شجرة الزيتون شجرة قديمة قدم الحياة موجودة منذ أقدم العصور وعرف الإنسان شجرة الزيتون منذ العصور القديمة فاستغلها أحسن الاستغلال، واكل ثمرها، واستضاء بزينتها، واستوقد خشبها،(وزيتونا) وهي شجرة الزيتون(ونخلاً) يعني النخيل(وحدائق) أي بساتين وأحدها حديقة.
وتشير بعض المعلومات إلى إن أشجار الزيتون منتشرة في أرض الكورد(عفرين) منذ ستة ألاف سنة(1) وخاصة في مملكة ابلا (قرب ضواحي حلب) وكانت هذه المملكة مسيطرة على شمال سوريا ولبنان وحوض الرافدين ولها علاقات تجارية كبيرة، ثم انتشر إلى باقي دول حوض المتوسط.
فوائد الزيتون كثيرة لأن من ثمرتها طعاماً وإصلاحاً ومداواة، ومن أعوادها وَقود وغيره، وفي الحديث (كلوا الزيت وادَّهِنوا به فإنَّه من شجرة مباركة).
لعل أكثر الأشجار انتشاراً في منطقة جيا كورمينج(عفرين) شجرة الزيتون، التي اتسع غرسها، وتضاعف إنتاجها، وهذا النمو في المساحات المخصصة لشجرة الزيتون كان الغرض منه مواكبة تضاعف الطلب على الزيتون ومشتقاته، كما كان لازدهار حركة المبادلات التجارية على نطاق واسع، وتحولت المنطقة إلى محور ومحطة أساسية في التجارة المحلية والدولية أثر كبير في الزيادة على الطلب، خصوصاً زيت الزيتون الكوردي العفريني.
وقد شرف الله عزا وجل بشرف منبتها وكرم الموطن الذي ظهرت فيه، ولم تزل شجرة الزيتون مشهورة بالبركة بين الناس.
إن البشر إذا نقلوا حيواناً أو نباتاً من أرض إلى أرض أو أرادوا الانتفاع به في فصل غيرِ فصله ورأوا عدم صلاحية المكان أو الزمان المنقول إليهما يحتالون له بما يكمل نقصه من تدفئة في شدة بَرد أو تبريد بسبح في الماء في شدة الحر حتى لا يَتعطل تناسل ذلك المنقول إلى غير مكانه، فكما أن بعض الحيوان أو النبات لا يعيش طويلاً في بعض المناطق غير الملائمة لطباعه كالغزال في بلاد الثلوج فكذلك قد يكون بعض الأماكن من المنطقة الملائمة للحيوان أو النبات أصلح به من بعض جهات تلك المنطقة، فلعل جَوّ طور سيناء لتوسطه بين المناطق المتطرفة حرّاً وبَرداً ولتوسط ارتفاعه بين النجود والسهول يكون أسعد بطبع فصيلة الزيتون كما قال تعالى:{ زيتونة لاَ شرقية ولا غربيَّة}[النور:35]، فالله تعالى هيأ لتكوينها حين أراد تكوينها ذلك المكان كما هيأ لتكوين آدم طينة خاصة فقال:{خلقَ الإنسانَ من صلصال}[ الرحمن:14] ثم يكون الزيتون قد نقل من أول مكان ظهر فيه إلى أمكنة أخرى نقله إليها ساكنوها للانتفاع به فنجح في بعضها ولم ينجح في بعض(2).
وقد ثبت في التوراة أن شجرة الزيتون كانت موجودة قبل الطوفان وبعدَه. ففي الإصحاح الثامن من سفر التكوين: أن نوحاً أرسل حمامة تبحث عن مكان غِيضت عنه مياه الطوفان فرجعت الحمامة عند المساء تحمل في منقارها ورقة زيتون خضراء فعلم نوح أن الماء أخذ يغيض عن الأرض.
وأيّاً مَّا كان فقد عرف نوح ورقة الزيتون فدل على أنهم كانوا يعرفون هذه الشجرة من قبل الطوفان.
ولكن لم يرد ذكر استعمال زيت الزيتون في طعام في التاريخ القديم إلاّ في عهد موسى عليه السلام أيام كان بنو إسرائيل حول طور سيناء؛ فقد استعمل الزيت لإنارة خيمة الاجتماع بوحي الله لموسى، وسَكب موسى دهن المسحة على رأس هارون أخيه حين أقامه كاهناً لبني إسرائيل.
ويجوز أن يكون معنى{تخرج}تظهر وتُعرف، فيكون أول اهتداء الناس إلى منافع هذه الشجرة وانتقالهم إياها كان من الزيتون الذي بطور سيناء. وهذا كما نسمّي الديك الرومي في بلدنا بالديك الهندي لأن الناس عرفوه من بلاد الهند ، وكما تسمى بعض السيوف في بلاد العرب بالمَشْرَفِيَّةِ لأنَّها عرفت من مَشارف الشام، وبعض الرماح الخَطيةَ لأنها ترد إلى بلاد العرب من مرفأ يقال له: الخَط، وبعض السيوف بالمهنَّد لأنَّه يجلب من الهند، وقد كان الزيت يجلب إلى بلاد العرب من الشام ومن فلسطين(4).
وقد ضرب الله بزيت الزيتونة مثلاً لنوره في قوله:{ مَثَلُ نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دُرِّيّ يُوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتُها يُضيء ولو لم تَمْسَسْهُ نارٌ نورٌ على نور}[النور:35].
