شكل حزب البعث العربي الاشتراكي الهيكل الرئيسي والعقل المدبر والمنفذ الفعلي لانقلاب الثامن من شباط/فبراير 1963 1، في حين لعبت القوى القومية الأخرى، وخاصة في الجيش، الدور المساند والداعم له مثل عبد السلام محمد عارف وعبد الكريم فرحان وصبحي عبد الحميد وعارف عبد الرزاق وعبد الهادي الراوي، إضافة إلى مشاركة بعض المؤمنين المتدينين من الضباط المسلمين المتشددين من أمثال عبد الغني الراوي وغيره، في عملية التنفيذ وليس في التحضير للانقلاب2، وكانت المجموعة الأخيرة ترتبط بالجناح القومي الناصري من الحركة السياسية العراقية، في حين كان العقيد الركن عبد الغني الراوي يرتبط بشكل أقوى وأوضح بالتيار السياسي والديني للملكة العربية السعودية، وإن كان يعمل تحت خيمة التيار القومي الناصري بجناحه اليميني. لقد بني هذا التعاون السياسي في فترة الانقلاب في ضوء التحالف القديم الذي نشأ في العام 1959 بين القوى القومية بمختلف أجنحتها والقوى البعثية، والذي أطلق عليه في حينها بـ “التجمع القومي” رغم انفضاض عقده بعد سقوط الوحدة المصرية السورية وانسحاب سوريا من تلك الوحدة الشكلية في أعقاب انقلاب 1962، وكذلك التحالف السياسي المباشر المناهض لحكم عبد الكريم قاسم بين قوى البعث والقوى الكُردية. أما التحالف بين القوى القومية والقوى الإسلامية السياسية، شيعية كانت أم سنية، فقد كان تحالفاً عملياً تحقق على الأرض وفي الشارع وفي الموقف العام من حكم وسياسات قاسم الوطنية وقانون الأحوال الشخصية، رغم الفجوة التي كانت قائمة بين فكر وممارسات حزب البعث وبين قوى الإسلام السياسي الشيعية. وإذا كانت قوى الإسلام السياسي الشيعية قلقة من موقفها المناهض لقاسم، بسبب أن غالبية أتباع المذهب الشيعي كانت تميل إلى جانب عبد الكريم قاسم، في حين أن نسبة غير قليلة من أتباع المذهب السني كانت ضد قاسم.
كانت القيادة الفعلية للانقلاب محصورة بيد النواة الصلبة المكونة لقيادة حزب البعث والتي تمثلت قبل انقلاب شباط بالثلاثي على صالح السعدي، أمين سر القيادة القطرية حينذاك، وحازم جواد وطالب شبيب، وكلاهما كان عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث، وكلهم من الشباب الذين لا تزيد أعمارهم حينذاك عن الثلاثين عاماً، إضافة إلى كل من أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش وعبد الستار عبد اللطيف ومنذر الوندواي، وهم من أعضاء المكتب العسكري لحزب البعث، وكذلك قيادة فرع بغداد، التي كان حازم جواد مسؤولاً عنها 2. وكانت هذه المجموعة الصغيرة تدير نشاط القيادة القطرية والمكتب العسكري لحزب البعث في آن واحد وتخطط للانقلاب. وكان المكتب العسكري لحزب البعث مسؤولاً عن تنظيم وتأمين العلاقة مع الضباط المرتبطين بحزب البعث أو المساندين لحركة الانقلاب ضد حكومة عبد الكريم قاسم وتوزيع المهمات على المشاركين في الانقلاب. لم يكن للانقلابيين عدد كبير من الضباط المساندين لحركتهم بقدر ما كان للشيوعيين والقاسميين والديمقراطيين من الضباط وضباط الصف والجنود. ومع ذلك نجح الانقلاب البعثي وأطيح بحكم قاسم واستولى البعثيون على السلطة السياسية. والسؤال المشروع الذي يفرض نفسه في هذا المجال هو: لِمَ انتصر الانقلابيون وفشل قاسم في الاحتفاظ بالحكم؟
ويبدو لي مفيداً بلورة الإجابة عن هذا السؤال بنقاط محددة لإدراك عمق المشكلات التي اقترنت بعملية الإطاحة بحكم الفريق الركن عبد الكريم قاسم. إذ يفترض أن نتابع حركة القوى المتصارعة حينذاك، أي كيف كانت تعمل القوى التي تساند وتقف بمستويات مختلفة إلى جانب قاسم، وكيف كانت تعمل القوى المضادة لحكم عبد الكريم قاسم؟ وبصدد الجزء الأول من هذا السؤال يمكن بلورة الجواب بالنقاط التالية:
* هيمنت فردية قاسم على علاقته مع القوى الأخرى وسيطرة القناعة لديه بأنه الحاكم المعبود من الشعب والقادر على قهر كل المتآمرين، وهي صيحة أقرب ما تكون إلى “دار السيد مأمونة” التي أطلقها نوري السعيد حينذاك وقبل إسقاط نظامه الملكي، رغم الفارق بين الشخصيتين وأهدافهما. لم تساعد السمة الفردية والغرور، رغم تواضعه الشخصي قبل ذاك، على الاستعانة بالآخرين لمساعدته في التعرف على الواقع السياسي في البلاد. ورغم معرفته باحتمال حصول انقلاب واعتقال بعض البعثيين، إلا أنه لم يستطع إدراك عمق الأزمة التي كان يعيشها نظامه السياسي خصوصاً والعراق كله عموماً في آن، واستصغر وسخر من القوى المناهضة له وبإمكانياتها. ولهذا لم يتخذ وينفذ مجموعة كبيرة من الإجراءات التي كانت ضرورية والتي كان في مقدورها وضع حد أو إعاقة وقوع الانقلاب أو إفشاله عند وقوعه. والجدير بالإشارة إلى أن عبد الكريم قاسم لم يأمر أو يمارس التعذيب ضد المعتقلين من البعثيين قبل الانقلاب بأيام، للحصول على أسرار الانقلاب، وهو أمر يحسب لصالح قائد ثورة تموز 3. لقد كان قاسم فرداً مستبداً برأيه في تعامله مع الأحداث والواقع العراقي ومع آراء الآخرين الذين نصحوه وحذروه من النشاط التآمري ضده، ولكنه لم يفرض نظاماً دكتاتورياً مطلقاً في البلاد.
