الأربعاء, أبريل 23, 2025
شبكة بحزاني الاخبارية
شبكة داسن الاجتماعية
Homeاراءظواهر جديرة بالانتباه في مجموعة مقالات للمرحوم عيدو بابا شيخ كتاب في...

ظواهر جديرة بالانتباه في مجموعة مقالات للمرحوم عيدو بابا شيخ كتاب في قراءة وحار ج2:ب. د. خالد محمود خدر

يتضمن كتاب الفقيد عيدو بابا شيخ ٨٣ مقالا في مواضيع متنوعة ، نشرها في مجلات وصحف مختلفة على امتداد عشرة سنوات بدأ من سنة ١٩٩٢.

تضمن الجزء الثاني هذا من المقال التعريف والتعليق على بعضها ، كنماذج ، وأخذ ذلك بعدا حواريا تفاعلياً ، تضمن تعقيبا واضافات حول كل موضوع تم اختياره من الكتاب ، لبيان أهميته وتعزيزه بما وجدته ضروريا لاثبات وجهة نظر المؤلف.
أما بقية المقالات فاتركها للقارى لبيان وجهة نظره فيها.

في ظاهرة أو مقال : الصحفي طبالا …. الصحفي شهيدا
يبرز المؤلف جوانب الفرق القيمي والإنساني بين الصحفي الملتزم بمهنيته ، والصحفي الذي يمكن القول عنه أنه يأكل من خبز السلطان ، ليكتب بعدها ويضرب بسيفه ، ذلك ان وقع الكلمه تكون في احيان كثيرة أكثر جرحا للنفس واشد ايلاما للروح من الرصاصة ، بل إنه كثيرا ما يلتئم جرح السنان ولا يلتئم جرح اللسان .
عن ذلك عزز المؤلف وجهة نظره بمواقف لصحفيين يبحثان عن الحقيقة و لا يهمها في ذلك صعوبة موقعها او التعريف بها وعقبات الوصول إليها ، وإن كان ذلك بين نيران الحروب معرضين انفسهما للموت، بل ذهب الكثير منهم شهداء مهنتهم ومواقفهم.
اختار الكاتب حالة ثورة التحرير الجزائريه وكذلك حركه التحرير الكردستانيه في كردستان العراق في القرن الماضي ، حيث قدم الصحفي كادوكروس الذي قدم من بلاد بعيده وترك والدته بمفردها فيها ، لتغطيه تراجيديا الهجرة المليونيه سنه ١٩٩١ في كردستان العراق ، واستشهد اثناء تغطيته لهذه التراجيديا.
في المقابل هناك صحفيين يوظفون قلمهم للتطبيل لزعيمهم ويطلقون عليه ضروب الألقاب وافانين المديح ولا يخجلون بعدها في إطلاق اتفه الكلمات وانبذ الالفاظ بوجه من لا يتفق مع زعيمهم او رأيهم.

في مقاله اليخت والثور المنهك ، أعطى المؤلف أمثلة على مواقف الفلاحين في الأقطار العربية من ثيران حقولهم بعد سنوات طويلة في حراثتها الأرض ونقل المحاصيل. و لكن بعد ان تصبح عاجزة بتقادم السنين ، عن جر السكه في الحقل تكافأ هذه الثيران ، بالذبح على طريقة بلدان الشرق الأوسط ، في أقرب مناسبة فرح ، في حين تحظى ثيران فلاحي الدول الأوروبية بعد كبرها بعناية تفوق التصور ، حدا يقام لها قداسا جنائزيا لتدفن بعده في اجمل بقعة من حدائقهم.