والتعبير بالمضارع في قوله:{تخرج من طور سيناء} لاستحضار الصورة العجيبة المهمة التي كونت بها تلك الشجرة في أول تكوينها حتى كأن السامع يبصرها خارجة بالنبات في طور سيناء، وذلك كقوله:{وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير}[المائدة: 110]، وهذا أنسب بالوجه الأول في تفسير معنى{تخرج من طور سيناء}، ومعنى{ تنبت بالدهن}أنها تنبت ملابسة للدهن فالباء للملابسة(5).
وهذه الآية مثال لباء الملابسة، والملابسة معنى واسع، فملابسة نبات شجرة الزيتون للدهن والصبْغ ملابسة بواسطة ملابسة ثمرتها للدهن والصبغ، فإن ثمرتها تشتمل على الزيت وهو يكون دهناً وصبغاً للآكلين، فأما كونه دهناً، فهو أنه يدهن به الناس أجسادهم ويرجِّلون به شعورهم ويجعلون فيه عطوراً فيرجلون به الشعور، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدَّهن بالزيت في رأسه.
وتساءل كُتَّاب التلمود عن سبب تشبيه اليهود بشجرة الزيتون، وترد الإجابات التالية:
1 ـ لأن شجرة الزيتون لا تفقد أوراقها، كما أن كل اليهود لن يضيعوا في هذا العالم أو العالم الآتي.
2 ـ وكما أن الزيتون لا ينتج زيتاً إلا بعد العصر والضغط عليه، فإن أعضاء جماعة إسرائيل لن يعودوا كذلك إلى جادة الصواب إلا بعد الآلام والعذاب.
3 ـ شُبِّه اليهود بحبة الزيتون لأن زيت الزيتون لا يمكن خلطه مع المواد الأخرى. وكذلك جماعة إسرائيل، لا يمكن أن تختلط مع الشعوب الأخرى.(6)
وقد قيل إن أصل منبت شجرة الزيتون بلاد الشام، ويحتمل أن يكون المعنى أن جهة تلك الشجرة من بين ما يحف بها من شجر الزيتون موقع غير شرق الشمس وغربها وهو أن تكون متجهة إلى الجنوب، أي لا يحجبها عن جهة الجنوب حاجب وذلك أنفع لحياة الشجرة وطيب ثمرتها، فبذلك يكون زيتها أجود زيت وإذا كان أجود كان أشد وقوداً ولذلك أتبع بجملة:{ يكاد زيتها يضيء} وهي في موضع الحال(7).
هذه شجرة الزيتون التي هي من عجائب الدنيا، ويظهر على الشجرة زهر الزيتون ثم ينعقد زيتوناً ويكبر ويسود بعد أيام فيأخذ من ذلك الزيتون زيتها ومخلفاتها للأكل والفائدة.
ولهذه الشجرة المباركة أنواعه كثيرة، ومادة الزيتون، أصبحت غذاء مفضّلاً لدى شريحة عريضة من السكان، خصوصاً وأنه ساد اعتقاد راسخ بأن شجرة الزيتون شجرة مباركة وكذا ثمرها وزيتها.
ولقد توارث أهل جيا كورمينج أساليب مختلفة في حفظ الزيتون لفترات زمنية طويلة، فإن كل أنواعه مقوية للأبدان ومنشطة للحركة.
وشجرة الزيتون فهو مبارك، وربما دل على العلم والبركة، وربما نفع الأقارب، وربما كان شجر الزيتون توفر نعمة لمن عنده صلاح لقوله تعالى(وزيتوناً ونخلاً).
وأما التمسك بورق الزيتون أو عروقه فتمسك بالعروة الوثقى.
فزيت الزيتون هي من شجرة مباركة وثمرها مبارك، قال تعالى:[شجرة مباركة زيتونة](النور35)،وقد ورد ذكر شجرة الزيتون في عدة مواضع من القرآن الكريم ، قال تعالى:[والتين والزيتون](التين1)،وقال تعالى:[وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين] (المؤمنون20)،وذكر العلامة بن سعدي رحمه الله في تفسيره:[أنها تنبت في أرض الشام]، وقال بن كثير رحمه في تفسيره: [محلة التين والزيتون وهي بيت المقدس]،وقال القرطبي في تفسيره:[وأقسم الله بالزيتون وهو أكثر أدم أهل الشام والمغرب، يصطبغون به، ويستعملونه في طبيخهم، ويستصبحون به، ويداوى به أدواء الجوف والقروح والجراحات، وفيه منافع كثيرة]،ولذلك أنفع الزيت زيت الزيتون، قال صلى الله عليه وسلم:( كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة){الترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم، وعند البيهقي وبن ماجه والحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع، قال صلى الله عليه وسلم:(ائتدموا بالزيت وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة).
والعالم ينظر إلى هذه الشجرة ليس فقط من أنها مقدسة بل إنها رمز للسلام الذي نحب ونأمل أن يعم العالم وقد جعلته الأمم المتحدة شعارها.
تتناقله شعوب العالم وتسعد به وهي وبشير الامان الذي ادخل على سكان سفينة نوح عليه السلام عندما عادت الحمامة بالبشرى وهي تحمل غصن الزيتون.
9-2-2019م
المصادر:
- الإسلام والطب الطتاب الزيتون. ج1 ص1.
- الكتاب : التحرير والتنوير لابن عاشور .ج19 ص149.
- الكتاب : التحرير والتنوير لابن عاشور .ج19 ص149.
- الكتاب : التحرير والتنوير لابن عاشور .ج19 ص150.
- الكتاب : التحرير والتنوير لابن عاشور .ج19 ص151.
- الكتاب:موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية.المؤلف:عبد الوهاب المسيري.عدد الأجزاء: 7. ج13 ص 345.
- الكتاب : التحرير والتنوير لابن عاشور .ج19 ص359.