* الحرب المجنونة التي فجرها عبد الكريم قاسم ضد الشعب الكُردي والتي استنزفت الكثير من قواه الداخلية والعسكرية وتسببت في زيادة المعارضين وللحرب في كردستان بنسبة عالية. حيث هيمن شعار “السلم في كردستان”، إذ طالبت أغلب القوى السياسية العراقية من قاسم إيقاف القتل وحل المسألة الكُردية بالطرق السلمية وعبر التفاوض المباشر.
* كما أن سياسته غير العقلانية إزاء الكويت ودعوته إلى إلحاقها بالعراق وادعاء عائديتها للعراق وسعيه الفعلي لاستعادتها بالطرق العسكرية، ثد ساهمت في تنشيط كل القوى الدولية، ولاسيما بريطانيا، في تشديد العمل ضد حكومة قاسم.
* وفيما عدا عن ذلك فأن الثقة العالية التي كانت لدى قاسم بنفسه أولاً، وبأن الشعب سيدافع عنه في اللحظة المناسبة ثانياً، ورغبته في تجنب أي حرب أهليه ثالثاً، ساهمت كلها في نجاح الانقلابيين في إسقاط حكم عبد الكريم قاسم. إذ أنه حتى اللحظة الأخيرة رفض إعطاء السلاح للمدافعين عنه خشية وقوع حرب أهلية، خاصة وأنه كان يعتقد جازماً بأن المجتمع منقسم على نفسه بين مؤيد للشيوعيين ومعارض للبعث أو العكس، وبالتالي فأن الحرب ستكون شرسة والضحايا كبيرة.
* ارتفاع مستوى الشك في الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان يدعم عبد الكريم قاسم أكثر من أي قوة سياسية أخرى في البلاد، رغم اختلاف الحزب معه في جانبين، في سياسته الفردية ونزوعه إلى الهيمنة وابتعاده الفعلي عن الممارسات الديمقراطية من جهة، وحربه ضد الشعب الكُردي التي كانت تستنزف قوى البلاد من جهة أخرى. ونشأ هذا الشك عن أسباب عدة، وهي:
– المعلومات التي بلغت قاسم عن نية بعض الضباط الشيوعيين بتنظيم انقلاب ضده، رغم أنه كان يعرف بأن قيادة الحزب الشيوعي رفضت هذا المقترح، وأنها تسانده، ولكنها تسعى إلى تغيير نهجه السياسي وإجراءاته الفردية. ومع ذلك بقي الشك لديه بالحزب الشيوعي كبيراً ومتفاقماً.
– تكرار قيام قيادة الحزب الشيوعي العراقي إبلاغ عبد الكريم قاسم عن مواعيد كانت قد وصلتها وتشير إلى احتمال تنفيذ عملية انقلاب ضده من جانب البعثيين والقوميين، كما أصدر الحزب الشيوعي العديد من البيانات والتحذيرات من احتمال وقوع انقلاب وشيك، وكان آخرها في 25/1/1963 5، أي قبل 13 يوماً من وقوع الانقلاب الناجح. ويبدو أن تلك المواعيد التي لم تكن كاذبة، كانت تلغى من قبل المخططين لها وتؤجل لموعد أخر. فارتفع الشك لدى قاسم بأن الشيوعيين يريدون التشويش على علاقته بالبعث والقوى القومية وأنهم يريدون أثارته ضدهم، حتى بلغ به الأمر دعوة القوميين إلى ترشيح ثلاث شخصيات جديدة لتدخل الوزارة ممثلة عنهم، وتم ذلك عبر محمد صديق شنشل، رغم أن البعثيين رفضوا ذلك. ومع أن قاسم قد اعتقل بعض قادة البعثيين، إلا أنه لم يمس القيادة الفعلية بشكل كامل ليتسنى له شل الحركة الانقلابية ومنع تنفيذ المخطط المرسوم.
– وقوف الحزب الشيوعي إلى جانب شعار “الديمقراطية للعراق والسلم لكُردستان” أغاظ عبد الكريم قاسم ودفعه إلى ممارسة إجراءات جديدة ضد الحزب الشيوعي وزج المزيد من كوادر وأعضاء الحزب بالسجن وإصدار جملة أحكام ثقيلة ضدهم.
* أدى هذا الشك بالحزب الشيوعي إلى اتخاذ قاسم مجموعة من الإجراءات ضد الشيوعيين، وأهمها:
– فصل الكثير من الضباط الشيوعيين من القوات العسكرية أو إحالتهم على التقاعد أو نقلهم إلى مراكز بعيدة أو غير فعالة.
– الكف عن التحاور معهم أو استشارتهم أو استشارة المقربين منهم إليه.
– شن حملة واسعة ضد الشيوعيين من قبل أجهزة الأمن والاستخبارات قادت إلى ارتفاع مستوى المناهضة الفعلية لعبد الكريم قاسم في القاعدة الحزبية للشيوعيين ولدى الكادر الوسط.