الطريف أن المؤلف ، بعد أن يطرح هذه المقارنة بين الثور الغربي والعربي ، ينتقل الى مقارنه بين هذين الثورين وثور اخر ولكنه ليس بثور عادي بل من بني البشر ، في إشارة منه لمن يقضي عمره في العمل المرهق من أجل توفير لقمة العيش له ولاطفاله فترة الحصار الاقتصادي على العراق. استرسل المؤلف في توضيح جوانب التعب لهذا المضحي البشري من أول النهار ليجد نفسه في آخره واقفا على رجليه ، على تعبه طوال نهاره ، على احد الارصفه بائعا للسجائر ، وهو الذي استنفذ قبلها كل ما لديه ، بضمنه مبلغ المال الذي جاءه عن بيعه الكثير من أساسيات ومستلزمات داره ، كي يوفر بها لقمة العيش لأطفاله الذين حرموا اصلا من الكثير من ما يتوجب من الملابس والمأكولات التي تنعش البدن وترد الروح وتبعث العافية كما يقول.

إن النموذج الذي ساقه ينعكس بجلاء على كل العراقيين في فترة الحصار الاقتصادي ، خاصة موظفي دوائر الدولة الذين كان راتب أعلى درجة فيهم لا يتجاوز الدولار الواحد في الشهر. ظروف الحصار الاقتصادي هذه ، تناولها بطريقة تراجيدية في لحظه صفاء ذهني خلص فيها إلى أن تعب الانسان الانسان في هذه الأوطان لا يختلف عن تعب الثيران في سابق الزمان.

وحديثه عن معاملة الحيوانات في الغرب ، مقارنة ، ذكرني بحوار مع احد اصدقائي المغتربين في السويد ، الذي أفاد لي بأن مربي الحيوانات هناك لا يسمحون بذبح ثيرانهم او خرافهم بطريقة بلدان الشرق الأوسط ، كي لا تشهد الألم والمعانات لحظات الذبح. إذ يتم اولا تخديرها قبل اطلاق رصاصة شبيهه برصاصة الرحمة في رأسها.

في مقاله كذبة نيسان ونقمتها وما يحصل في ذلك اليوم من كل سنة من مواقف يكذب فيها بعض الناس على غيرهم من الذين يجدون معهم فرصة لتلك الكذبة ، تناول المؤلف جانبا منها. لفت انتباهي ما ورد في المقال عن موقف أحد الأساتذة في اعدادية الشيخان. إذ كان هذا الأستاذ يسجل اسماء الطلبه (من محترفي كذبة نيسان) الذين يبعثون إليه بأحدهم ليحمل له كذبه معينة ، الأمر الذي كان يضطر الأستاذ إلى معاقبتهم في اليوم التالي. وعندما دافع أحدهم عن نفسه ، قال له ذلك الاستاذ انه لو كنتم تكذبون في هذا اليوم فقط من كل سنة لسامحتكم وغفرت لكم ، ولكنني اعرف ان حياتكم كلها كذب وأنكم تكذبون في كل يوم من أيام السنة . وهنا اضيف معقبا ، لعل اولئك الطلبة كانوا في هذا اليوم فقط يصدقون مع أنفسهم في كذبهم على الآخرين والتعبير عن حقيقتهم المخفية.
لعل من أتخذ هذا اليوم للكذب ، كان هدفه راحة أنفسهم من الصدق مع النفس والاخرين طوال عمرهم ، ليخلدوا الى الراحه بعد فرحه بنيت على كذبة بسيطة و مؤقتة ليس لها تأثير على احد ، كما يحصل
في عموما المجتمع الشرقي ، قد يجد البعض في كذبه نيسان احيانا فرصة للنيل من الآخر تحت هذه الحجة ، عندما يسمعه خبرا كاذبا بدرجة مؤلمة ، كأن يتناول وفاة قريب له ، ليذهب هذا الثاني في الحال إلى دار ذلك القريب ، ليتفاجأ به كأول من يستقبله مرحبا ، وسط دهشة كليهما ، مما سمعه الاول.

عن سعيد قزاز آخر وزير داخلية في العهد الملكي كتب مقالا ، كنموذج لشخصيات خدمت الدولة العراقية بكل اخلاص وتفاني ، ليكتب عن سعيد قزاز ، أنه وصل الى منصبه بكفاءته وعصاميته . وبعد ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ حكم عليه بالإعدام ، وقبيل تنفيذه ، قال سعيد قزاز قولته الشهيرة :
اصعد الى حبل المشنقه وارى تحت اقدامي اناسا لا يستحقون الحياة .

