المتحدة.
قالت “يمكن أن يكون ذلك بمثابة تجربة تحولية. يستغرق الأمر وقتًا قصيرًا نسبيًا. يمكن أن يكون 12 أسبوعًا فترة كافية لإجراء تغيير حقيقي.”
ينتج جزء من الاستفادة من العلاج بالفن من التواجد في مجموعة مع أشخاص مرّوا بتجارب مماثلة. قالت هوغان “الأمر يتعلق بالخصوصية حيث أنهم يعرفون أن ما يشاركونه سيبقى ضمن المجموعة. وبذلك يصبح ما كان التعبير عنه غير ممكنا قابلا للتفسير.”
وأضافت “عملت مع امرأة تعرضت للاستغلال الجنسي. في البداية، لم يكن في إمكانها التواصل بصرياً وكانت تجلس منحنية. كانت محطمة بشكل كبير. في النهاية، أصبحت تتكلم، وتجلس منتصبة وواصلت مسيرتها المهنية بنجاح.”
تعتبر الممارسة الإبداعية للفن أمراً حاسماً بالنسبة لهذه العملية. قالت هوغان “سيتم تجسيد الصدمة، حيث يوفر الفن فرصة للتعبير عن المشاعر المتجسدة. كثيرًا ما يرسم الأشخاص صورة، ثم يقولون إنهم فوجئوا بما قاموا به. إنه يسمح بالتعبير عن الصدمة بطريقة غير لفظية.”
يعتقد مراد أن المشاركات في دورته وجدن بأن استكشاف قدراتهن الإبداعية أمرٌ مفيد وأنه يساعدهن، حتى وإن لم يكن بقدر ما ستقدمه خطة العلاج المنسقة بالكامل مع الأطباء النفسيين المدربين. بالنسبة له، فإنه يسعى للقيام بما في وسعه القيام به.
في الوقت الحالي، يمتلك مراد التمويل اللازم لتشغيل الدورة لمدة خمسة أشهر، ويأمل في رؤية المشاركات وهن يحرزن المزيد من التحسن.
قال “يتوجب علينا القيام بالكثير من العمل لإصلاح الماضي.”
الفنار للاعلام