* غياب أي شكل من أشكال التعاون الفعلي المنشود بين القوى السياسية العراقية من جهة، وحكومة عبد الكريم قاسم من جهة أخرى، لمواجهة أي محاولة انقلابية محتملة، وغياب الاستعداد الفعلي لمواجهة أي انقلاب محتمل. وكل المؤشرات تؤكد وجود صراعات وخلافات في المعسكر المساند لقاسم بسبب الاختلاف في المواقف حول سياساته ومواقفه إزاء الديمقراطية والحياة الدستورية والحرب في كُردستان والموقف من الكويت … الخ.
* عدم وجود أسرار في معسكر عبد الكريم قاسم يمكن أن تبقى خافية على الانقلابيين بسبب وجودهم المنتشر في أجهزة الأمن والاستخبارات وفي وزارة الدفاع أيضاً.
* وجدير بالإشارة إلى أن عبد الكريم قاسم لم يكن يعتبر القوى البعثية أو القوى القومية من الناصريين وغيرهم عدوة له، بل كان يعتبرها اتجاهاً فكرياً وسياسياً يختلف معه، ولكن يحق له الحياة والعمل في العراق. ولهذا سكت عن النشاطات التي كان يقوم بها حزب البعث وبقية القوى القومية، رغم إدراكه بأنها موجهة ضده.
وفي مقابل هذا تمتعت القوى المناهضة لحكم عبد الكريم قاسم بعدة امتيازات ساعدتها على إسقاط حكم قاسم، نشير إلى أهمها فيما يلي:
– الموقف السياسي المشترك لدى القوى البعثية والقومية الناصرية المعارضة لحكم قاسم المصممة على إسقاط النظام، في مقابل التفكك في مواقف القوى المساندة لقاسم.
– حرية الحركة الواسعة التي تمتعت بها القوى البعثية والقومية وكل القوى المناهضة لحكم عبد الكريم قاسم، فهو رغم سياسته الفردية وغير الديمقراطية، تساهل مع القوى المناهضة له التي كانت تريد الانقضاض عليه وعلى نظامه على أساس مبدأ “عفا الله عما سلف”.
– حرية العمل في القوات المسلحة لأغلب البعثيين والقوميين الذين استطاعوا بفعل وجود قوى لهم في مواقع المسؤولية تركيز وجودهم العسكري في مناطق حساسة وقريبة من بغداد ومعسكر الرشيد وقادرة على استخدامها لتوجيه الضربة.
– القدرة في الوصول إلى أدق المعلومات عن تحركات عبد الكريم قاسم ومجموعة الضباط المؤيدين له والقوى المعارضة للانقلابيين من خلال جهاز الأمن وجهاز المخابرات ووزارة الدفاع.
– إشاعة الرعب في صفوف الناس من خلال عمليات الاغتيال ضد الوطنيين أو إشاعة الفوضى بتنظيم الإضرابات الطلابية التي بدأت في 24/12/1962 6، أو حول أسعار البنزين قبل ذاك بكثير وما إلى ذلك.
– التذمر الشعبي من بعض سياسات قاسم التي أبعدت جمهرة من الناس عن الالتفاف حول نظامه، رغم الحب الذي كان يحظى به.
– التحالف الواسع الداخلي والعربي والإقليمي والدولي الذي تحقق في مناهضة حكم قاسم والسعي لإسقاطه.
لقد كانت الأرضية صالحة جداً لتنفيذ الانقلاب، وكانت القدرة على إيقافه وصدّه محدودة جداً، بسبب عدم تعاون قاسم مع القوى المساندة له وغياب الموقف المشترك.
تميز الانقلاب الذي وقع في الثامن من شباط/فبراير 1963 بالعنف والدموية وروح الانتقام والثأر من قادة وقوى ومساندي الحكم الجمهوري الأول. وإذ عجز عبد الكريم قاسم عن الدفاع عن نفسه واحتمى بوزارة الدفاع التي اعتبرها “عريناً” له، فأن القوى السياسية الأخرى، ومنها قوى الحزب الشيوعي العراقي بشكل خاص، رفضت الاعتراف بهذا الانقلاب والاستسلام للانقلابيين وقررت بناء على قرار قيادة الحزب وسكرتيرها الأول، سلام عادل، مقاومة الانقلاب والسعي لإفشاله، رغم إدراك سلام عادل بأن إمكانية النجاح في المقاومة ضعيفة جداً بعد أن أدرك ومن خلال اتصاله المباشر بقاسم، بأن الأخير غير مستعد لتسليح الجماهير المدافعة عنه وعن الجمهورية الأولى.
وقفت إلى جانب الحزب الشيوعي في مقاومة الانقلاب قوى شعبية واسعة في العديد من أحياء بغداد وفي أنحاء أخرى من العراق، كما في البصرة التي تصدت بإخلاص وقوة للانقلابيين، ولكن دون أن تمتلك السلاح والقدرة الفعلية على المقاومة، فيما عدا البعض الذي كان قد اختزن سلاحه الشخصي أو استطاع الحصول عليه من بعض مراكز الشرطة كما في الكاظمية مثلاً. ليست تفاصيل المقاومة التي نهضت في أنحاء من العراق وفي أحياء كثيرة من بغداد، مثل الكاظمية وحي الأكراد الفيلية أو الكرادة أو المواقع والشوارع القريبة من وزارة الدفاع وباب المعظم وغيرها هي التي تهم الباحث والبحث، إذ كتب عن هذا الموضوع كثيراً، بقدر ما يهم البحث مدى صواب أو خطأ تلك المقاومة، ومدى التحضير لها والتنسيق مع القوى السياسية الأخرى ومع الحكم في ضوء الاختلال في ميزان القوى الذي تحقق بفعل موقف عبد الكريم قاسم الفعلي من موضوع المقاومة وخشيته من اشتعال حرب أهلية.
