الخميس, أبريل 10, 2025
شبكة بحزاني الاخبارية
شبكة داسن الاجتماعية
Homeاراءالإيزيدياتي: بين الحاجة إلى الإصلاح ومخاطر التحريف : صباح سمير

الإيزيدياتي: بين الحاجة إلى الإصلاح ومخاطر التحريف : صباح سمير

تُعد الديانة الإيزيدية واحدة من أقدم الديانات الحيّة في منطقة الشرق الأوسط، وتمثل منظومة عقائدية وروحية متكاملة تمتد جذورها في عمق التاريخ. وعلى الرغم من ما تعرض له الإيزيديون من إبادة جماعية ومحاولات ممنهجة للطمس والتشويه، فقد حافظوا على هويتهم الدينية والثقافية، مستندين إلى أركان ثابتة لا تقبل التأويل أو التغيير خارج إطارها الإيماني. ومع ذلك، ظهرت في السنوات الأخيرة دعوات لما يُسمى بـ”إصلاح الديانة الإيزيدية”، بعضها مدفوع بحسن نية، فيما ينطلق البعض الآخر من جهل أو نوايا غير معلنة تمسّ جوهر العقيدة وتسعى إلى إعادة تشكيلها وفق أهواء ومشاريع لا تمتّ بصلة إلى روح الإيزيدياتي.

إن التمييز بين الإصلاح الحقيقي والتشويه الممنهج أمر ضروري في هذا السياق. فالإصلاح المقبول هو ذاك الذي ينهض بواقع المجتمع الإيزيدي في مجالات التعليم، والعدالة الاجتماعية، وتمكين المرأة، ودعم الشباب، وبناء مؤسسات مدنية قوية. أما المساس بالثوابت الدينية أو السعي لإعادة صياغة النصوص و انشاء طبقة جديدة بدعوى الحداثة والانفتاح، فهو مرفوض جملة وتفصيلًا. فالعقيدة الإيزيدية ليست مجرد طقوس اجتماعية، بل هي منظومة إيمانية مقدسة يجب احترامها كما نحترم خصوصيات الأديان والمذاهب الأخرى.

وفي ظل هذه التحولات، يبرز انعقاد المؤتمر الإيزيدي في ألمانيا في الخريف القادم حسب ما سمعنا من شخصيات متعددة . ومع أهمية أي حراك سياسي أو اجتماعي يهدف إلى مناقشة قضايا هذا المكوّن ، فإن نجاح هذا المؤتمر يتوقف على ضمان مشاركة كافة الأطراف الإيزيدية، داخل الوطن وفي الشتات، بعيداً عن الإقصاء أو احتكار القرار. فالإيزيديون ليسوا مِلْكاً لفئة أو حزب أو جهة محددة، بل هم شعب متنوّع، ويجب أن تكون إرادتهم الجمعية هي المرجعية في تحديد مصيرهم. ولذا، من الضروري معرفة أجندات المؤتمر، والجهات الداعمة له، وأهدافه المعلنة والخفية، بما يضمن الشفافية والتمثيل الحقيقي.

إن تقرير مصير الإيزيديين يجب أن يكون نابعاً من داخلهم، عبر مؤسسات شرعية وممثلين حقيقيين يعكسون تطلعات الناس وهمومهم، لا من خلال قرارات تُفرض من الخارج أو تُصاغ ضمن غرف مغلقة تُراعي مصالح خاصة على حساب المصلحة العامة. الكرامة الوطنية والروحية للإيزيديين لا تتحقق إلا عندما يكون القرار الإيزيدي مستقلاً، ومعبراً عن جميع أبنائه، دون استثناء.

وعند الحديث عن مستقبل الإيزيديين، لا يمكن تجاهل المأساة المستمرة للتهجير القسري الذي تعرض له هذا المكون، وخاصة في شنكال (سنجار)، التي شهدت فصولاً دامية من القتل والسبي والدمار على يد تنظيم داعش الإرهابي. ما زال الآلاف من الإيزيديين يعيشون في المخيمات، محرومين من العودة إلى ديارهم بسبب غياب الأمن، وتضارب المصالح السياسية، وسوء الخدمات. كما يعاني الإيزيديون في تركيا وسوريا، من التهميش وفقدان الحماية القانونية، في ظل صمت دولي غير مبرر. أما في عفرين، فقد شهد الإيزيديون هناك انتهاكات جسيمة، من بينها تدمير مزارات دينية، وتضييق على الحريات الدينية، وتغيير ديموغرافي ممنهج يهدد وجودهم التاريخي في المنطقة.

لذلك، فإن إعادة إعمار مناطق الإيزيديين في شنكال و مناطق اخرى ، وضمان عودتهم الكريمة إلى ديارهم، تمثل مسؤولية وطنية وإنسانية لا تقبل التأجيل. فالعدالة الحقيقية تبدأ بالاعتراف بالحق في العودة، ورفع الظلم التاريخي عن هذا الشعب الذي لم يطالب يوماً إلا بالسلام والعيش بكرامة في أرضه.

في المحصلة، الإيزيدياتي لا تحتاج إلى من “يُصلحها” من الخارج، بل إلى من يفهمها ويحترمها من داخلها. مستقبل الإيزيديين يُصنع بالإرادة الجمعية، لا بالوصاية أو الشعارات المؤقتة ، وبالتمسك بعقيدتهم وثقافتهم، مع انفتاح واعٍ نحو إصلاحٍ يخدم الإنسان، لا يُفرغه من هويته.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular