ورطة السياسة العراقية مع لعبة المحاور الإقليمية والدولية
حيدر حسين سويري
في كتابه “العمق الاستراتيجي (نشر عام 2001)“ تحدث أحمد داود أوغلو عما أسماه المثلث الاستراتيجي الحساس، الذي يتكون من تركيا ومصر وإيران، وقال: إن هذا الشكل الثلاثي، يفرض دائماً تقارب دولتين في مواجهة الثالثة، ضمن “ألعاب ميزان قوى قاسية لا رحمة فيها” تبدو كـ“لعبة شطرنج متداخلة متشعبة تقوم فيها التحالفات على أساس المصلحة والأوضاع المؤقتة“؛ إذ كلما استبعدت القوى الخارجية إحدى هذه الدول من المنظومة، كان يتم في المقابل إجتذاب الدولتين الأخريين إليها؛ وقد كانت تركيا – حسب داود أوغلو – تلعب دور الحكم في هذا التوازن، بحيث تبني علاقات متزنة مع الطرف المستبعد من المنظومة، وتعقد تحالفات مع الطرف الموجود داخلها، ضارباً حلف بغداد في مواجهة عبد الناصر وتقارب تركيا ومصر بعد الثورة الإيرانية كأمثلةٍ على ذلك.
نحن اليوم أمام متغيرات عدة جديدة، ومؤثرة في محاور المنطقة وتوازناتها، تدفع بإتجاه التقارب أكثر فأكثر بين أنقرة وطهران، بعد أن وصلت التراشقات الإعلامية بينهما عام 2015 إلى حديث تركيا عن “سياسات إيران المذهبية والعرقية“، وتهديد رئيس الأركان الإيراني حينها بتحويل “سوريا إلى مقبرة للأتراك“، لكن مع فرض العقوبات الإقتصادية على الطرفين، سيحول التقارب إلى تحالفٍ بكل تأكيد، حيث يقول أوغلو: “ما يحكم هذه اللعبة الدينامية ليس التماثل في النظم أو التوافق في الأيديولوجيات، بل هي المصالح والأوضاع المؤقتة/المتغيرة“.
يقول الكاتب السعودي“عبد الرحمن الراشد“: إن كوارث المنطقة وأزماتها ليست نتيجة لنموذج واحد من النزاعات الدولية، بل إن المنطقة نفسها فيها قابلية عالية للحروب والأزمات“. لذا فهو يقول أيضاً: “نحنُ ضد لعبة المحاور“. لكنهُ لا يُبين لنا كيف نفعل ذلك؟ وهل بأمكاننا الخروج من اللعبة؟
لُعبة المحاور، سياسة نهجتها الإدارة الأمريكية وأجبرت دول العالم للإنجرار إليها، بأطلاقها عبارة(من لم يكن معنا فهو عدونا)، فمن كان بعيداً جغرافياً أو إقتصادياً، فبإمكانهِ النأي بنفسهِ عن اللعبة، لكن كيف بنا ونحن وسطها، بل مدار صراعها؟!
السعودية تتهم إيران بأنها مصدر الشر في المنطقة، وتقابلها إيران بنفس التهمة، السعودية وحلفاؤها ضمن المحور الغربي(أمريكا) وإيران وحلفاؤها ضمن المحور الشرقي(روسيا)؛ أمريكا قضت على صدام وأحتلت العراق، وهي بذلك لاعب أساس في العملية السياسية العراقية(الداخلية والخارجية)، وإيران تربطها علاقات ومواقف كثيرة بالشعب العراقي، فهي أيضاً لاعب أساس؛ يتسابق المحوران لكسب ما يمكن كسبهُ في المنطقة، فما هو موقف السياسة العراقية من هذه اللعبة يا ترى؟!
في لقاءه الأمير الكويتي صرح الحكيم قائلاً:“العراق لن يدخل لعبة المحاور، إنما هو جسر لتواصل المتخاصمين، لإعتباراته التاريخية والجغرافية“. لكن ما حصل خلاف ذلك، فموقف العبادي واضح بالوقوف مع امريكا، وإن كانت ولايته منتهية لكنه مازال يمثل الرأي الرسمي للعراق.
إيران ستسعى لجمع حلفائها وتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، معتمدةً بذلك على المالكي والعامري، تقابلها أمريكا معتمدة على العبادي والسنة(كتلة المحور الوطني)، وأما الوطنيين المعتدلين فلا مكان لهم في اللعبة، أما سائرون فهو مضمون الدخول في أي كتلة وطنية ليس فيها المالكي(دولة القانون).
بقي شئ…
أعتقد أن الخروج من اللعبة ليس هو الحل، كُن قوياً وحدد موقفك وأصطف وقف في المكان المناسب، فإن الوقت لن يمهلك كثيراً، سياسة سعدٍ لا تنفعك.