كل الدلائل تشير إلى ثلاث وقائع مهمة، وهي:
- لم يكن هناك أي تنسيق عملي بين القوى التي كانت تساند عبد الكريم قاسم وبين قاسم نفسه، رغم معرفة الجميع بأن الانقلاب قاب قوسين أو أدنى، وأن قاسم قد نبه إلى ذلك واتخذ بعض الإجراءات، سواء أكان باعتقال بعض البعثيين القياديين، أم بنقل بعض الضباط البعثيين والقوميين ومصادرة بعض الأسلحة التي كانت في مخازن خاصة وضعت لصالح الانقلاب من قبل ضباط بعثيين، كما حصل مع الضابط البعثي خالد مكي الهاشمي.
- لم تكن خطة الطوارئ التي وضعت من قبل الحزب الشيوعي لمواجهة الانقلاب كفيلة بضمان مقاومة ناجحة للانقلاب، خاصة وأن الحزب كله لم يكن على وفاق في سياسته مع حكومة قاسم. ولهذا تعثر تنفيذ الخطة ابتداءً من قبل المسؤول العسكري للجنة العسكرية للحزب الشيوعي والمسؤول عن تنفيذ الخطة أصلاً. حتى أن المسؤول عن تنفيذ الخطة قائد القوة الجوية العراقية الشيوعي والشخصية المحبوبة في القوات المسلحة العراقية الزعيم الطيار جلال جعفر الأوقاتي لم يبلَّغ بضرورة مغادرته البيت إذ أن من كان عليه إيصال الخبر له تعطلت سيارته، ولم يعمد إلى أخذ سيارة أجرة لإيصاله إلى دار جلال الأوقاتي الذي قتل على مقربة من داره وهو بصحبة أحد أبنائه الصغار صبيحة يوم الانقلاب 7، كما لم تكن هناك خطة بديلة في حالة تعثر أي من مراحل الخطة لأي سبب كان.
- لم يكن الشعب العراقي موحداً في موقفه من حكم عبد الكريم قاسم، خاصة وأن موقف الغالبية الكُردية كانت ضد حكومة قاسم ومتحالفة مع قوى البعث والقوى القومية لإسقاط حكومته، كما أن جمهرة كبيرة من العرب لم تعد تثق بسياسة قاسم غير الديمقراطية. أما القوى الشعبية التي كانت تريد الدفاع عنه فكانت لا تمتلك القيادة السياسية والعسكرية الموحدة والقادرة على منحها التوجيهات والأسلحة لكسب المعركة ضد الانقلابيين.
وعلينا أن نعي مسألة أخرى هي كثرة من الجماهير التي ركضت في مظاهرات انتصار ثورة 14 تموز 1958، يمكن أن تركض وراء كل انقلاب يحصل في البلاد، فهم جزء من المجتمع الهامشي المسحوق الذي كان ينتظر من كل حركة انقلابية الحصول على مكاسب معينة، إذ لا تربطه بالانقلابيين أياً كانوا أي توافق أو تناغم فكري وسياسي بأي حال. وأن هذه الجماهير التي استفادت من الثورة في البداية تعرضت إلى الكثير من المشكلات حيث بدأت الثورة بالتعثر والوضع السياسي بالتراجع.
إن الدعوة إلى مقاومة الانقلاب استندت لدي قيادة الحزب الشيوعي العراقي إلى عدد من الركائز المهمة، وهي:
- القناعة التامة بأن المغامرين الجدد ينفذون سياسة مرتبطة بهذا القدر أو ذاك بالاستعمار البريطاني والشركات النفطية الدولية والولايات المتحدة الأمريكية، وهي بالتالي تشكل جزءاً من مخطط دولي يستهدف المنطقة بأسرها ويقوم على مناهضة حركة التحرر الوطني العربية وفي المنطقة، إضافة إلى كونه موجهاً ضد الاتحاد السوفييتي والحركة الشيوعية. ولم تكن الحركة الوطنية العراقية مخطئة حين اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بدعم الانقلاب في العراق وأن الانقلابيين جاءوا بقطار أمريكي، على وفق تصريح علي صالح السعدي في العام 1963، إذ أن السفير الأمريكي الحالي هيل أوضح بتاريخ 19/2/2010 في تصريح واسع له عن أوضاع العراق والانتخابات قوله:
“وأشار بشكل صريح الى انه في الستينيات عندما كانت الولايات المتحدة قلقة جداً من احتمال انتشار الشيوعية إلى العراق، كان البعث يرى باعتباره بديلاً عن الشيوعية، حيث كانت الولايات المتحدة في حقيقة الأمر تفضل البعثية، وكذلك في عملية عام 1968 والتي أدت إلى عودة البعثيين و كانت الولايات المتحدة تفضل ذلك على أن يصبح فيها العراق شيوعياً” 8 .
- والقناعة بأن الانقلاب مناهض لمصالح الشعب وحرية الوطن ولا يخدم قضية الديمقراطية والتقدم الاجتماعي، بل هو ردة رجعية تدفع بالبلاد إلى الوراء وسقوط في الممارسة الشوفينية والرجعية. وقد جاء فيما بعد في حديث شخصي للملك حسين بن طلال مع محمد حسنين هيكل حول انقلاب البعث في العام 1963 قوله:
“تقول لي أن الاستخبارات الأميركية كانت وراء الأحداث التي جرت في الأردن عام 1957. أسمح لي أن أقول لك إن ما جرى في العراق في 8 شباط (فبراير) قد حظي بدعم الاستخبارات الأميريكية. ولا يعرف بعض الذين يحكمون بغداد اليوم هذا الأمر ولكني أعرف الحقيقة. لقد عُقدت اجتماعات عديدة بين حزب البعث والاستخبارات الأميركية، وعقد أهمها في الكويت. أتعرف أن … محطة إذاعة سرية تبث إلى العـراق كانت تزود يوم 8 شباط (فبراير) رجال الانقلاب بأسماء وعناوين الشيوعيين هناك للتمكن من اعتقالهم وإعدامهم” 9 .