افاد المؤلف إلى أنه لا يدافع بمقاله عن سعيد قزاز ، وإنما يشير إلى انه كم يتوجب على رجال الثورة أية ثورة ، أن يميزوا بين من يقوم بعمله بمهنية صافيه ، وبين من يستغلها للتنكيل بالشعب. واعطى في ذلك مثلا ، استشهد فيه بقيادة الثورة الكردية التي لم تحذوا حذوا قادة ثورة ١٤ تموز بعد انتصارها في أوائل التسعينات في النيل من خصومها ، بل أنها سرعان ما أصدرت عفوا عاما عن كل من كان يعمل ويتعاون ويشارك في قمع الشعب الكردي. وكأن الكاتب يريد القول إن العنف يولد العنف والشر يولد الشر وان افضل وسيلة هو التسامح والبدء بصفحة جديدة. وهذا ما فعلته الثورة الكردية

تكملة لمقال المؤلف عن سعيد قزاز ، أضيف هنا ما كتبه الرحالة المعروف يونس بحري في مذكراته عن سجن ثورة ١٤ تموز في أبو غريب الذي كان قد اقتيد اليه صباح اليوم التالي للثورة (رغم أنه وصل بغداد قادما من بيروت قبل يوم واحد فقط ، بعد غياب لمدة ثمانية عشر عاما) ليجد هناك سعيد قزاز كأول وزير تم اعتقاله وزجه في ذلك السجن ، هذا الوزير الذي ما ان راه حتى سأله : ألست يونس بحري فاجابه ب نعم. فبادره سعيد قزاز معلقا : حتى في السجن ما نخلص منك .

ايد يونس بحري حركة رشيد عالي الكيلاني سنة ١٩٤١ وبعدها هرب إلى ألمانيا ليؤسس هناك اذاعه المانيا العربيه في برلين بعد أن طلب من وزير الدعاية الألماني مساعدته و مرافقته لمقابلة هتلر ، بغية أخذ موافقته التي حصل عليها ، عندما أعلمه بأن هذه الإذاعة ستكون بدلا لإذاعة لندن العربية التي تشهر بألمانيا ودول المحور عند الشعوب العربية.

عن سعيد قزاز ايضا يقول يونس بحري انه في اليومين التاليين لاعتقاله ودفعه إلى قاعة السجن في ابو غريب ، امتلات بالكامل برؤساء الوزارات والوزراء والمتصرفين وغيرهم من المسؤولين الملكيين السابقين ،ويقول ان الكل كان خائفا من قادم الايام معهم ، الا سعيد قزاز الذي بقي شجاعا لا يهاب اي مسؤول جديد. ويضيف أن سعيد قزاز عنف ذات يوم توفيق السويدي أحد رؤساء الوزارات السابقين المعتقل معه ، الذي كان يردد مع نفسه و يلصق كل التهم المتعلقة بسياسه البلد بالوصي. بعدها سأله متهكما لماذا هكذا تتنصل عن مسؤوليتك وتضع السبب في رأس غيرك ، أليس من المعيب لك هذا وانت كنت رئيسا للوزراء. أما أنا فلن اخجل ولن اتهرب من مسؤوليتي عن كل ما فعلته في مختلف المناصب التي شغلتها ، و سأتحمل مسؤولية ذلك بشرف ، ولو عادت لي ايامي السابقه ساقوم واكرر ما فعلته ثانيه وبما يمليه علي واجبي ولن اندم .

الجدير بالذكر ان سعيد قزاز من أهالي مدينة السليمانية ، و في فترة تسلمه منصب متصرف الموصل في أواسط الستينات كان يشجع ايزيدي سنجار على التعليم والدخول للمدارس من منطلق وطني وقومي . افتتح عشرات المدارس في قرى سنجار وكان يتابعها بنفسه ويأمر بتجهيزها بكل المستلزمات.

