بلا شك فان القضية الكوردية بدأت في القرن السادس عشر عند اصطدام الفرس الصفويين والترك العثمانيين عام (1514م) في معركة جالديران التي كان من نتائجها تقسيم ارض الكورد عملياً بين تركيا وايران ، ولكن جذور القضية الكوردية الحقيقية والتي تحولت الى قضية كوردستانية شملت ديموغرافية كوردستان باهلها وجغرافيتها تعود الى اتفاقيّة “سايكس – بيكو” سنة 1916، بين الإنكليز والفرنسيين ، هذه الاتفاقيّة التي قسّمت تركة الدولة العثمانيّة، ومنحت العرب والاتراك والفرس دولاً، وحرمت الكورد، ووزّعتهم على أربع دول هي؛ تركيا وإيران والعراق وسورية.
لقد كانت بريطانيا وفرنسا من يقود الحلفاء في الحرب العالمية الاولى وعندما انتصروا وسقطت الامبراطورية العثمانية حرموا الكورد من إقامة دولة مستقلة، وقسمت المنطقة المسماة كوردستان إلى أجزاء من إيران والعراق وسوريا وتركيا، وفي عام 1920 جائت معاهدة سيفر التي تعد وثيقة فريدة في تاريخ القضية الكوردية، حيث نصت على تحقيق حل المشكلة الكوردية بمراحل، وإذا اجتاز الكورد هذه المراحل، وطالبوا بالاستقلال، ورأت دول الحلفاء أهليتهم لذلك يصبح الاستقلال أمرا واقعياً، وعلى الحكومة التركية والحكومات الاخرى الاعتراف بذلك… علما بأن مساحة كوردستان تبلغ حوالي نصف مليون كم2، وعدد الكورد الآن يبلغ حوالي 55 مليون نسمة ، وهذه مساحة وعدد سكان أكبر بكثير من مساحات وعدد سكان العديد من الشعوب التي حصلت على دول خاصة بها.
هذا التوزّع الجغرافي والبشري للكورد على هذه البلدان الأربع، وعمليات القمع والصهر التي تعرّض لها الكورد من قبل الأنظمة الحاكمة لهذه البلدان من العرب والفرس والترك اعتبرت ثلاثية ظلم على الشعب الكوردي فايران دولت القضية الكوردية لديها واعتبرتها بالمنظور العالمي قضية داخلية يجب ان تحل داخليا ، وهكذا فعلت تركيا وادعت بان القضية الكوردية قضية داخلية ويمكن حلها داخليا ، ومعه العرب في العراق وسوريا ، وجميع هذه الدول كانت تستخدم الدبابات والطائرات والانفالات وجرف القرى وتدميرها وعمليات الاغتيالات للرموز والناشطين وحصارات اقتصادية وصهر الثقافة ضد الكورد، لمحو وقتل واخماد القضية الكوردية وامام انظار العالم ومع ذلك لم تخمد جذوة السعي التحرري لدى الكورد والكوردستانيين، ومحاولة تحقيق حلمهم في نيل حقوقهم القوميّة ، وكانت دولة مهاباد في ايران عام 1946 البداية الحقيقية للوعي السياسي الكوردي ، وبعدها كان نجاح ثورة ايلول المباركة في العراق واعلان اتفاقية اذار عام 1970بين الحكومة العراقية وقيادة الثورة بشخص البارزاني الخالد ومعه مهندس المصالحة الوطنية ادريس الفقيد نقطة البداية الحقيقية لنيل الشعب الكوردي والكوردستاني لنسبة من حقوقهم وتبعتها منح منطقة امنة للكورد في كوردستان الجنوبية عام 1990 من قبل التحالف الدولي وجعل كوردستان العراق منطقة حكم ذاتي وتحولها الى منطقة فدرالية بعد 2003 ، وهذا ما كان يزيد من تخوف الحكومات في ايران وتركيا وسوريا من اقامة دولة كوردية في كوردستان الجنوبية فحاولوا بشتى الطرق ضرب اي شخص او حزب او تيار يحاول الحديث حول القضية الكوردية في دولهم ، وما كان تحالف ( المتخاصمين بينهم دائما) العرب والترك والفرس مستخدمين بذلك جميع الوسائل العسكرية والاقتصادية ضد الاستفتاء التاريخي لانفصال كوردستان الجنوبية عن العراق والذي قاده سيادة الرئيس مسعود بارزاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني في الخامس والعشرين من ايلول 2017 والذي نجح بامتياز واظهر حرص الكوردستانيين بمختلف مكوناتهم ومذاهبهم واطيافهم حبهم للحياة والحرية والاستقلال ، حيث كان ذلك التحالف ( سيء الصيت) محاولة بائسة لتحجيم القضية الكوردية والكوردستانية وضربها ، وهكذا اثبت ذلك التحالف سيء الصيت ( رسميا) ثلاثية الظلم ضد كوردستان .
وإذا كان لنا أن نحصي الشعوب التي تقع تحت ظلم كبير الآن، في القرن الحادي والعشرين، فإننا لا نستطيع تجاوز شعب كوردستان الذي يعاني بشدة من الاضطهاد والملاحقة والقتل والتدمير في مختلف المناطق الكوردستانية ان كان في تركيا او ايران او سوريا وسابقا اي قبل 2003 في العراق وإذا كان لنا أن ندعي الوقوف مع حقوق الإنسان، ومع العدل وحقوق الشعوب في الحرية والاستقلال فإنه لا مفر أمامنا إلا أن نقف مع شعب كوردستان ومن أراد أن يكون منصفا لنفسه فعليه أن يكون منصفا لغيره.