- وأن التحالف بين الحركة الكُردية وقوى الانقلاب لم يكن سوى هروب الحركة الكُردية إلى أمام من الواقع القائم بأمل الخلاص من حكم عبد الكريم قاسم، ولكن قوى البعث لم تكن مستعدة بأي حال الاستجابة لحقوق الشعب الكُردي، بل كانت تصم الحركة الكردية بـ”أنها حركة استعمارية مشبوهة”، كما جاء في جريدة الاشتراكي التي كان يصدرها حزب البعث قبل سقوط النظام بأسابيع قليلة 10. وفي تشرين الثاني من العام 1962 أصدر حزب البعث بياناً نشر في صحافته تضمن الفقرة التالية بشأن الحركة المسلحة التي كان يقودها ملا مصطفى البارزاني:
“إن الحركة المسلحة في الشمال وموقف عبد الكريم قاسم منها، تفوح منهما رائحة التآمر والتواطؤ مع الاستعمار، فقيادة الحركة المسلحة بماضيها وحاضرها الملطخ بالدماء والمتصف بالاعتداء، ونياتها العدوانية التي أفصحت عنها مراراً وتعصبها الأعمى، يجعلها محلاً للريبة والاتهام. وأن موقف تركيا وإيران عضوي (السنتو) من الحركة، ورعايتهما هذه الحركة وتغذيتها بكل ما تحتاج إليه من مؤن وعتاد، يحول هذا الاتهام إلى يقين وإدانة” 11. وعلينا أن نقدر مدى الخطأ الفادح الذي وقعت فيه الحركة الكردية بقيادة ملا مصطفى البارزاني في تحالفها مع حزب البعث والقوى القومية لإسقاط الجمهورية الأولى والخلاص من عبد الكريم قاسم للحصول على حقوق الشعب من قوى لا تعترف بوجود للشعب الكردي أساساً.
- إن القوى البعثية والقومية سوف ترتكب مجازر بشعة بحق قيادة وكوادر وأعضاء ومؤيدي الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية وضد مؤيدي قاسم أيضاً، إضافة إلى المخاطر التي تتهدد الضباط المختلفين معهم، وبالتالي لا بد من المقاومة لتجاوز المحنة المحتملة الأكثر قسوة، في حالة نجاح الانقلاب.
- وكانت قيادة الحزب الشيوعي تعتقد أيضاً بأن الجماهير ستهب دفاعاً عنى النظام الجمهوري وعن مكاسبها، كما أن قاسماً سيمنح الشعب ثقته ويمده بالسلاح والعتاد لمقاومة الانقلاب والذي لم يتحقق.
ومع ذلك فقد تكونت لديَّ القناعة بأن الدعوة للمقاومة جسدت حالة عاطفية لدى سلام عادل وقيادة الحزب، إن كانت قد اتخذت القرار بشكل مشترك، أكثر منها عملية عقلية مدروسة على أرض الواقع. ورغم القناعة المتوفرة أيضاً بأن الانقلابيين حتى لو لم تكن هناك مقاومة مسلحة ضدهم، لقاموا بذات المجازر الدموية التي ارتكبوها ضد حكم عبد الكريم قاسم وضد الناس الذين ساندوه أو حتى الذين اختلفوا معه ورفضوا سياساته. لقد كانت الكراهية والحقد وحب الانتقام والهيمنة الكاملة على السلطة السياسية في أعلى وأقسى وأسوأ صورها لدى حزب البعث.
لقد أصدر الحزب الشيوعي العراقي بتاريخ 3 كانون الثاني/يناير 1963 بياناً علنياً أشار فيه إلى ما يجري في الخفاء لتنفيذ انقلاب بعثي – قومي ضد حكم عبد الكريم قاسم وحذر من العواقب الوخيمة لنجاح مثل هذا الانقلاب. فقد جاء في البيان ما يلي:
“هناك معلومات متوفرة تشير إلى أن الكتائب المدرعة في معسكرات بغداد ولواء المشاة التاسع عشر أصبحت مراكز لنشاط عدد كبير من الضباط الرجعيين والمغامرين الذين يأملون بتحويل هذه المراكز إلى قواعد انطلاق لانقضاض مفاجئ على استقلال البلاد، وقد حددوا موعداً بعد آخر لتحقيق هذا الغرض. وللموعد الحالي مغزى خاص نظراً لخطورة الأزمة السياسية الراهنة وعدد الزيارات التي يقوم بها بعض كبار الجواسيس الأميركيين لبلدنا” 12.
لقد كانت لدى الحزب الشيوعي العراقي معلومات موثوقة بأن حزب البعث والقوى القومية والمتحالفة تستعد لتنفيذ عملية انقلابية ضد نظام الحكم وبلغا قاسم به عبر الكثير ممن كانوا يتصلون به حينذاك، كما أن الأستاذ الراحل محمد حديد هو الآخر قد بلغ عبد الكريم قاسم بوجود مؤامرة تستهدف النظام وشخص عبد الكريم. ولكن قاسماً كان قد فقد الثقة بهؤلاء واعتمد على جواسيس البعث الذين احتلوا مواقع مهمة في أجهزة الأمن العراقية.