والكلام عن الايزيديه يقودني الى ما ورد في الكتاب موضوع الحديث من مقالات عنهم ومنها مقاله : اليس من حق الايزيديين ان يعاتبوا!!
وبعد استعراضه لدورهم في جميع حركات التحرر والنضال الوطني الكردستاني والعراقي ، يقول المؤلف وبصفته الايزيديه اننا جزء من هذا الشعب وقد ذقنا نصيبنا من الاسى والويلات ، وقدمنا كل ما بوسعنا لخدمة هذا الوطن ، فلماذا نحرم من ابسط حقوقنا ، اليس من حقنا ان نعاتب اخوتنا و اعزائنا ونخشى ان ينسحب هذا الحرمان على امور اخرى في المستقبل.

واعقٍب هنا على ما كتبه الفقيد عيدو بابا شيخ بعد مرور فترة طويلة على كتابته لمقاله هذا وأقول : إن خشيتك كانت في محلها وان ايزيديتك تعرضوا بعد ١١ عام وتحديدا في ٣ آب ٢٠١٤ الى ابشع حمله اباده جماعية في سنجار من قبل الدواعش قتلوا فيها الآلاف من الرجال واختطفوا الآلاف من النساء ومثلهم من الأطفال ليغسلوا ادمغتهم من كل ما يربطهم بموطنهم ومعتقدهم ولغتهم ، ليلقنوهم بعدها أفانين افكارهم المتطرفة ، ومن ثم يعرضونهم للبيع في أسواق نخاستهم او يسخروهم في تفجيرات انتحارية عن بعد.

وعن الايزيديين ايضا وفي مقاله هل من مؤازر ، يستعرض الكاتب مقطعا لاحد ادعيتهم مترجما عن اللغة الكردية ، بما يدل على توحيدهم وتعبدهم ولكن رغم كل ذلك تعرضوا لمختلف المآسي والويلات واصناف التنكيل والتعذيب والسبي والقتل الجماعي .وألصقت بهم شتى التهم كالكفر والالحاد ، وقد افتى احد الملالي وقتها اي قبل نشره لمقاله بتحليل دمائهم واموالهم واعراضهم ، ثم يضيف بأن ذلك قد يكون هدفه الانتقام شخصي ، كما حصل من قبل الملا يحيى المزوري في فرمان ميري كورا سنه ١٨٣٢ او قد يكون لأطماع شخصية واثارة الفتن.

بعدها أضاف أنه قد برزت مؤخرا (والكلام سنه ١٩٩٦ ) في كل المناطق التي يقيم فيها الايزيديين دعوات تدل على ضيق الافق والفتنه ولا تتواءم وعصر الديمقراطيه و حرية الرأي والمعتقد واحترام حقوق الإنسان. ثم أشار إلى أن أحد الدعاة باتوا يدعون الى عدم الاختلاط والتعامل مع الايزيديه …… وقد هدد بالهجوم على المجمعات السكنيه الايزيديه ، ولا ادري على ماذا كان يستند ، ومن حسن الحظ لم تنفذ.

ان مقال المؤلف يبين بجلاء مسؤوليه الحكومة في متابعه هؤلاء المغرضين ومنعهم من زرع الفتنه بخطبهم وفتاويهم التي قد تجلب الويلات والمآسي للكل. ويعكس المقال ضرورة تبني الحكومة لقوانين صارمه بحق هؤلاء ، كما يعكس ما ورد في المقال ضرورة تبني منهجا تربويا حداثويا في مجال التربية والتعليم بإشراف مباشر من الحكومة ، بما يعزز روح الاخوة بين عموم أبناء المجتمع ، ومن منطلق الدين لله والوطن للجميع ، يتم التعريف فيه بجماليه منتقاة عن كل أطياف المجتمع. ذلك أن الدولة عبارة عن نظام مؤسساتي مهمته توفير الامن والامان والتعليم والصحة والخدمات الاخرى ، وهي موكله من الشعب بدستور متفق عليه لتحقيق ما اشرت له وفق قوانين مدنية وضعيه ، أي قوانين علمانية تتناسب وروح العصر كما هو معمول في الدول المتقدمة لضمان استقرار الدولة ورفاهية شعبها.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

Most Popular