عندما ارتفعت أصوات المرتزقة مُنادين بضرورة إعادة التجربة الأموية في الحكم، ظننّا أنهم يمزحون، فالتاريخ لا يعود القهقرى… ؛ لكنّهم فاجأونا بقدرتهم على إحياء تلك الصورة القاتمة الدموية التي طبعها حكم بني أمية… ؛ إن سجلّ بني أمية حافلٌ بالجرائم التي أسودّ بها وجه التاريخ، ومنها – على سبيل المثال لا الحصر – : (( جاء في التاريخ : أن معاوية بعث بسر بن أرطاة بعد تحكيم الحكمين ، وعلي بن أبي طالب يومئذ حي ، و بعث معه جيشا آخر ، وتوجه برجل من عامر ضم إليه جيشا آخر ، و وجه الضحاك بن قيس الفهري في جيش آخر ، وأمرهم أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كل من وجدوه من شيعة علي بن أبي طالب وأصحابه ، وأن يغيروا على سائر أعماله ، ويقتلوا أصحابه ، ولا يكفوا أيديهم عن النساء والصبيان …!!
ثم أتى اليمن وعليها عبيد الله بن العباس عامل علي بن أبي طالب وكان غائبا ، وقيل : بل هرب لما بلغه خبر بسر فلم يصادفه بسر ووجد ابنين له صبيين فأخذهما بسر و ذبحهما بيده بمدية كانت معه ، ثم انكفأ راجعا إلى معاوية … وفعل مثل ذلك سائر من بعث به ، فقصد العامري إلى الأنبار فقتل ابن حسان البكري وقتل رجالا ونساء من الشيعة …!!
أصاب أم حكيم بنت قارظ ـ زوجة عبيد الله بن العباس ـ وله على ابنيها فكانت لا تعقل ولا تصغي إلا إلى قول من أعلمها أنهما قد قتلا ، ولا تزال تطوف في المواسم تنشد الناس ابنيها بهذه الأبيات :
يا من أحس بابني اللـذين همـا *** كـالدرتين تشظى عنهما الصدف
يا من أحس بابني اللـذين همـا *** سمعي و قلبي فقـلبي اليوم مردهف
يا من أحس بابني اللـذين همـا *** مخ العظام فمـخي اليـوم مختطف
نبئت بسرا وما صدقت ما زعموا *** من قولهم ومن الإفك الـذي اقترفوا
أنحى على ودجي ابنـي مرهفة *** مشحـوذة وكـذاك الإفك يقترف
حتى لقيت رجـالا من أرومتـه *** شـم الأنوف لهـم في قومهم شرف
فالآن ألـعن بسرا حـق لعـنته *** هـذا لعمـر أبي بـسر هو السرف
من دل والهة حـرى مـولهـة *** على صبيين ضـلا إذ غـدا السلف
قالوا : و لما بلغ علي بن أبي طالب قتل بسر الصبيين جزع لذلك جزعا شديدا ، ودعا على بسر فقال : اللهم اسلبه دينه ، ولا تخرجه من الدنيا حتى تسلبه عقله … ؛ فأصابه ذلك وفقد عقله ، وكان يهذي بالسيف ويطلبه فيؤتى بسيف من خشب ويجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه حتى يسأم … ؛ وكذلك قام احد المجرمين من اتباع بني امية والمشاركين في حرب الحسين في كربلاء ؛ بذبح اطفال مسلم بن عقيل بلا رحمة ولا شفقة … الخ )) .
ها هي الطفولة السورية، ولا سيما الطفولة العلوية، تُذبحُ وتُعذَّبُ وتُسجن مرارًا وتكرارًا في ظل حكومة الجولاني الإرهابية وعصاباته الطائفية وفصائله المسلحة الأجنبية… ؛ ففي كل يوم، تنقل لنا وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مشاهدَ مروعةً تَكشفُ مأساةَ أطفال سوريا، الذين تفنَّنت عصابات الإرهاب في تعذيبهم وقتلهم وتشريدهم، بل وحتى تجويعهم وإدخال الرعب في قلوبهم.
تلك الطفولة البريئة التي يُفترض أن تكون زاخرةً باللعب والبراءة والحنان، أصبحت في سوريا غارقةً في الدماء والخوف والقسوة… ؛ فتحوَّل الأطفال الأبرياء – سواء من الطائفة العلوية أو غيرها – إلى ضحايا للاغتيال والتشريد والجوع والظلم، يُقتلون تحت التعذيب، أو يُرمَون بقنابل، أو يُجبرون على العيش في رعبٍ دائمٍ، حتى فقدوا براءتهم وأصبحوا مجرد أرقام في سجل المأساة السورية.
قصص تُختزل فيها المأساة كلها :
في أحد أيام العيد، بينما كان المحافظ الإرهابي يتلقى التهاني من أعوانه في قصر المحافظة بطرطوس، كان طفلٌ علويٌّ يُقتلُ في ريف بانياس، ويُنتزع قلبه بوحشية تذكّرنا بجريمة هند بنت عتبة في التاريخ الأموي عندما انتزعت قلب حمزة , واكلوا قلب الطفل العلوي وأمام انظار أبيه المسكين … ؛ كان الطفل، الذي لم يتجاوز عمره سنوات قليلة ، يحمل بين يديه فطورًا بسيطًا مكونًا من بضع قطع فلافل، لكنها تحوَّلت إلى وجبة غارقة في الدماء والدموع بعد أن سقط صريعًا.
لم يكن هذا الطفل مجرّد رقم، بل كان يحمل أحلامًا بسيطة: أن يلعب مع أصدقائه، أن يذهب إلى المدرسة، أن يصبح طبيبًا أو مهندسًا، أو حتى أن يسافر خارج قريته ليرى العالم… ؛ لكن جريمته الوحيدة كانت أن بنطاله مربوطٌ بخيط أسود بالٍ ، دليلٌ على فقر عائلته التي لم تستطع حتى شراء حزامٍ له ؛ وبما انه من العلوية فلا مكان له في سوريا الجديدة …!!
ولم تجف دماء الطفل “إبراهيم شاهين” حتى أقدمت عصابات الجولاني على جريمة جديدة، فقتلت الطفل “حيدر محمد السليمان” (12 عامًا) بقنبلة أُلقيت على عائلته أثناء عودتهم ليلًا إلى منزلهم في حي كرم اللوز… ؛ اذ لم يكتفِ الإرهابيون بتهجير العائلة من حيّهم الأول، بل لاحقوهم إلى مكان آخر، وزعموا – كالعادة – أنهم “فلول النظام”، بينما لم يكن الطفل سوى ضحيةً أخرى للكراهية الطائفية.
الجريمة مستمرة… والضحايا تُحصى كل يوم
قد تتوقف الكاميرات عن تصوير الجرائم والمجازر ، لكن القتل والتهجير والتعذيب لم يتوقف قط ؛ فما زالت العصابات الإرهابية تواصل سياستها الدموية الاموية تحت ذرائع واهية، بينما العالم يتفرج… ؛ والنتيجة؟
جيلٌ كاملٌ من الأطفال الذين فقدوا طفولتهم، وحُكم عليهم بالموت أو التشرد أو العيش في رعبٍ لا ينتهي.
فمتى تنتهي هذه المأساة؟
ومتى يُحاسَبُ المجرمون الذين حوّلوا سوريا إلى مقبرةٍ لأحلام الصغار؟