وبعد الانقلاب أصدر الحزب الشيوعي بياناً نارياً جاء فيه ما يلي:
” إلى السلاح لسحق المؤامرة الاستعمارية الرجعية
أيها المواطنون! يا جماهير شعبنا المجاهد العظيم! أيها العمال والفلاحون والمثقفون وسائر القوى الوطنية والديمقراطية!
قامت زمرة تافهة من الضباط الرجعيين المتآمرين بمحاولة يائسة للسيطرة على الحكم، تمهيداً لإرجاع بلادنا إلى قبضة الاستعمار والرجعية فسيطرت على مرسلات الإذاعة في أبي غريب وهي تحاول أن تثير مذبحة بين أبناء جيشنا الباسل لتنفيذ غرضها السافل الدنيء في السيطرة على الحكم.
إن جماهير شعبنا المجاهد حفار قبر المؤامرات، وجماهير جيش 14 تموز حفار قبر الملكية والاستعمار، ينهضان الآن كرجل واحد للدفاع عن استقلال البلاد ولدحر المؤامرة والمتآمرين، أعوان وصنائع الاستعمار والرجعية، والتأهب لرد أية محاولة استعمارية خارجية للتدخل في شؤون البلاد.
إلى الشوارع يا جماهير شعبنا الأبي المجاهد، لكنس بلادنا من الخونة المارقين.
إلى السلاح للدفاع عن استقلالنا الوطني وعن مكاسب شعبنا.
إلى تشكيل لجان الدفاع عن الاستقلال الوطني في كل معسكر وكل محلة ومؤسسة وفي
كل قرية.
إلى الأمام.
إلى تطهير الجيوب الرجعية، وسحق أية محاولة استعمارية في أية ثكنة وأية بقعة من بقاع البلاد.
إن الشعب بقيادة القوى الديمقراطية سيلحق العار والهزيمة بهذه المؤامرة السافلة، كما سبق أن سحق بلمحة خاطفة مؤامرة الكيلاني والشواف وغيرها … إننا نطالب الحكومة بالسلاح.
فإلى الأمام، إلى الشوارع، إلى سحق المؤامرة والمتآمرين.
بغداد في 8 شباط 1963 الحزب الشيوعي العراقي” 13
أدى النداء الذي أطلقه الحزب الشيوعي لمقاومة الإرهاب إلى نزول جماهير واسعة من الناس إلى الشوارع في محاولة منها لمواجهة الانقلاب، في وقت كانت لا تمتلك أسلحة تساعدها على مواجهة الانقلابيين. في مقابل هذا عجز عبد الكريم قاسم عن استخدام الإذاعة لبث نداءاته التي كان يريد إيصالها إلى الجمهور والموجهة ضد الانقلابيين وطمأنة الناس بأن هذه الحفنة من الخونة الانقلابيين سينهزمون، إذ كان الانقلابيون قد سيطروا على محطة البث أولاً، ولآن الذين تسلموا البيان لإيصاله إلى دار الإذاعة إما عجزوا عن ذلك أو كانوا متواطئين مع الانقلابيين. تضمن أحد ندائي عبد الكرم قاسم النص التالي:
“من الزعيم عبد الكريم قاسم إلى أبناء الشعب الكرام وإلى أبناء الجيش المظفر، إن أذناب الاستعمار وبعض الخونة والغادرون والمفسدون الذين يحركهم الاستعمار لسحق جمهوريتنا، الذين يحاولون بحركات طائشة النيل من جمهوريتنا ولتقويض كيانها. إن الجمهورية العراقية الخالدة وليدة ثورة 14 تموز الخالدة لا تسحق وأنها تسحق الاستعمار وتسحق كل عميل خائن، نحن نعمل في سبيل الشعب وفي سبيل الفقراء بصورة خاصة. وتقوية كيان البلاد. فنحن لا نقهر وأن الله معنا.
أبناء الجيش من مختلف الكتائب والأفراد، أيها الجنود البررة مزقوا الخونة اقتلوهم، اسحقوهم إنهم يتآمرون على جمهوريتنا ليحطموا مكاسب ثورتنا هذه الثورة التي حطمت الاستعمار وانطلقت في طريق الحرية والنصر. وإنما النصر من عند الله وأن الله معنا. كونوا أشداء أسقطوا الخونة والغادرين. أبناء الشعب في كل مكان، أسقطوا الخونة والغادرين، والله ينصرنا على الاستعمار وأعوانه وأذنابه” 8/2/1963. 14
لم يتسن لقاسم إيصال نداءاته إلى ضباط الجيش العراقي ولا إلى الشعب، في حين تمكن الحزب الشيوعي العراقي من إيصال بيانه ودعوته لمقاومة الإرهاب إلى أوساط غير قليلة من الجيش والشعب، فهب الشارع البغدادي محاولاً الوصول إلى وزارة الدفاع للمشاركة في الدفاع عن الجمهورية وقاسم في آن واحد، كما تحرك بعض الضباط الشيوعيين ومن مؤيدي قاسم أو الديمقراطيين الرافضين لقوى حزب البعث والقوى القومية، إلا أنهم حوصروا من قبل من كانت بيده المبادرة في احتلال رؤوس الجسور والطرق الخارجية أو مناطق مهمة من بغداد. لقد صمم الانقلابيون على ممارسة جميع أشكال العنف في مواجهة أتباع قاسم ورفاق الحزب الشيوعي العراقي، وخاصة القوى التي أرسلت للسيطرة على وزارة الدفاع، حيث مقر عبد الكريم قاسم.
بدأت التحركات الشعبية في الكاظمية والكرادة وحي الأكراد والكريمات وفي مناطق أخرى من الرصافة، إضافة إلى تحركات في مواقع عسكرية.
لقد تمت سيطرة الشيوعيين وأتباع قاسم على الكاظمية وخاضوا معارك ناجحة ضد القوات التي وقفت إلى جانب الانقلاب، إلا أن ميزان القوى قد اختل بعد توجيه المزيد من القوات العسكرية ونهوض تعاون بين البعث وجماعة الشيخ الخالصي في الكاظمية حيث ضربت مناطق شعبية بالمدافع وقتل الكثير من الشيوعيين وأصدقاء الحزب في تلك المعارك. كما وقعت معارك في حي الأكراد في محلة باب الشيخ وفي الكريمات والكرخ والكرادة ومناطق أخرى من العراق، إلا أنها كانت دون جدوى.
اختلفت التقديرات عن عدد الذين سقطوا في معارك الأيام الثلاثة، حيث قدر زكي خيري عدد القتلى من الشيوعيين والقاسميين والديمقراطيين بحدود 5000 إنسان، في حين قدر آخرون بتراوح العدد بين 12000-15000 إنسان، كما أن تقديرات أخرى ذكرت بأن عدد الشهداء الذين سقطوا في تلك المعارك بلغ بحدود 1500 إنسان، وأكثرهم كان من الشيوعيين والديمقراطيين. كتب زكي خيري يقول:
“وبلغ عدد القتلى خلال الأيام الثلاث الأولى من الانقلاب 5000 شخص في المقاومة وفي ملاحقة الشيوعيين من بيت إلى بيت” 15. أما حنا بطاطو في كتابه “العراق” أو “الطبقات الاجتماعية في العراق” فقد كتب يقول: “وفي تقديرات الشيوعيين ان لا أقل من 5000 “مواطن” قتلوا في القتال الذي جرى من 8 إلى 10 شباط (فبراير) وخلال الاصطياد الشرس للشيوعيين من بيت إلى بيت في الأيام التي تلت” 16. ثم يقول متابعاً:
“وذكر مصدر في الفرع الأول من مديرية الأمن العراقية للمؤلف في العام 1967 أن عدد القتلى للشيوعيين يومها وصل إلى 340 قتيلاً. وقدر مراقب دبلوماسي أجنبي حسن الاطلاع ولا يرغب في ذكر اسمه مجموع عدد القتلى بحوالي 1500، ويتضمن هذا الرقم ما يزيد على مئة جندي سقطوا داخل وزارة الدفاع و “شيوعيين كثيرين” 17. أما عدد البعثيين الذين قتلوا في هذه المعارك فقد قدر بالعشرات، إذ ذكر حنا بطاطو ذلك بقوله: “أما البعثيون فيقدرون خسائر حزبهم بثمانين شخصاً” 18.
قدم حي الأكراد معركة بطولية وملحمية يائسة ضد الانقلابيين بقيادة عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي محمد صالح العبلي، الذي اعتقل فيما بعد مع عدد من أعضاء قيادة وكوارد وأعضاء وأصدقاء الحزب وعذبوا بشراسة واستشهد الكثير منهم تحت التعذيب. وإذ بدأ القتال في هذا الحي بمشاركة ما يقرب من 4000 مقاوم، تقلص العدد إلى 1500 مقاوم في اليوم الثاني من الانقلاب وإلى 500 مقاوم في اليوم الثالث منه، وجلهم من الشيوعيين وأصدقاء الحزب ومن أبناء حي الأكراد 19. وكانت خاتمة المعارك ونهاية المقاومة المسلحة للانقلاب الدموي الفاشي في الأساليب التي استخدمها ضد القوى السياسية المعارضة له وضد الشعب بشكل عام.
الهوامش والصادر
كتب السيد عزيز الدفاعي يقول: “آن مذكرات أكرم الحوراني والمرحوم طالب شبيب وتصريحات علي صالح السعدي أمين سر الجناح اليساري لحزب البعث آنذاك التي أكد فيها بان البعثيين وصلوا إلى السلطة على ظهر دبابة أمريكية ينفيها الجناح الآخر من الحزب كما آن مذكرات هاني الفكيكي (أوكار الهزيمة) لا تعيننا كثيرا في تقديم تفسيرات ووقائع معززة بالوثائق والأدلة والاعترافات الرصينة حول الدور الذي قامت به واشنطن في إسقاط جمهورية الزعيم وإعدام المئات من كوادر الحزب الشيوعي العراقي حسب ادعاءات هؤلاء الساسة والمؤرخين.
بعد نصف قرن على تلك الفترة الكارثية من تأريخ بلاد مابين النهرين في العصر الحديث يشير كاتبان أمريكيان مرموقان وهما NAUM CHOMSKY الحائز على جائزة نوبل و MILAN RAI في كتابهما WAR PLAN IRAQ)) آن وليام ليكلاند مسؤول المخابرات المركزية في السفارة الأمريكية في بغداد بالتعاون مع عدد من الجنرالات العراقيين وقادة حزب البعث قد نجح في رسم خطة انقلاب 8-فبراير- شباط عام 1963 والتي اعتبرها السوفيت آنذاك صفعة قوية وجهت لهم ولطموحاتهم في العراق”. (راجع: الدفاعي، عزيز. العراق في الحقبة الأمريكية. الجزء الأول. الحوار المتمدن. العدد 2064 في 10/10/2007. (المقصود هنا قطار أمريكي وفق ما جاء في تصريحات على صالح السعدي، وليس على ظهر دبابة أمريكية، كاظم حبيب).
وجاء في حوار مع الدكتور عقيل الناصري أجراه السيد مازن لطيف علي بهذا الصدد ما يلي: “وقد افتخر بعض ضباط المخابرات الأمريكية بمساهمتهم في إنجاح الانقلاب المضاد لقاسم. وهذا ما أشار إليه جيمس إيكنيس الذي عمل في السفارة الأمريكية في بغداد في مرحلة تموز/ قاسم النيرة، حيث قال عن قادة البعث: “عرفت كل زعماء البعث وأعجبت بهم” ويؤكد أن ” المخابرات الأمريكية لعبت دوراً في انقلاب حزب البعث عام 1963. لقد اعتبرنا وصول البعثيين إلى الحكم وسيلة لاستبدال حكومة تؤيد الاتحاد السوفيتي بحكومة أخرى تؤيد أمريكا. إن مثل هذه الفرص قلما تتكرر. ويضيف إيكنيس “صحيح أن بعض الناس قد اعتقلوا أو قتلوا إلا أن معظم هؤلاء كانوا شيوعيين ولم يكن ذلك ليزعجنا “. بمعنى آخر كانت هنالك أموال أمريكية بل ومشاركة فعلية على الأرض. راجع الناصري، عقيل. انقلاب شباط 1963 في العراق وتخاذل الوعي العنفي. نشر في الحوار المتمدن بتاريخ 11/2/2007.
راجع: الدفاعي، عزيز. العراق في الحقبة الأمريكية. الجزء الأول. الحوار المتمدن. العدد 2064 في 10/10/2007 . (المقصود هنا قطار أمريكي وفق ما جاء في تصريحات على صالح السعدي، وليس على ظهر دبابة أمريكية، كاظم حبيب).
– راجع أيضا: الناصري، عقيل. انقلاب شباط 1963 في العراق وتخاذل الوعي العنفي. نشر في الحوار المتمدن بتاريخ 11/2/2007.
2 الفكيكي، هاني. أوكار الهزيمة. تجربتي في حزب البعث العراقي. مؤسسة المنار. لندن-قبرص. 1992. ص 235.
3 سعيد، علي كريم د. عراق 8 شباط 1963. من حوار المفاهيم إلى حوار الدم. مراجعة في ذاكرة طالب شبيب. بيروت. دار الكنوز الأدبية. ط 1. 1999. ص 49.
4 سعيد، علي كريم د. عراق 8 شباط. مصدر سابق. الهامش. ص 58. يقول الكاتب الراحل الدكتور علي كريم سعيد بهذا الصدد وفي هذا الهامش رقم 1 ما يلي: “واعتقد أن تسامح قاسم وعدم استخدامه التعذيب الوحشي والقسوة ومعاقبة الزوجة والأطفال والأخوان … الخ مما مارسته الحكومات التالية، ساعد البعثيين في تنفيذ خطتهم ضده. فلم يكن قاسم وحده يعرف بوجود حركة يخطط لها ضد نظامه، بل علم بذلك مجلس الوزراء بكامله وعدد من المهتمين. فقد حدثتني الدكتورة مي ألأوقاتي أن خالها هاشم جواد (وزير خارجية قاسم) أخبرهم أن مجلس الوزراء بحضور قاسم أُعلِمَ أكثر من مرة بمحاولة سيقوم بها البعثيون”.
5 يوسف، ثمينة ناجي، وخالدو نزار. سلام عادل سيرة نضال. في جزئين. الجزء الثاني. ط 1. دمشق. دار المدى للثقافة والنشر. 2001. ص 336.
6 – بطاطو، حنا. العراق. الكتاب الثالث. مصدر سابق. ص 286.
7 – خيري، زكي وسعاد. دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي. المجلد الأول. ط 1. لندن. 1984. ص 372.
8 بطاطو، حنا. العراق. مصدر سابق. ص 289.
9 موقع الوكالة الوطنية العراقية للأنباء. نينا. في 19/2/2010.
10 بطاطو، حنا. العراق. مصدر سابق. الكتاب الثالث. ترجمة عفيف الرزَّاز. ط 1. بيروت. مؤسسة الأبحاث العربية. ص 300.
11 خيري، زكي وسعاد. دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي. المجلد الأول. ط 1. لندن. 1984. ص 377.
12 العاني، نوري عبد الحميد د. وصحبه. تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري. 1958-1968. الجزء الخامس. ط 1. بغداد. المطبعة العربية. 2002. ص 228.
13 بطاطو، حنا. العراق. الكتاب الثالث. مصدر سابق. ص 287.
14 العاني، نوري عبد الحميد د. وصحبه. تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري. الجزء السادس. مصدر سابق. ص 26.
15 أورد الدكتور علي كريم سعيد بياناً أخر كتبه الفريق الركن عبد الكريم قاسم موجهاً إلى الجيش والشعب في العراق، ولكنه لم يصل إلى أسماع العراقيين بسبب إما تغييبه مع البيان= =الثاني أو بسبب خيانة جاسم العزاوي الذي كان المفروض أن يوصله لبثه من دار الإذاعة العراقية. ولا يختلف النص الأول عن النص الثاني إلا ببعض الكلمات، والمحتوى يبقى واحداً يؤكد ثقة قاسم بالجيش والشعب وبقدرتهما على سحق الانقلاب، دون أن يكون قد اتخذ الإجراءات الكفيلة بالتصدي للانقلاب. راجع في هذا الصدد: سعيد، علي كريم د. عراق 8 شباط 1963. مصدر سابق. ص 78.
16 خيري، زكي وسعاد. دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي. مصدر سابق. ص 382.
17 بطاطو، حنا. العراق. الكتاب الثالث. مصدر سابق. ص 298.
18 المصدر السابق نفسه. ص 298.
19 المصدر السابق نفسه. ص 297.